يمكن القول أن قضية وفاة الجنرال أحمد الدليمي ظلت مبهمة على الرغم من أن الدولة أصدرت بيانا في إبانه، حيث ورد في هذا البيان أن الوفاة كانت بسبب حادث مميت تعرض له الجنرال وهو في طريقه إلى مهامه، حيث وحسب البلاغ اصطدمت سيارته بشاحنة وقضى على إثرها هو والسائق، وقدمت الدولة العزاء إلى عائلة الجنرال، ويحكى أن جلالة الملك الحسن الثاني رحمه الله قدم إلى منزل المرحوم وأدى واجب العزاء إلى أسرته الصغيرة، وقد وجد في استقباله والد الجنرال وإلى جانبه شقيق الجنرال فريد الدليمي الذي كان له ارتباط وثيق مع الجنرال منذ الصغر، وفريد هذا كان هو اليد اليمنى لوالده السيد لحسن الدليمي الذي تقلد عدة مهام بوزارة الداخلية، وقضى معظم حياته في مدينة سيدي قاسم، ثم مدينة سلا والرباط، والسيد لحسن الدليمي هو من سلالة أولاد دليم بالأراضي الصحراوية المسترجعة، وكانت له اتصالات ببعض العائلات المنحدرة من الأقاليم الصحراوية بما في ذلك طانطان وكلميم و آيت توسة وغيرهم، بحيث كان هؤلاء يكنون لعائلة الدليمي كل الاحترام والتقدير والمحبة وأساسا منهم الذين كانوا يقطنون قبيلة الشراردة، بيتيجة “سيدي قاسم اليوم”، أو قرية زكوطة، و “زكوطة” هي معقل قبائل أولاد دليم. لقد اشتهرت عائلة الدليمي عندما سلم ابنها الأكبر أحمد الدليمي نفسه وهو رائد إلى القضاء الفرنسي، بعدما وجهت إليه الاتهام في قضية اختطاف المهدي بن بركة المعارض اللذوذ للنظام آنذاك، وعلى إثر هذا الحدث وجه السيد لحسن الدليمي رسالة إلى جلالة الملك المرحوم الحسن الثاني يتعهد من خلالها انه هو و أولاده فداء للوطن وللعرش وأن ابنه أحمد عربونا لهذا، وبعدما حصل أحمد الدليمي على براءته، عاد إلى أرض الوطن وهو مرفوع الرأس وحينها زاد تقربا من القصر واستمرت ترقباته إلى أن وصل مرتبة جنرال، إذ أصبح مقربا جدا من المرحوم الحسن الثاني الذي قلده وكلفه بعدة مهام وطنية سياسية ودبلوماسية، وبحكم وظيفتي لدى وزارة الخارجية في السبعينات حيث عملت إلى جانب كل من وزراء الخارجية السادة: – أحمد الطيب بنهيمة – مولاي احمد العراقي – الاستاذ محمد بوستة حيث وضعوا فيّ هؤلاء الوزراء الكرام ثقتهم وكانوا يحملونني بعض الرسائل الخاصة الواردة من بعض رؤساء الدول أو هي ذات صبغة سرية استعجالية إلى جلالة الملك الحسن الثاني رحمه الله، وكنت في غالب الأحيان أسلمها إلى السيد أحمد الدليمي أو ادريس السلاوي، وكنت ألمس في هؤلاء الرجال الوفاء والمحبة للوطن والعرش، وأصبحوا قدوة لي وتأثرت بأخلاقهم وسيرتهم الإنسانية والدبلوماسية بحيث كانوا بالنسبة لي أساتذتي إلى درجة أن تأثرت بالخط العربي الأصيل لمعالي الوزير الأستاذ أحمد الطيب بنهيمة، وحاولت تقليده في الكتابة بالعربية عندما كانت ترد علينا بعض الرسائل المشفرة «Télex chiffrés » ، وهي مكتوبة باللاتينية لكن لغتها عربية، حيث كنت أفك التشفير ثم أختزلها واكتبها بالحروف العربية لتصبح واضحة حتى يسهل على معاليه قراءتها ويتخذ في شأنها القرار المناسب. وبالعودة إلى صلب الموضوع الذي هو شقيق الجنرال الدليمي، يمكن القول أن ما جاء على لسان هذا الرجل، وهو إطار عال سابقا بوزارة المالية، أن تكون الأحداث والوقائع التي عاشها وهو أخ للجنرال ومقرب منه، بحكم أنه هو الأخ الأكبر، وكانت له معه علاقة أخوية مثينة أكثر من باقي أفراد الأسرة، ويمكن القول أنهما كانا يجتمعان بانتظام بحكم أن والدهما الحاج لحسن الدليمي كان يسهر على تسيير فريق سيدي قاسم الكروي بدعم من الجنرال احمد الدليمي، لذا فإن ما ذكره السيد فريد الدليمي يقارب الصواب، إذ قال أن أخاه كان له أعداء، وهذا سائد في جميع القطاعات الحيوية والحساسة، إن لم يكن هناك أعداء فهناك حسد أو غيرة، والغيرة يمكن أن تدفع بالإنسان أن يرتكب أفعالا لا يقدر لها عواقب، ولكن إلى درجة القتل فذاك عمل شنيع ومرفوض، ونهى الله عنه، (من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا)، وأساسا إن كان القتل بغير حق. أما ما جاء على لسان ابن شقيق الجنرال الدليمي، المسمى “هشام”، لا يمكن اعتبار ذلك ذا تأثير أو منطقي وبالتالي ليس له قيمة مضافة لسبب واحد، وهو أن الجنرال مات سنة 1983 وبالضبط يوم 25 يناير 1983، والسيد هشام الدليمي كان لازال يافعا، وقد يكون ما ذكره ماهو إلا متداول في الروايات والقصص المتضاربة، بينما السيد فريد الدليمي كما سبق ذكره كان أكثر أفراد العائلة تقربا من الجنرال، وقد يكون شاهدا على الكثير من الأحداث والوقائع وحتى بعض الأخبار التي كان يحكيها له شقيقه الجنرال أحمد، وعلى الرغم من هذا التقرب وهذه المعايشة التي عاشها إلى جانب أخيه ووالدهما، لم يستطع أي واحد منهما نفض الغبار وقول الحقيقة بكل شفافية على حادث الجنرال الذي بسببه التحق بالرفيق الأعلى، وقد يقول البعض أن وفاة هذا الجنرال ظلت تشكل لغزا وغموضا إلى يومنا هذا، كما من حق الدولة أن تحتفظ بأسرارها و إن لم تكن لها فيه باع، ولكن بحكم أن هذا السر يتعلق برجل من رجالات الدولة، وكان فاعلا بامتياز في مؤسساتها ودواليبها فمن الطبيعي جدا أن تحافظ على السر وأساسا أن البوح به يضر برجل دولة، ولو كان الأمر مدبرا فالتاريخ هو الذي سيكشف عن الأمر مهما طال الزمن، سواء كان الحدث قضاء وقدر، فمرده إلى الله، فهو سبحانه يعطي ويأخذ. ووفق ما هو في علمي المتواضع، أن المرحوم الجنرال أحمد الدليمي كان من رجالات المرحوم جلالة الملك الحسن الثاني، قدس الله روحه، والدليل على هذا أنه كلفه رحمه الله بملف قضية الصحراء المغربية، حيث كانت للجنرال لقاءات ومباحثات سرية وعلنية بخصوص هذا الملف الحساس، وقد أعطت هذه الاتصالات والمحادثات أكلها على المستوى الاقتصادي والسياسي والاجتماعي، وكل المتتبعين لقضية الصحراء المغربية يتحدثون عن هذا، وكان جديرا بالثقة المولوية. أما التخطيط لعملية التخلص من الجنرال الدليمي من طرف الأعداء كما سماهم شقيقه في حواره، لأنه أصبح يهدد امتيازاتهم ومواقعهم بسبب العلاقة التي تربطه بالملك الحسن الثاني، فذلك محاولة إطفاء الحرقة وتبديد الشكوك أو إضفاءها على الحدث، حيث أن جلالة الملك الحسن الثاني رحمه الله كان يشمها وهي طائرة في السماء، وكانت له عيون لا تنام، ولن يغفر أو يرحم أو يتستر على مدبر عملية القتل او الاغتيال، وخصوصا أن الأمر يتعلق برجل من رجالاته الأوفياء الذين وضع فيهم ثقته، يقال أن الجنرال محمد افقير كان عدوا للجنرال أحمد الدليمي وهو ماجاء على لسان شقيقه فريد، الجنرال افقير مات سنة 1972 والدليمي مات سنة 1983 أي بينهما عقد من الزمان، فمن هو العدو الآخر إذن، وإن وجد لن يصل الأمر إلى حد القتل، هناك وسائل أخرى كفيلة بالأمر، مثلا مكيدة العزل أو السجن أو الإحالة على التقاعد، وبالتالي تبقى وسيلة قتل مدبرة مستبعدة جدا، والموت واحدة والأسباب متعددة في رأيي الخاص، وان كانت هناك تناقضات في أقوال شقيق الجنرال، وأكبر دليل على هذا أن الأمر كان قضاء وقدر هو حضور الراحل الحسن الثاني إلى منزل الجنرال لتقديم العزاء لأسرة الجنرال، ولكن ما يثير الانتباه في هذه التصريحات لشقيق الجنرال هو أن السيد فريد الدليمي قال أنه شاهد سيارة المرحوم وهي محترقة، كما أخبره آخر أنه شاهد المرحوم وجسمه مليء بالرصاص، وقد أقر أن الوفاة ليست جراء حادثة سير وإنما الأمر مفبرك لا أقل ولا أكثر مما يعني أن الوفاة كانت مفتعلة، الأمر الذي من شأنه أن يعيد الأمر إلى الجدال السياسي وفتح جديد في الموضوع من خلال كل من ذكرهم شقيق الدليمي والذين إما كانوا أصدقاء الجنرال أو أدلوا بدلوهم وصرحوا لعائلة المرحوم ببعض الوقائع التي كانت سببا في الحادث، أو شاهدوا الجثة قبل الدفن ليوم 26 يناير 1983 في مقبرة الشهداء بالرباط، ولعل ما في الأمر من الوضوح والشفافية تلك الزيارة التي قام بها الراحل جلالة الملك الحسن الثاني إلى منزل المرحوم إذ قال: “هذا قضاء سيدي ربي” وهو يعزي والد الجنرال أحمد الدليمي، وأعطى ضمانة للحاج لحسن الدليمي حيث قال “طالما أنا حي لن يمسكم ضيم” وهذا أرقى وأعظم وعد لملك عظيم مثل الحسن الثاني قدس الله روحه “قولة فريد الدليمي”، وانا اقول أنها شيمة من شيم ملوك الدولة العلوية المجيدة. أما نجاة الراحل الملك الحسن الثاني من محاولة انقلاب الصخيرات أعتقد أن ذلك مرده الى الله، والروح بيد الله ولا يقبضها إلا بأجل، وما نجاة الحسن الثاني من هذه المحاولة الفاشلة إلا بالذكاء الخارق الذي حباه الله به، وقد يكون ساهم في نجاة من كانوا معه بفضل هذا الذكاء والبركات التي خصه بها الله عز وجل، ورحم الله الجميع وألحقنا بهم ونحن من الصالحين الأوفياء. وخلاصة القول في موضوع الحادث الذي ذهب ضحيته الجنرال احمد الدليمي سواء أكان قضاء وقدر أو هو مفتعل، لابد من الإشارة هنا إلى بعض التأويلات وهي قد يكون هذا الحادث بسبب انتحار بعد ارتكاب خطأ لا يغتفر، أما القول أن الحادث مفتعل فذاك مستبعد وأساسا أن هذا الحادث كان يوم زيارة رئيس دولة كبير وهو “ميتران” والمتعارف عليه أن المغاربة كرماء، يكرمون وفادة الضيف بحيث يستقبلونه بالزغاريد والهتافات والأهازيج الشعبية، وذلك كعربون المحبة والترحاب وهو ضيف على جلالة الملك الذي يحبونه أكثر من أنفسهم. وبناء على تتبعي لوقائع وأخبار هذا الحادث، وبعد التحليل المتواضع وقد مر على هذا الحادث دهر من الزمن، أجد نفسي أمام ثلاثة تأويلات وهي افتراضية: الأول: قد يكون الحادث عرضي أي قضاء وقدر، ولا راد لقضاء الله. الثاني: قد يكون الحادث سبب انتحار بعد ارتكاب خطأ لا يغتفر. الثالث: قد يكون الحادث اغتيال وتصفية حساب ظلت معالمها مشفرة ومبهمة في ظل غياب الشاهدين الأساسيين سائق الجنرال وسائق الشاحنة، وهما العلبة السوداء لفك هذا الحادث. 1. الجنرال الدليمي 2. الجيش 3. الحسن الثاني 4. المغرب