تعتبر “تاجر البندقية” إحدى أشهر روايات الكاتب العالمي ويليام شكسبير، و”البندقية”VENISE هي إحدى أشهر المدن بإيطاليا، حيث يقبل عليها السياح بكثرة، والقصة تحكي عن الجشِع”شيلوك” الذي جمع ثروة طائلة من المال الحرام. فقد كان يقرض الناس بالفائدة بشكل فاحش…وكانت مدينة البندقية آنذاك من أشهر المدن التجارية، من بينهم التاجر الشاب “انطونيو”، ذي القلب الطيب حيث لم يبخل على كل من يلجأ إليه للاقتراض دون أن يحصل من المقترِض على فائدة. لذلك فقد كان التاجر الجشع “شيلوك”يكرهه ويضمر له الشر. وفي أي مكان كان يلتقي فيه “انطونيو”و”شيلوك”كان “انطونيو”يُعنِفه ويوبخه، ويتهمه بقسوة القلب والاستغلال. وكان “شيلوك” الجشع يتحمل هذه المهانة، وفي الوقت نفسه كان يتحين أي فرصة تسنح له للانتقام من “انطونيو”. تاجر البندقية لقب يمكن استعارته وإطلاقه، دون تردد، على الرئيس الأمريكي المثير للجدل دونالد ترامب، مع الابتعاد عن مدينة البندقية وولوج عالم الأسلحة، أي أننا بصدد البندقية السلاح وليس المدينة التجارية سابقا والسياحية حاليا ( يزورها سنويا 20 مليون سائح)، لكن سنظل قريبين من ممارسة التجارة عبر السياسة والعكس صحيح. فمنذ ولوجه البيت الأبيض أشهر دونالد ترامب موقفه الواضح من استمرار بيع الأسلحة للمواطنين الأمريكيين التزاما بالتعديل الثاني من دستور البلاد الذي يقر الحق في اقتناء الأسلحة وحملها. وقارب عمليات انخراط الجيوش الأمريكية في نزاعات مسلحة، عبر العديد من مناطق العالم، بعقلية تاجر البندقية، لنصبح أمام تاجر البندقيات، الذي يربط التدخل عسكريا لفائدة حلفاء بلاده وشركائها بمقابل مادي أو نفعي، مع تسليم فاتورة en bonne et due forme ، ولم يتورع دونالد ترامب/ تاجر البندقيات عن الإعلان عن ذلك أمام العالم دون أن يرف له جفن، وكانت أشهر استعمالاته لهذه الصيغة حديثه عن التدخل في الممر البحري مضيق هرمز الحيوي في عز صراع مكشوف مع إيران لتأمين مرور ناقلات النفط التي تغذي شريان العديد من اقتصاديات البلدان عبرالعالم. ويوم الأربعاء 7 غشت الجاري صرح ترامب أن بلاده تتباحث مع كوريا الجنوبية بهدف دفع المزيد من الأموال مقابل تأمين الحماية العسكرية الأمريكيةلكوريا الجنوبية من أي تهديد كوري شمالي، وأضتف في إحدى تدويناته : “كوريا الجنوبية دولة ثرية للغاية وتشعر الآن بضرورة الإسهام بقسط في الدفاع العسكري الذي تقدمه لها الولاياتالمتحدةالأمريكية. تاجر البندقيات / ترامب واجه أيضا ( ولا يزال) عدة سجالات جديدة، منذ ولوجه رحاب البيت الأبيض، بمناسبات ارتكاب عمليات قتل جماعي بالسلاح الناري داخل الولاياتالمتحدةالأمريكية، آخرها عمليتان جديدتان لإطلاق النار في ولايتي تكساس وأوهايو، مطلع شهر غشت الجاري، ففي غضون 24 ساعة، أزهقت أرواح 30 شخصا بريئا بدم بارد على يد مدججين بالسلاح. وقبل أسابيع شهدت ولاية فرجينيا، شهر ماي الماضي، إطلاق نار “عشوائي” أوقع 12 قتيلا على الأقل، مما أعاد النقاش حول تزايد وقائع إطلاق النار الجماعي في الولاياتالمتحدةالأمريكية، وجدد الجدال حول حمل السلاح في بلد العم سام مرة أخرى، خلال ولاية الرئيس ترامب، الذي يرفض بشكل قاطع أي تقييد لهذا الحق المكتسب بناء على الدستور الأمريكي رغم المآسي التي يخلفها سقوط قتلى في عمليات قتل جماعي وعشوائي في الكثير من الأحايين، لأن تجار الأسلحة (شركات تصنيع السلاح) يمثلون أحد أقوى اللوبيات (جماعات الضغط ) في الحياة السياسية والاقتصادية والعسكرية الأمريكية دفاعا عن مصالح (اللوبي هو مجموعات منظمة تسعى للتأثير على القرارات الحكومية والتشريعات القانونية والانتخابات). ومما تجدر الإشارة إليه أن الولاياتالمتحدةالأمريكية تحتل المرتبة الأولى عالميا في تصنيع وتصدير الأسلحة وتسيطر على حوالي 34٪ من صادرات السوق العالمية للسلاح، لذلك يُعد لوبي الأسلحة وشركاته المتعددة من أكبر جماعات الضغط وأكثرها نفوذا، ودائما ما تظهر تأثيراتها على الرئيس الأمريكي قاطن البيت الأبيض، حتى لا يعرقل صناعة الأسلحة وتوزيعها. وأحيانا كثيرة قد تسعى لوبيات السلاح لإشعال الحروب من أجل إرضاء طموحاتها ومطامعها وتوسيع مصالحها. من أشهر لوبيات السلاح الاتحاد القومي للاسلحة (NRA/ National Rifle Association of America) وطالما صرح دونالد ترامب، دون أن يرف له جفن، أن كل البلدان التي تطلب دعما أو حماية عسكرية أمريكية في كل بقاع العالم التي تشهد توترات، عليها أن تدفع مقابلا ماليا، ووجه خطابه أساسا لدول الخليج باعتبارها غنية بثروتها النفطية، مُضخِما في ذات الوقت ما يعتبره تهديدا إيرانيا لهذه البلدان. وهذه لعمري إحدى خصائص سلوكيات الجشِع “شيلوك” كما أبدعه الكاتب العالمي ويليام شكسبير في رائعته “تاجر البندقية”. وفي عهد دونالد ترامب / تاجر البندقيات انسحبت الولاياتالمتحدةالأمريكية رسميا من “مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة” في يونيو 2018، كما سجلت منظمة هيومن رايت ووتش، في تقريرها عن سنة 2018، تواصل تراجع الولاياتالمتحدةالأمريكية إزاء مجموعة من القضايا الحقوقية داخليا وخارجيا خلال السنة الثانية من إدارة الرئيس دونالد ترامب. فقد تمكن الرئيس ترامب والكونغرس، عبر سيطرة “الحزب الجمهوري” على السلطة التشريعية في عام 2018، من إقرار قوانين وتطبيق تشريعات وتنفيذ سياسات تنتهك حقوق الإنسان أو تقوّضها ومن ضمن ذلك تطبيق سياسات مناهضة للهجرة. وسجل تقرير الهيئة الحقوقية الدولية مواصلة إدارة ترامب تقديم دعم عسكري ومالي ودبلوماسي لأنظمة وحكومات أجنبية مسيئة لحقوق الإنسان. كما قوّضت السياسة العامة للإدارة الأمريكية المؤسسات متعددة الأطراف والهيئات القضائية الدولية الساعية إلى محاسبة مرتكبي الانتهاكات الحقوقية الخطيرة، رغم تقديمها في الوقت نفسه الدعم لبعض المبادرات الدولية الرامية إلى فرض عقوبات على الأفراد والحكومات التي ترتكب انتهاكات لحقوق الإنسان. كما سُجلت زيادة في عدد حوادث الكراهية، على عهد ترامب، مقارنةً بالسنوات السابقة على ولوجه البيت الأبيض. إننا فعلا أمام ملامح تاجر البندقية، كما أبدعها الرائع ويليام شكسبير، لكن ببُعد عالمي يهدد الأمن والاستقرار الهشين في كافة قارات الكرة الأرضية الخمس.