في معرض كتابة هذه الشهادة، يتأسف الضمير العالمي للواقع الحالي للتجارب الديمقراطية الناشئة، في ظل إجهاض واغتيال الثورات الرامية لتحسين الأحوال المعيشية وتحقيق المزيد من الحريات، على اعتبار أن الانتقال الديمقراطي لا يمكن أن يتحقق بدون مكون الحريات والتنمية الاقتصادية المجالية والتوزيع العادل والرشيد للموارد. اتفقنا أو لم نتفق، حول ملابسات ثورة “25 يناير” والتنحي السريع لنظام مبارك الذي عمر في حكم مصر لما يقارب ثلاثين سنة؛ ذلك أن المنتظر كان يبصم على مد وجزر بين الثوار ونظام مبارك ، ليأتي قرار التنحي بمثابة “إنذار تكتيكي ” لما سيلوح في الأفق من سيناريوهات. يعتبر قرار” جماعة الإخوان المسلمين” بالمشاركة في انتخابات الرئاسة تحمل للمسؤولية أمام التاريخ، إذ لا يجوز تخوين الثورة، فرحيل النظام كان الغاية الكبرى، وبتحقق المطلب: وجب مجابهة أذياله، من أجل كشف الحقيقة؛ لأن البيان استيضاح للجيل القادم بما كابده الأجداد. شككنا أو لم نشكك، في مزاعم الجيش المصري تسليم السلطة للشعب، إلا أن عين العقل قضت بضرورة تقليم أظافر “القنافذ”، فليس بينهم أملس، وأن الحل المتاح هو دخول اللعبة، لكشف الأقنعة، وإجبار قادة العسكر على الانصياع لأوامر رئيس مدني منتخب ديمقراطيا؛ مما ساهم في تلطيخ سمعة “مغتصب السلطة” على المستوى الوعي الشعبي العالمي، ذلك أن محمد مرسي في إدارته للعلاقة مع العسكر، وضع رهان احتواء المؤسسة وإصدار جملة من الإعفاءات، ستجعل الرئيس المدني القادم أكثر شراسة إسوة بالرئيس الذي ضحى من أجل الجميع. أشدنا أو انتقدنا، قوة السيرة الذاتية للدكتور محمد مرسي؛ يظل من الرؤساء العرب القلائل في القرن العشرين، الذين درسوا في جامعة أميركا وفي تخصصات علمية دقيقة ” هندسة المواد”، وشغل مسؤولية برلمانية لمدة زمنية معينة ، الشيء الذي يكرس الرؤية الشمولية لإصلاح الوضع، وتعتبر عبارته الشهيرة ” لازم ننتج غذاءنا، ودواءنا، وسلاحنا” خير معوان لفهم استراتيجية النهضة المنشودة في عهده. اتفقنا أو لم نتفق، يبقى الدور المفتعل للمعارضة المصرية غير جدير بالإشادة والاحترام؛ إذ أن استغلال مناخ الحريات العامة لإجهاض مسلسل الانتقال الديمقراطي المبني على شرعية “الصندوق” يشكل “نسقا إشكاليا” مشروعا حول ملابسات ثورة 25 يناير، فلا يمكن تصور تستأسد أمام رئيس يسعى ليوفق بين جميع الآراء، وتتخاذل أمام نظام انقلابي يحكم البلاد بالحديد والنار. قد يصل الاختلاف حد القطيعة والشقاق إلا أن احترام الأعراف الديمقراطية دين في رقبة كل من يدعي التغيير، ويشكل إحباط محاولة الانقلاب في تركيا من المدافعين عن شرعية “أردوغان” خير دليل على مدى النضج السياسي للشعب التركي المؤمن بأن من يمنح صوته لمرشح، عربون وفاء وتعظيم للرابطة بين الإطارين الانتخابين. قبلنا أو عارضنا، السياسة الداخلية للرئيس محمد مرسي، بعث هذا الأخير ببوادر تنذر ببداية تأسيس من مرحلة هيكلة الدولة المصرية؛ لأول مرة، تناقش قضية بحجم “سد النهضة” أمام مختلف القوى السياسية والمدنية، وكذا إقامة مهرجانات خطابية شفافة تستحضر الولاء لقيم الثورة باعتباره مرشحها والقائم بأعمال تنفيذها، ينضاف إلى ذلك، الاهتمام بالقطاع الفلاحي من خلال إسقاط ديون الفلاحين المتعثرين والرفع من احتياطي مصر على مستوى إنتاج القمح، والصناعي عبر زيادة الحد الأدنى للأجور للعمال ؛ مما يبين أن مصر في عهد مرسي كان ماضية نحو تأسيس عدالة اجتماعية واضحة ، مع تسجيل ارتفاع لأعداد السياح مع بداية توليه شؤون الرئاسة. رضينا أو لم نرضى، بسلوك محمد مرسي الرئاسي، يظل الرئيس الشهيد خير نموذج في تقدير مؤسسات الدولة، حيث اتخذ “القصر الرئاسي” مقرا للعمل لا للسكن، مما يكرس في أذهان المسؤولين الصغار، حتمية الفناء في أداء المسؤولية واحترام الإدارات باعتباره ملكا للشعب وليس للأشخاص. في هذا السياق، فإن خطب محمد مرسي كانت تتسم بعنصر الوضوح والشفافية والمكاشفة للشعب باعتباره مصدر للسلطات، مع تسجيل التركيز على الهوية الإسلامية في مقدمة خطبه، إشارة منه لضرورة الربط الصلة بالله في أي وقت وحين، مهما تعاظمت المسؤوليات. من المتفق عليه، أن الشعب المصري لا زال يجهل طريق احترام “نتائج الصندوق”؛ فمن المستغرب له الانقلاب على رئيس لم يكمل ولايته الرئاسية بتفاعل طفيف سرعان ما اندثر بعد مجزرة “رابعة العدوية”، ومن المأسوف عنه، مقتل رئيس مدني منتخب ظل يدافع عن الثورة وأهدافها حتى أخر لحظة من عمره إلا أن توفي في المحكمة بعد سلاسل من الإهمال الطبي، ليسجل موقف الشعب المصري بين الحدثين محط بسط تساؤلات حول ملابسات ثورة 25 يناير، ومحاولة للبحث عن حقائق تشكل ذهنية المجتمع المصري الذي بناها النظام العسكري منذ سنين من الزمن. صفوة القول، لقد ساهم “محمد مرسي” بإيقاظ الضمير العربي من جديد، عبر خروج المسيرات للتنديد بمقتله وصلاة الغائب التي أديت في كافة أنحاء العالم كأحد الزعماء الذين تركوا بصمات خالدات في التاريخ المعاصر لمنطقة شمال إفريقيا والشرق الأوسط، فإن لم يعترف المصريين بجهوده في رفض الخنوع والاستسلام، فإن كل منتمي للضمير العالمي سيسجل مواقفه في وجدانه ليصير من القادة الملهمين لشعوب المنطقة.