يبدو أن يوم الأحد 4 غشت 2019، لم تحلق الملائكة في سماء إحدى المدن الصغيرة النائية الموجودة بأرض بلد، إسمه المغرب واسمها هي سيدي علال البحراوي. طفلة صغيرة، وجدت نفسها بغثة في ورطة؛ حيث اشتعلت النيران من كل جهة وناحية، فحاصرتها داخل غرفة لا منافذ لها ولا أي فتحة. أمام هذا المشهد، الذي يعتبر حقيقة وليس محض خيال، كان الكل يشاهد، مكتفيا بالتفرج فقط؛ والكل كان يسيطر عليه الضعف والعجز؛ وعلى ما يبدو، فحتى الملائكة تخلفت عن الموعد، ولم تأت لإنقاذ هذه الطفلة البريئة نظيفة اليد. الناس، تؤمن بوجود هذه المخلوقات النورانية؛ ليس لأن الأديان تحض على ذلك وحسب، وتجعله من صميم الإيمان بها، بل لأن ذلك راجع إلى أمور غريزية فطرية كامنة فيه. وإيمانه بها وبوجودها، بلغ حدّا جعله يتكنّى بها، ويسمي أبناءه بإسمها، ويحرص حرصا شديدا على سلوك مسكلها؛ فميز بها الخيّر والشرير، الحسن والسيء . . لذلك، فقد جعل فوق الأرض، ومن نفسه وجنسه، من يشبه لها في أفعالها. فأنشأ مؤسسات كبرى، زودها بكل وسائل الإنقاذ، وتقديم يد المساعدة للمضطر، الذي يعترضه الخطر. كما أتاح لذلك، كل الوسائل التي تجعل هذا العمل يتم في الوقت المناسب. ولأجل هذا، سمّى بعض من يضطلع بهذه الأدوار، ملائكة الأرض أو بتعبير آخر ملائكة الرحمان. لكن، وعلى الرغم من هذا، وإذا لم تكن ملائكة السماء قد حضرت في تلك اللحظة الكئيبة الحزينة، التي ستظل وشما عصيا على الإزالة من جسد القائمين على هذا البلد، فإن ملائكة الأرض بدورها قد تخلفت عن الموعد المحدّد، ولم تقم بالدور الذي وجدت لأجله؛ فتخلت بسبب تقصيرها عن طفلة كانت محاصرة بالخطر من كل صوب وناحية، وتركتها تواجه مصيرها المحتوم الذي لم تكن قادرة عليه بسبب ضعفها وصغر سنها. هناك العديد من المتخيلات الشعبية، بخصوص التدخل (الملائكي) في بعض الشدائد والأخطار. إذ بحسبها يتم الإشتراط لهذا التدخل، العديد من الشروط؛ لكنها تستثنى في حالة الأطفال الصغار. فالطفل الصغير بريء من كل الذنوب، يده بيضاء، لا سوء ارتكبته ولا ذنب فعلته. لهذا، كثيرا ما اقترن لفظ طفل بلفظ ملاك. وإذا كان هذا، من شروط تدخل ملائكة السماء، كما هو في المتخيل الشعبي، كشرط لإنقاذ من يحذق به الخطر، فمبدئيا لا مجال لوجود مثل هذه الشروط في تدخل ملائكة الأرض في مثل هذه الحالات. كما أنه وحتى في المتخيل الشعبي، لا وجود لفوارق بين غني وفقير، كبير وصغير، ذكر و أنثى.. لكن في هذه الأرض، وفي هذه المدينة البئيسة بالضبط، التي رأى أهلها بأم العين، طفلة تأكل جسدها النار وهي حية، من دون أي رد فعل مناسب، لا ريب أن هناك شروط يجب توافرها حتى يكون هناك تدخل مناسب. وقد تساءل الكثير، عن الفرق بين التدخل المناسب الذي تقوم به الدولة في حالة إذا ما أرادت تفريق مظاهرة أو احتجاج، مقابل تدخلها غير المناسب في حالات مثل حالة ما وقع لهذه الطفلة. في الحالة الأولى، تستعمل خراطيم المياه القوية، التي تستطيع شلّ حركة فيل في لحظة واحدة؛ أما في الحالة الثانية، فقد بلغ ضعف خراطيم المياه حدّا يصعب معه إطفاء لهب نار بالكاد يظهر. التساؤل جد مشروع، يؤكده ما ظهر في الفيديو الذي وثّق لهذه القضية، رغم ذلك البلاغ الذي خرجت به وزارة الداخلية، تحاول فيه رفع التهمة عنها؛ إذ لم يكن إلا محاولة يائسة منها، لدر الرماد في الأعين؛ ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن تنطل على أي كان خاصة أمام هول هذه المأساة. مثل هذا الوضع، يبدو على أنه سائد في العديد من المناطق والمدن المغربية، خاصة النائية منها. إذ أن هناك مدنا لا وجود فيها إطلاقا، لثكنات خاصة بالوقاية المدنية. وإذا ما حصل حاصل، وطرأ طارئ فإنه يلزم تنقلها من مدن كبيرة مجاورة، قد يصل الفرق المكاني والزماني بينهما إلى وقت طويل لوصولها إلى ذلك المكان. عندئذ، سيكون كل شيء قد انقضى وانتهى. من هنا، يبدو جيدا على أن الخدمات المقدمة من منطقة إلى منطقة، تخضع هي أيضا لشروط معينة. سواء تعلق الأمر، بالمؤسسات أو بالأشخاص. وهذا ليس حكرا فقط، على التدخلات في حالة وقوع كوارث طبيعية أو في حالة الحرائق، وإنما حتى في حالة الاستفادة من الخدمات الطبية. فيكفي التوجه إلى أقرب مستشفى عمومي في أي مدينة كانت، لتتم المعاينة بأم العين، مناظر قد تجعل المريض يفضل أن يبق على مرضه إلى أن يقضى عليه، على أن يعالج في تلك المستشفيات التي تزكم الروائح الكريهة الموجودة بها الأنوف. من السيء جدا، رؤية مثل هذه المشاهد التي تحترق لها الأفئدة. ربما، أن ما حصل للطفلة، المرحومة هبة، يؤلم بشكل أكثر، لكن هناك ما يعادلها في السوء. لقد حدثت العديد من الحوادث المشابهة بشكل متتابع زمنيا، ليس بينها إلا وقت قصير جدا. ومن السيء، بألا يكون هناك أي جهد مبذول للحد منها على الأقل. يجوز للمرء هنا، أن يتساءل عن الأسباب؛ كما يجوز له أن يتساءل عن أسباب التعاسة الموجودة في كل المدن المغربية. بؤس، فقر، مخدرات، إجرام، دعارة …جرائم مروعة بشعة؛ غير محصورة في زمن معين أو أنها مجرد حالة خاصة وسحابة صيف عابرة ستنقض؛ بل إن حدوثها قد أخذ حيزا زمنيا طويلا ولا وجود لمؤشرات على اقتراب نهايته. يمكن الختم، بما سطره الفيلسوف(ويل ديورانت) في كتابه قصة الحضارة. إذ يقول، على أنه “لا يمكن احتلال حضارة عظيمة من قبل قوة خارجية ما لم تدمر نفسها من الداخل”. وإذا كان القصد من لفظ قوة خارجية لدى هذا الفيلسوف، هو دولة في الأغلب الأعم، لأن الفترة التي كان يعيش فيها كانت فترة حرب واستعمار واحتلال، فإنه وفي هذه الفترة بالذات ومع انتهاء الاستعمار بشكله الأولي التقليدي، يمكن أن يأخذ لفظ، القوة الخارجية، دلالات عديدة مختلفة. إذ أن الفقر والاستبداد وغيرهما، أيضا قوى خارجية، يمكن لها أن تحل متى ما تم تدمير حضارة أو أمة معينة بواسطة أدوات تدمير ذاتية داخلية.