إن عدم نجاح التهديدات والعقوبات التي فرضتها إلى الآن الولاياتالمتحدةالامريكية على الصين أفرزت لنا امكانية عقد اتفاقا جديدا بين الطرفين بعد الاجتماع على هامش مجموعة العشرين في مدينة أوساكا اليابانية الذي جمع الرئيس الصيني شي جينبينغ ونظيره الأمريكي دونالد ترامب مؤكدين على ضرورة استئناف المفاوضات التجارية بين بلديهما من أجل التوصل لاتفاق تجاري مرضي للجانبين إذ سيشكل نهاية لعصر التوترات بين البلدين وبداية لتقارب استراتيجي سينعكس إيجابا خصوصا على الجانب الاقتصادي للبلدين, وانتعاشا للإقتصاد العالمي نظرا لتأثير الحرب التجارية على النمو العالمي وإن كان ضئيلا نسبياً في الوقت الحالي، إلا أن مواصلة التصعيد يمكن أن يقوض بشكل خطير مناخ الأعمال وثقة الأسواق المالية العالمية، وبالتالي فالتوصل للإتفاق يمكن أن يسهم بشكل مهم في انتعاش الاقتصاد العالمي. وذلك برفع من المبادلات التجارية بعد الانخفاض الذي شهدته خلال فترة الأخيرة, وستتراجع التأثيرات السلبية التي عصفت بمستهلكين والمنتجين من المزارعون والصناع والتجار , أما العجز التجاري بين أمريكاوالصين لن يتغير بشكل كبير . هذا إذا ما حدث وتم توقيع اتفاق بين البلدين . في الواقع يبدو , واعتمادا على الهدنة التجارية لمدة 90 يوما, وبعد خمس جولات من المفاوضات وبعد تمديد الخروج باتفاق تجارى لأجل غير مسمى يمكن أن نقول أنه من غير الممكن التوصل الى اجابات حاسمة حول كيفية تطوّر مسار الأمور وما إذا كان الطرفين سينهيان الحرب التجارية، خصوصا أن ترامب لا يترك أية فرصة لحكم المنطق، وهو يقوم بضربات عشوائية تؤدي إلى ضياع المحللين في توقعاتهم. صحيح أنه أضفى أجواء ايجابية بقمة العشرين حول التوصل الى تفاهمات مبدئية في المحادثات الجارية، وذلك لا يعني بالضرورة أنه تم توصل الى اتفاق سيشكل قاعدة للتوصل إلى اتفاقات شاملة تنقذ أكبر اقتصادين عالميين من مواجهة حتمية. وعلى الأرجح أن ترامب سينقضّ على التفاهمات الاولية ويسير باتجاه استئناف الحرب التجارية، فما شاهدناه حتى الآن لا يطمئن، فالرئيس الأمريكي لا يلتزم بعقود واتفاقات، حتى انه ينسحب من المعاهدات العالمية، ما يوحي بأنه لن يلتزم بالاتفاقات الاولية مع الصين، وسيؤدي ذلك إلى رد فعل صيني قوي جداً، ما ينذر باستمرار الحرب التجارية على أقل في فترة الرئاسية لترامب, الذي يعتقد أن أمريكا تمتلك الكثير من الأوراق التي تجعل بلده متفوق على الصين، وأن اليد العليا هي للجانب الأمريكي” في المفاوضات الجارية حالياً، و قال، في تصريحات نقلتها صحيفة الجارديان البريطانية، “إن الصين لا تسير أمورها على ما يرام..أتمنى أن نبرم اتفاقًا مع الصين، وإذا لم نقم بذلك، فإنهم يقومون بدفع رسوم تقدر بمليارات الدولارات”، واصفًا الصين بأنها بحاجة إلى الاتفاق. منطلقاً في ذلك من توقعات تفيد بأنّ الصين”لن تكون قادرة على تحقيق هدف الانتقال نحو اقتصاد قائم على الاستهلاك، مثلما هي الحال في الولاياتالمتحدة”. في المقابل، أكد الرئيس الصيني شي جين بينغ ، في عدد من المناسبات، أن الصين لن تنصاع إلى المطالب الأمريكية التجارية، كما أن الحزب الشيوعي سيراوغ أو يرفض البنود التي تؤدي إلى تقليص سيطرتهم على الإقتصاد. رغم عدم قدرة الدولتين على ملاحقة الآثار الناتجة من الرسوم المتصاعدة. يصر شي جين بينغ من جانبه على ضرورة توقيع اتفاق يتلائم مع المصالح الصينية, منطلقا من قناعة مفادها أن الصين قادرة على التأقلم مع الظروف الطارئة بشكل أفضل، و أن الصين وضعت كل خيارات التحفيز المتاحة في اقتصادها، وقد بدأت في اعتمادها للتو”، ما يجعل الولاياتالمتحدة تخاطر، على المدى الطويل، ب”فقدان هيمنتها الاقتصادية العالمية”، لتصبح الصين بذلك “أكبر اقتصاد في العالم بحلول العام 2025. في الواقع أن الحرب التجارية، شأن باقي الحروب، لها آثار على الطرفين فلا منتصر حقيقياً, فلا طرفا منهما يمكنه تحقيق كل الأهداف في حرب كهذه، فالخسائر ستحل بالطرفين. وسؤال الذي يطرح نفسه في هذا السياق: هل الحرب التي شنها ترامب حرب تكتيكية يريد ترمب من خلالها أن يحقق بعض المكاسب الداخلية والانتخابية؟ أم أن ذلك ضمن إطار المشروع الكبير لمواجهة الصعود الصيني والإحالة دون هيمنتها على النظام العالمي.