قام مفهوم الدولة المعاصرة على أسس أهمها ضمان الإستقرار و السلم الإجتماعي، و لا يتأتى ذلك إلا بحماية المواطن البسيط من اللوبيات التي سيطرت على جميع القطاعات الحيوية، بل و حماية أبسط حقوقه المدنية من تعليم وصحة و عيش كريم. ان المتبصر في الواقع المرير الذي ينهك الأسر المغربية البسيطة يدرك حجم التناقضات بين شعارات و رهانات مسؤولين ابدعوا في اختيار سياراتهم الفخمة وفنادق ومنتجعات لأيام عطلهم “الكثيرة ” و تطلعات شباب وشابات، كهول و أطفال همهم الوحيد رغيف خبز كريم. ولعل أهم ما يثقل كاهل الأسر المغربية هو تعليم عمومي يليق بفلذات اكبادهم، تعليم تحترم فيها أسمى الصفات الإنسانية التي نصت عليها المواثيق الدولية ودستور 2011 من مساواة، إنصاف و تكافؤ الفرص. فمعلوم أن هذا التعليم العمومي المجاني تمتعت به الشعوب وهي تحت وطأة الإستعمار فكيف تثنيها تضحيات الأجداد عن المطالبة به في القرن الواحد والعشرين؟ ان واقع الحال يؤكد أن المواطن “المُفْقَّر” حكم عليه بالإعدام حيا، فمن قوت يومه المجني بدم الجبين بدل العرق، يجد نفسه امام خدمات إدارية عمومية يذوق فيها من الذل مايذوقه المهاجرون في بلاد الغربة، أما تعليم ابنائه فلا يخلو من مصاريف مضنية تزداد يوما بعد يوم، اما التطبيب فحدث ولا حرج بكثرة المصحات الخاصة اصبح المشفى العمومي بمثابة وصلة اشهارية مؤدى عنها لإستعراض الخدمات المقدمة في القطاع الخاص…وقس على ذلك في جميع القطاعات الحيوية. كل هذه التجليات اكدت وبالملموس ان المواطن فقد الثقة في مسؤولي هاته القطاعات الحيوية زد على ذلك إحصائيات “حكومية” حيث أظهرت نتائج بحث أجرته “المندوبية السامية للتخطيط”، أن المغاربة أنهوا سنة 2018 بكثير من التشاؤم والتدهور حول الخدمات الإدارية ووضعية حقوق الإنسان وخدمات التعليم والصحة العمومية. المعطيات التي وردت ضمن نتائج بحث الظرفية لدى الأسر خلال الفصل الرابع من سنة 2018، أظهرت أن مؤشرات الثقة لدى المغاربة تدهورت مقارنة مع سنة 2017 في المجالات الرئيسية التي يتفاعلون معها بشكل يومي، لكن “المندوبية” لا تخوض في شرح حيثيات أو سياق هذا التدهور و السبب واضح و جلي. وأشارت “المندوبية” إلى أن نسبة الأسر التي صرحت بتحسن جودة الخدمات الإدارية خلال سنة 2018 انخفضت وبلغت 53,5 % مقابل 61.6 % المسجلة سنة 2017، حيث انتقل رصيد هذه الآراء من 45,0 إلى 35,8 نقطة ما بين 2017 و2018. وفيما يتعلق بوضعية حقوق الإنسان، فيتجلى من خلال المعطيات أن هناك شعوراً حاداً لدى المغاربة بتدهورها خلال سنة 2018؛ إذ صرحت 3,13 % فقط من الأسر بأن وضعية حقوق الإنسان قد تحسنت، فيما اعتبرت 19,9 % أنها قد تراجعت. أما رصيد هذا المؤشر، فقد استقر في مستوى بلغ 13,3 نقطة، لكنه يبقى متدهوراً مقارنةً مع مستواه خلال 2017 حين بلغ 36,1 نقطة. التعليم، باعتباره أبرز رهان، صرحت قرابة نصف الأسر المغربية إنه عرف تدهوراً خلال السنة الماضية، مقابل 19.9 % رأت أنه تحسن. أما رصيد المؤشر، فقد سجل، حسب المندوبية السامية للتخطيط، مستواه الأكثر سلبية منذ بداية البحث واستقر في ناقص 25,1 نقطة. وتفيد المعطيات أيضاً بأن خدمات الصحة تدهورت في نظر المغاربة على غرار التعليم؛ إذ اعتبرت 6,6 % من الأسر أن خدمات هذا القطاع قد تحسنت، مقابل 61,4 % أقرت بأنها قد تدهورت، وقد تراجع رصيد هذا المؤشر بين سنتي 2017 و2018 ليتنقل من ناقص 45,5 نقطة إلى ناقص 54,8 نقطة، مسجلاً بذلك مستواه الأكثر سلبية منذ بداية البحث. وتنضاف هذه المؤشرات السلبية إلى أخرى تقول إن 32,8 % من الأسر استنزفت من مدخراتها أو لجأت إلى الاقتراض خلال الأشهر الأربعة الأخيرة من السنة الماضية، ولم يتجاوز معدل الأسر التي تمكنت من ادخار جزء من مداخيلها 4,4 %. كل هذه الأرقام المهولة ماهي إلا إنذار بسيط لما هو قادم ان لم نعي ونفهم الدرس جيدا…