مع حلول ليلة القدر من الشهر الفضيل تتهافت النسوة على تحين الفرص لإقامة طقوس السحر والشعوذة لجلب الحظ أو الزوج أو الحبيب، حسبما ما يعتقده البعض من الذين يؤمنون بمثل هذه الترهات اللامعقولة، والتي لا يقبل بها لا الدين ولا المنطق، إيمانا منا بلا تعارض الدين والمنطق من حيث المنطلقات، فإلى ماذا يعزى تهافت الإنسان عموما، والإنسان المغربي على وجه الخصوص على طقوس السحر والشعوذة في ليلة القدر؟ وما السبل الممكنة للتخلص من مثل هذه الظواهر الشاذة في مجتمعاتنا العربية ( المجتمع المغربي نموذجا)؟ تقول القاعدة الأخلاقية-السوسيولوجية انه كلما تفاقمت مظاهر الفقر والعوز والبطالة والأمية، يزيد الاعتقاد بالخرافة والأسطورة بما هي فهم لا عقلاني للظواهر الطبيعية والإنسانية، لا بدلالة الأسطورة الرمزية، وتزداد الحاجة إلى البحث عن سبل الخلاص في السحر والشعوذة، وتجاوزا لمختلف أحكام القيمة بهذا الصدد، فالظاهرة لا ترتبط بالنساء دون الرجال، ولا بالرجال دون النساء، أو بطبقة دون غيرها، إذ أنها ظاهرة مركبة ومعقدة تحتاج إلى دراسة سوسيولوجية وبسيكولوجية درءا للبس والغموض الذي يعتريها. قال فؤاد الصالحي أستاذ علم الاجتماع بجامعة صنعاء معالجا الظاهرة في علاقتها بالمجتمع اليمني في أحد التقارير المسجلة ” إن لجوء اليمنيين إلى مثل هذه العادات ونحن مع بداية القرن الواحد والعشرين إنما يرجع إلى ضعف عملية التحديث الاقتصادي والاجتماعي، والى ضعف عملية التفكير العقلاني ومؤسساتها الناظمة لهذه العملية، ذلك أن مؤسسة التعليم والجامعات والإعلام لا تقوم بدور تثقيفي حيوي في المجتمع ولا يزال المجتمع مشدود ذهنيا وعاطفيا إلى البنى ما قبل الحداثية”، والقول بالطبع يصدق إلى حد بعيد على المجتمع المغربي نظرا لتقاطع ذهنية المجتمعين وتمفصل الشروط التاريخية والاقتصادية والاجتماعية التي مرا منها. تسمح لنا الفكرة أعلاه بالقول إن الاعتقاد بالسحر والشعوذة متغلغل في ذهنية المغاربة لقرون خلت، إلى حد الاستعانة به في الحروب والمعارك وفي التنبؤ بمستقبل البلاد وبسبل الخلاص من كسادها، وتردي أحوالها على مختلف الأصعدة، وهو ما يؤكده قول العلامة ابن خلدون أخذناه من دراسة حوله موسومة ب ” تاريخ ابن خلدون – الجزء السادس، إذ كان المغاربة يستغيثون بعمة حاميم أخت أبي خلف الله ” وكانت كاهنة ساحرة إلى غير هذا …وكانوا يستغيثون بها في الحروب والقحوط “، ويروي ابن خلدون بصفته معاصرا لهذه الظاهرة ما نصه ” ومازالوا يفعلون السحر لهذا العهد، اخبرني المشيخة من أهل المغرب إن أكثر منتحلي السحر منهم النساء العوائق . قال : ولهم علم باستجلاب روحانية ما يشاؤونه من الكواكب، فإذا استولوا عليه وتكنفوا بتلك الروحانية تصرفوا منها في الأكوان بما شاؤوا، والله أعلم”. والمحزن المخزي ملاحظة انتشار الظاهرة بشكل مهول في الربع الأول من القرن الواحد والعشرين، قرن تطور شتى المعدات التكنولوجية التي من شأنها معالجة معظم الأمراض البيولوجية والنفسية، والتي يعتقد المؤمنون بالسحر والشعوذة أنها بفعل أرواح شريرة تشارك الإنسان مختلف سلوكياته المعيشية، إلى درجة انتشال جثث الموتى من المقابر ودفن الطقس السحري معها، أو تقطيع المصحف والتبول على بعض آياته، أو ذبح رؤوس المعز السوداء أو القطط أو أو أو …، أما انتشارها بقوة إبان ليلة القدر فمرتبط بفكرة ترسخت في مخيال المغاربة لقرون تقول إن الشياطين والأرواح الشريرة تفك أسرارها مع فجر ليلة القدر، ما يدفع هذه الشريحة إلى تبرير مشروعية السحر والشعوذة ، وصلاحيتهما في معالجة بعض الأمراض أو السلوكيات التي يرى هؤلاء أنها يمكن أن تصلح باللجوء إلى الساحر أو المشعوذ، والحال إن الاستعداد النفسي للعلاج، الذي يستقر في نفوس مرتادي الطقس المذكور، بعد سماع روايات كثيرة عن قدرة هذا الفقيه وذاك المشعوذ على جلب الحبيب والزوج وطرد السحر، حيث يذهب هذا الأخير إلى الفقيه، وهو مستعد نفسيا إلى الشفاء على يد المشعوذ. لتبقى سبل الخلاص من الظاهرة مرتبطة بعوامل اقتصادية واجتماعية وتنويرية، إذ يكفي الانكباب مجتمعيا على إصلاح حال البلاد اقتصاديا بالقضاء على الفقر والعوز والبطالة وتدني القدرة الشرائية للمواطن، لملئ الفراغ النفسي لدى المواطن وتوجيه اهتمامه إلى ما يفيد تطوير مستواه الاقتصادي ومد خوله الفردي، كما يكفي طرح مشاريع تنويرية تثقيفية من طرف المثقف الفاعل، وفتح بوابة الإعلام وقنوات الاتصال أمامه لتنوير العقول، وتغيير الذهنيات المعتلة بفعل اعتلال التاريخ والسياسة والاقتصاد، لنكون أمام ظاهرة بنيوية معقدة ومركبة لها ارتباط ببنية المجتمع المغربي المركب والمعقد بفهم السوسيولوجي الراحل بول باسكون.