الملك يعين عددا من السفراء الجدد    التوفيق: إجمالي المكافآت التي قدمتها الوزارة للقيمين الدينيين في 2024 بلغ مليارين و350 مليون درهم    الملك يهنئ عبد الإله بنكيران بمناسبة إعادة انتخابه أمينا عاما لحزب العدالة والتنمية    وزير العدل.. مراجعة الإطار القانوني للأسلحة البيضاء أخذ حيزا مهما ضمن مشروع مراجعة القانون الجنائي    الرباط.. انعقاد الاجتماع ال 11 للجنة العسكرية المشتركة المغربية-الإسبانية    "الأخضر" ينهي تداولات البورصة    رئيس الحكومة الإسباني.. استعدنا التيار الكهربائي بفضل المغرب وفرنسا    برلمانات الجنوب العالمي تعوّل على منتدى الرباط لمناقشة "قضايا مصيرية"    تداعيات الكارثة الأوروبية تصل إلى المغرب .. أورنج خارج التغطية    الكهرباء تعود إلى مناطق بإسبانيا    مهنيو الصحة بأكادير يطالبون بحماية دولية للطواقم الطبية في غزة    قضايا الإرهاب .. 364 نزيلا يستفيدون من برنامج "مصالحة"    ‪بنسعيد يشارك في قمة أبوظبي ‬    أورونج المغرب تعلن عن اضطرابات في خدمة الإنترنت بسبب انقطاع كهربائي بإسبانيا والبرتغال    دوري أبطال أوروبا.. إنتر يواجه برشلونة من دون بافار    الرياح القوية تلغي الملاحة البحرية بميناء طنجة المدينة    التحالف الديمقراطي الاجتماعي في العالم العربي يؤكد دعمه للوحدة الترابية للمملكة ويرفض أي مساس بسيادة المغرب على كامل ترابه    نزهة بدوان رئيسة لمنطقة شمال إفريقيا بالاتحاد الإفريقي للرياضة للجميع    يضرب موعد قويا مع سيمبا التنزاني .. نهضة بركان في نهائي كأس الكونفيدرالية الإفريقية للمرة الخامسة في العقد الأخير    أزيد من 3000 مشاركة في محطة تزنيت من «خطوات النصر النسائية»    منتدى الحوار البرلماني جنوب- جنوب محفل هام لتوطيد التعاون بشأن القضايا المطروحة إقليميا وقاريا ودوليا (ولد الرشيد)    بوتين يعلن هدنة مؤقتة لمدة ثلاثة أيام    توقف حركة القطارات في جميع أنحاء إسبانيا    الدار البيضاء.. توقيف عشريني بشبهة الاعتداء على ممتلكات خاصة    لماذا المغرب هو البلد الوحيد المؤهل للحصول على خط ائتمان مرن من صندوق النقد الدولي؟ محلل اقتصادي يجيب "رسالة 24"    منظمة الصحة العالمية: التلقيح ينقذ 1.8 مليون شخص بإفريقيا في عام واحد    لماذا لا يغطي صندوق الضمان الاجتماعي بعض الأدوية المضادة لسرطان المعدة؟    هشام مبشور يفوز بلقب النسخة الثامنة لكأس الغولف للصحافيين الرياضيين بأكادير    فعاليات المناظرة الجهوية حول التشجيع الرياضي لجهة الشرق    انقطاع كهربائي غير مسبوق يضرب إسبانيا والبرتغال    أزيد من 403 آلاف زائر… معرض الكتاب بالرباط يختتم دورته الثلاثين بنجاح لافت    403 ألف زاروا المعرض الدولي للكتاب بمشاركة 775 عارضا ينتمون إلى 51 بلدا    مزور يؤكد على التزام المغرب بتعزيز علاقاته الاقتصادية مع الصين في إطار المنتدى الصيني العربي    مصر تفتتح "الكان" بفوز مهم على جنوب إفريقيا    حمودي: "العدالة والتنمية" نجح في الخروج من أزمة غير مسبوقة ومؤتمره الوطني تتويج لمسار التعافي    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الثلاثاء    ندوة توعوية بوجدة تفتح النقاش حول التحرش الجنسي بالمدارس    ترايل أمزميز.. العداؤون المغاربة يتألقون في النسخة السابعة    "البيجيدي" يحسم أسماء أعضاء الأمانة العامة والمعتصم رئيسا للمجلس الوطني    انطلاق جلسات استماع في محكمة العدل الدولية بشأن التزامات إسرائيل الإنسانية    خط جوي مباشر يربط الدار البيضاء بكاتانيا الإيطالية    الذهب يهبط وسط انحسار التوتر بين أمريكا والصين    منظمات حقوقية تنتقد حملة إعلامية "مسيئة" للأشخاص في وضعية إعاقة    دراسة: متلازمة التمثيل الغذائي ترفع خطر الإصابة بالخرف المبكر    بريطانيا .. آلاف الوفيات سنويا مرتبطة بتناول الأغذية فائقة المعالجة    اختيار نوع الولادة: حرية قرار أم ضغوط مخفية؟    كيوسك الاثنين | قرار وزاري يضع حدا لتعقيدات إدارية دامت لسنوات    ثروة معدنية هائلة ترى النور بسيروا بورزازات: اكتشاف ضخم يعزز آفاق الاقتصاد الوطني    شهادات تبسط مسار الناقدة رشيدة بنمسعود بين الكتابة والنضالات الحقوقية    "جرح صعيب".. صوت عماد التطواني يلامس وجدان عشاق الطرب الشعبي    مي حريري تطلق " لا تغلط " بالتعاون مع وتري    العرائش: عزفٌ جنائزي على أوتار الخراب !    التدين المزيف: حين يتحول الإيمان إلى سلعة    منصف السلاوي خبير اللقاحات يقدم سيرته بمعرض الكتاب: علينا أن نستعد للحروب ضد الأوبئة    مصل يقتل ب40 طعنة على يد آخر قبيل صلاة الجمعة بفرنسا    كردية أشجع من دول عربية 3من3    وداعًا الأستاذ محمد الأشرافي إلى الأبد    قصة الخطاب القرآني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الملكية الوطنية والمواطنة
نشر في العمق المغربي يوم 30 - 07 - 2019

لقد ظلت خطب العرش ولا زالت، فرصة لتجديد أواصر البيعة والولاء، وتقوية لحمة العروة الوثقى بين الملك والشعب، وتأكيد مشاعر الوفاء والمحبة والتمسك بثوابت الأمة ومقدساتها، وهي أيضا مناسبة سنوية لاستعراض المنجزات والأوراش التنموية، وبسط معالم السياسة الداخلية والخارجية، وتوجيه البوصلة نحو الرؤى والاستراتيجيات والآفاق المنتظرة، وخطاب العرش لهذه السنة، الذي يصادف الذكرى العشرين لتربع الملك محمد السادس على عرش أسلافه المنعمين، جاء كمرآة عاكسة لأبرز ما تحقق من إصلاحات عميقة خلال العقدين الأخيرين، وفي هذا الصدد لا يمكن أن ينكر منكر، حجم التحولات المتعددة المستويات التي طالت الدولة والمجتمع على حد سواء، بدءا بالإصلاحات القضائية والحقوقية وتجويد الترسانة القانونية، مرورا بالارتقاء بقدرات الاقتصاد الوطني، وتأهيله ببنيات تحتية كبرى من موانئ كبرى وعلى رأسها ميناء طنجة المتوسط، ومطارات وسكك حديدية وطرق سيارة ومناطق صناعية ولوجستية، وانتهاء بالمجال الاجتماعي الذي يختزل في حجم ما أنجز من مراكز استشفائية جامعية ومستشفيات إقليمية ومراكز صحية، ومن جامعات عمومية وجامعات خاصة ومؤسسات التكوين المهني، وما تحقق على مستوى محاربة مدن الصفيح والسكن غير اللائق ودور الشباب وملاعب القرب، وكذا ما تم تنزيله على أرض الواقع من مشاريع صغرى مدرة للدخل في إطار “المبادرة الوطنية للتنمية البشرية”…إلخ.
وبالقدر ما يمكن تثمين ما تم تحقيقه من منجزات، بالقدر ما نجازف في القول، أن آثار التقدم، لم تصل إلى عدد من المجالات التي لازالت تتقاسم مفردات الهشاشة والفقر والإقصاء، بشكل يجعل الملايين من المغاربة بعيدين كل البعد عن قطار التنمية، وبمعزل عما تعرفه الدولة من تحولات وإصلاحات عميقة، وهذا يجعلنا أمام مفارقة غريبة الأطوار، تجعلنا نقف أمام “مغرب” بسرعتين : مغرب البراق وميناء طنجة المتوسط والمطارات والموانئ والجماعات والطرق السيارة والطاقات المتجددة والنماء الاقتصادي، ومغرب آخر، يتموقع في دوائر النسيان، إلى درجة أن بعض المناطق من هذا الوطن الحبيب، يكاد لا يسمع لها صوت، ولا نعرف بوجودها على الخريطة إلا في زمن الأزمات والمآسي (تبقال، شمهروش، إجوكاك…)، مغرب يتمكن من بناء مركب مينائي يعد الأكبر في إفريقيا وفي المجال المتوسطي، وفي نفس الآن يعجز عن بناء مركز صحي في مدينة أو دار شباب في قرية أو يمد السكة الحديدية نحو الجنوب (جنوب مراكش)، أو يشق طريق تفك العزلة عن المدن والقرى النائية في الريف والأطلس، التي تعاني الأمرين في مواسم الأمطار والثلوج …إلخ.
وهو واقع مقلق، اعترف به الملك، بقوله ” لقد أنجزنا نقلة نوعية، على مستو ى البنيات التحتية، سواء تعلق الأمر بالطرق السيارة، والقطار فائق السرعة، والموانئ الكبرى، أو في مجال الطاقات المتجددة، وتأهيل المدن والمجال الحضري. كما قطعنا خطوات مشهودة، في مسار ترسيخ الحقوق والحريات، وتوطيد الممارسة الديمقراطية السليمة. إلا أننا ندرك بأن البنيات التحتية، والإصلاحات المؤ سسية، على أهميتها، لا تكفي وحدها. ومن منطلق الوضوح والموضوعية، فإن ما يؤثر على هذه الحصيلة الإيجابية، هو أن آثار هذا التقدم وهذه المنجزات، لم تشمل، بما يكفي، مع الأسف، جميع فئات المجتمع المغربي. ذلك أن بعض المواطنين قد لا يلمسون مباشرة، تأثيرها في تحسين ظروف عيشهم، وتلبية حاجياتهم اليومية، خاصة في مجال الخدمات الاجتماعية الأساسية، والحد من الفوارق ا لاجتماعية، وتعزيز الطبقة الوسطى”.
ما أشار إليه الملك، يعكس رؤية مواطنة، تعترف بالإنجازات وتثمنها، وفي نفس الآن، تقر بما يكتنفها من مظاهر المحدودية والقصور، من منطلق أن آثار التقدم، لازالت بعيدة عن فئات عريضة من المغاربة، الذين لا يتلمسون ثمار التنمية التي لازالت بعيدة المنال عليهم، وهي وضعية غير سوية، تكرس مشاعر النفور وعدم الثقة في الدولة والمؤسسات، وتسائل بجلاء السياسات العمومية والجهوية، التي لاتساير مسلسل الإصلاحات العميقة، ولا تواكب الأوراش التنموية الكبرى، مما يكرس مقولة “مغرب الهامش” ويعمق الفوارق المجالية ويحرم فئات عريضة من المواطنين من الاستفادة من الخدمات الضرورية، وعلى رأسها الصحة والتعليم والنقل والشغل، والماء والكهرباء والطرق التي تعد عصب الحياة، خاصة في المجالات النائية والجبلية، التي تصارع قوى الطبيعة وجبروتها، بعيدا كل البعد عن دوائر الاهتمام السياسي والإعلامي، ويكفي النظر إلى الفاجعة الأخيرة التي كانت قرية “إجوكاك” بإقليم الحوز مسرحا لها قبل أيام، لتلمس حقيقة “المغربي المنسي” وحجم ما تعيشه الساكنة من خصاص في الطرق والمراكز الصحية والمؤسسات التعليمية والماء والكهرباء والمرافق العمومية وغيرها. وهي صورة مؤلمة عبر عنها جلالة الملك بقوله : ” ويعلم الله أنني أتألم شخصيا، ما دامت فئة من المغاربة، ولو أصبحت واحدا في المائة، تعيش في ظروف صعبة من الفقر أو الحاجة ” مضيفا في نفس الإطار ” لن يهدأ لي بال، حتى نعالج المعيقات، ونجد الحلول المناسبة للمشاكل التنموية والاجتماعية “.
ولم يكتف الملك محمد السادس بتوجيه البوصلة، نحو مكامن الخلل والقصور، بل كان أكثر موضوعية وجرأة في مساءلة النموذج التنموي القائم، الذي تبين بالملموس أنه أصبح متجاوزا، ولم يعد قادرا على تحقيق الأهداف والمقاصد التنموية، وقد أكد في هذا الصدد :” لقد أبان نموذجنا التنموي، خلال السنوات الأخيرة، عن عدم قدرته على تلبية الحاجيات المتزايدة لفئة من المواطنين، وعلى الحد من الفوارق الاجتماعية، ومن التفاوتات المجالية”، ونموذج تنموي مختل ومرتبك وقاصر، يفرض التعجيل في التفكير في بلورة “مشروع تنموي جديد” يحمل تنموية شاملة، تستثمر ما تم إنجازه من إصلاحات وما تم فتحه من أوراش تنموية كبرى، ويحمل رؤى وتصورات جديدة، تتأسس على “القدرة على فهم نبض المجتمع وانتظاراته، واستحضار المصلحة الوطنية العليا” بشكل يجعل جميع المغاربة على قدم المساواة أمام الفعل التنموي، وبروح مواطنة، قرر الملك إحداث اللجنة الخاصة بالنموذج التنموي، قائلا في هذا الصدد : “قررنا إحداث اللجنة الخاصة بالنموذج التنموي، التي سنقوم في الدخول المقبل، إن شاء الله، بتنصيبها، وقد راعينا أن تشمل تركيبتها مختلف التخصصات المعرفية، والروافد الفكرية، من كفاءات وطنية في القطاعين العام والخاص، تتوفر فيها معايير الخبرة والتجرد، والقدرة على فهم نبض المجتمع وانتظاراته، واستحضار المصلحة الوطنية العليا “.
وهذه اللجنة، ليست بحكومة ثانية ولا بمؤسسة رسمية موازية، وإنما هي هيئة استشارية، لها مهمة محددة في الزمن، وهي مطالبة كما أشار إلى ذلك الملك، بأن تأخذ بعين الاعتبار التوجهات الكبرى للإصلاحات التي تم أو سيتم اعتمادها، في عدد من القطاعات من قبيل التعليم والصحة والفلاحة والاستثمار والنظام الضريبي، في اتجاه تقديم الاقتراحات الضرورية القادرة على تجويدها والرفع من نجاعتها، وقد برزت مرة أخرى روح الملك/ المواطن، من خلال دعوة اللجنة أن ” تباشر عملها، بكل تجرد وموضوعية، وأن ترفع لنا الحقيقة، ولو كانت قاسية أو مؤلمة، وأن تتحلى بالشجاعة والابتكار في اقتراح الحلول. إن الأمر لا يتعلق بإجراء قطيعة مع الماضي، وإنما نهدف لإضافة لبنة جديدة في مسارنا التنموي، في ظل الاستمرارية. ويبقى الأهم هو التحلي بالحزم والإقدام، وبروح المسؤولية العالية، في تنفيذ الخلاصات والتوصيات الوجيهة، التي سيتم اعتمادها، ولو كانت صعبة أو مكلفة “، والاعتماد على “لجنة” لبلورة نموذج مشروع تنموي، ليس معناه القطع مع الماضي، ولكن هو إضافة لبنة جديدة في المسار التنموي في ظل الاستمرارية، التي تتأسس على تثمين التجارب الناجحة ودعمها بما يحقق نجاعتها، وفي نفس الآن تجاوز كل أشكال ومظاهر القصور والمحدودية، بالانفتاح على رؤى ومبادرات تنموية جديدة.
وقد ظل هاجس التنمية والارتقاء بالأوضاع الاجتماعية للمواطنين، حاضرا في صلب جميع الخطب الملكية، وفي هذا الصدد، ورغم دعوته إلى تنصيب لجنة تنظر في مشروع النموذج التنموي المرتقب، طالب الملك بأن يتواصل العمل بالمزيد من الالتزام والمسؤولية في تدبير الشأن العام والتجاوب مع قضايا وانتظارات المواطنين، محددا خارطة طريق تتأسس معالمها على الخصوص كما قال جلالته في ” الرفع من مستوى الخدمات الاجتماعية الأساسية، ومن أداء المرافق العمومية ” داعيا في هذا الصدد الحكومة ” للشروع في إعداد جيل جديد من المخططات القطاعية الكبرى، تقوم على التكامل والانسجام، من شأنها أن تشكل عمادا للنموذج التنموي، في صيغته الجديدة “، وليس المقصد الأساس أو الغاية المنشودة، هي تنزيل “مشروع تنموي جديد”، بل في أن يشكل هذا المشروع التنموي مدخلا للمرحلة الجديدة التي يتجه إليها المغرب تحت القيادة الملكية الرشيدة، قوامها المسؤولية والإقلاع الشامل واللحاق بركب البلدان المتقدمة.
مرحلة جديدة حبلى بالرهانات والتحديات الداخلية والخارجية، لامناص من كسبها، وقد حددها الملك، في أربعة، أولها “: رهان توطيد الثقة والمكتسبات” و “رهان عدم الانغلاق على الذات، خاصة في بعض ا لميادين، التي تحتاج للانفتاح على الخبرات والتجارب العالمية” و” رهان التسريع الاقتصادي والنجاعة المؤسسية ” وكذا ” رهان “العدالة الاجتماعية والمجالية”، وبما أن أية مرحلة جديدة تحتاج إلى نفس جديد وإلى جيل جديد من الكفاءات والقدرات، من أجل ضمان حسن التنفيذ والإنجاز والخلق والإبداع وإحداث التحول الجوهري المأمول، فقد كان هذا التوجه حاضرا في خطاب الملك محمد السادس، إذ أكد في هذا الاتجاه “فالمرحلة الجديدة ستعرف إن شاء الله، جيلا جديدا من المشاريع. ولكنها ستتطلب أيضا نخبة جديدة من الكفاءات، في مختلف المناصب والمسؤوليات، وضخ دماء جديدة، على مستوى المؤسسات والهيآت السياسية والاقتصادية والإدارية، بما فيها الحكومة”.
وهي رسالة واضحة المعالم موجهة للحكومة والأحزاب السياسية، في أن تتحمل مسؤولياتها المواطنة، بالتخلي عن منطق الصراعات الخفية والمعلنة، والابتعاد عن واقع الحسابات والمكاسب، وأن تفتح المجال للكفاءات والطاقات والقدرات الشابة، القادرة على مسايرة روح وفلسفة الإصلاح الملكي، بما يضمن نجاج “المشروع التنموي المرتقب” الذي يعول عليه، في تحقيق العدالة المجالية وقيادة المغرب نحو ركب البلدان المتقدمة، وعليه فاٌلإصلاح الحقيقي، يحتاج إلى مواطنين يستحضرون المصلحة العليا للوطن، وإلى سواعد أمينة وقلوب رحيمة ومبادرة، قادرة على الانخراط والإسهام الجماعي في بناء ورفع قواعد وطن جديد، يسع جميع المغاربة بعدالة ومساواة وإنصاف، وبالتالي، لامناص من القطع مع التعيينات التي تتحكم فيها الولاءات والمرجعيات الحزبية، وفتح الطريق أمام من تتوفر فيه شروط الكفاءة والاستحقاق وخدمة الوطن بصدق وأمانة وإخلاص.
وموازاة مع هاجس التنمية المجتمعية، يحضر هاجس الوحدة التراببة، الذي يكاد يحضر في مختلف الخطب الملكية، لذلك فقد خصص الخطاب الملكي حيزا زمنيا لملف الوحدة الوطنية والترابية، الذي تعزز بعدة مكاسب على الصعيد الأممي والإفريقي والأوربي، تفرض مواصلة التعبئة المجتمعية على كل المستويات، لتعزيز هذه المكاسب، و”التصدي -كما قال جلال الملك- لمناورات الخصوم. ويبقى المغرب ثابتا في انخراطه الصادق، في المسار السياسي، تحت المظلة الحصرية للأمم المتحدة. كما أنه واضح في قناعته المبدئية، بأن المسلك الوحيد للتسوية المنشودة، لن يكون إلا ضمن السيادة المغربية الشاملة، في إطار مبادرة الحكم الذاتي”.
وبرؤية ثاقبة، تستحضر الواقع وما يفرضه من تعاون واندماج مغاربي، وتقدر حجم مشاعر الأخوة المتبادلة بين الشعبين المغربي والجزائري، فقد التزم الملك بنهج “سياسة اليد الممدودة للأشقاء في الجزائر”، وقد أشار إلى ذلك بقوله ” ذلك أن التحديات الأمنية والتنموية، التي تواجهنا، لا يمكن لأي بلد أن يرفعها بمفرده. ومن هذا المنطلق، فإننا نؤكد مجددا التزامنا الصادق، بنهج اليد الممدودة، تجاه أشقائنا في الجزائر، وفاء منا لروابط الأخوة والدين واللغة وحسن الجوار، التي تجمع، على الدوام، شعبينا الشقيقين. وهو ما تجسد مؤخرا، في مظاهر الحماس والتعاطف، التي عبر عنها المغاربة، ملكا وشعبا، بصدق وتلقائية، دعما للمنتخب الجزائري، خلال كأس إفريقيا للأمم بمصر الشقيقة، ومشاطرتهم للشعب الجزائري، مشاعر الفخر والاعتزاز، بالتتويج المستحق بها، وكأنه بمثابة فوز للمغرب أيضا. فهذا الوعي والإيمان بوحدة المصير، وبالرصيد التاريخي والحضاري المشترك، هو الذي يجعلنا نتطلع، بأمل وتفاؤل، للعمل على تحقيق طموحات شعوبنا المغاربية الشقيقة، إلى الوحدة والتكامل والاندماج”، وهي رؤية حكيمة، لابد أن يكون لها صدى لدى الساسة في الشقيقة الجزائر، لأن ما يجمع البلدين الشقيقين وما يواجههما من رهانات وتحديات تنموية وأمنية، يفرض وضع اليد في اليد والجنوح نحو “مصالحة الأشقاء” وبناء جو من “الثقة”، بشكل يضمن الخير والنماء للبلدين الجارين .
هكذا إذن هي الخطب الملكية، يمكن أن تقرأ من عدة زوايا لما تحمله من مضامين ودلالات عميقة، وقد حاولنا من خلال هذا المقال، التفاعل مع خطاب العرش، الذي يصادف الذكرى العشرين، من خلال توجيه البوصلة نحو “الملكية: الوطنية والمواطنة”، وقدرتها على القرب المستدام من المواطن والاستجابة لقضاياه وتطلعاته، من منطلق الإحساس بعظمة الأمانة وجسامة المسؤولية، التي تشكل قوة دافعة، تجعل من “خدمة الشعب” الشغل الشاغل للملك محمد السادس، حتى ينعم جميع المغاربة، أينما كانوا، على قدم المساواة بالعيش الكريم، وهي دعوة إلى الإجماع الوطني حول ثوابت الأمة ومقدساتها، والتعبئة الجماعية في الانخراط الإيجابي في المرحلة الجديدة، التي سيؤسس لها “النموذج التنموي الجديد”، بما يتطلب ذلك، من مواطنة ومسؤولية وتحلي بالتضحية ونكران الذات، واستحضار المصلحة العليا للوطن، واستثمار ما ننعم به من أمن واستقرار وسكينة، من أجل بناء صرح وطن جديد يجسد “بيتنا المشترك”، وعلينا جميعا -كما قال جلالة الملك – ” أن نساهم في بنائه وتنميته، وأن نحافظ على وحدته وأمنه واستقراره.
مغرب يتسع لكل أبنائه، ويتمتع فيه الجميع، دون استثناء أو تمييز، بنفس الحقوق، ونفس الواجبات، في ظل الحرية والكرامة الإنسانية “، وهي فرصة للترحم على كل الشرفاء والأحرار الذين استشهدوا دفاعا عن الوطن ووحدته الترابية عبر التاريخ، ومناسبة لتحية كل من يرسم لوحات الرقي والتميز والإبداع والجمال،وتحية مماثلة، لكن من يتجند ويضحي من أجل وطن عزيز، نتقاسم فيه نفحات التاريخ وأريج الجغرافيا..
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.