السؤال الذي يطرحه العديد من المهتمين بالشأن السياسي لما يقع في منطقة الشرق الأوسط وإيران هو لمادا لم توجه الولاياتالمتحدةالأمريكية ضربة عسكرية إلى الجمهورية الإسلامية الإيرانية لحسم تهديدات وصراع دام لأربعين سنة، وتقلص بدلك من قدراتها بدل تضييع الوقت في التفاوض؟. الحقيقة أن أصحاب هدا الطرح يعتمدون في الأساس على القدرات العسكرية المتفوقة للولايات المتحدةالأمريكية من حيت العدة والعدد التي تمكنها من تدمير ومحو إيران وحتى العالم إن شاءت، إلا إن هده النظرية تبقى مجرد واقع على الأوراق والخرائط، بحيث لا نجدها تتوفر على تأييد أي رجل سياسي أو مسؤول كبير يفكر في ترجمة هده القدرة على ارض الواقع والسماح بحدوث دلك، وتدمير المنطقة برمتها بالرغم من الأسلحة الفتاكة التي تتوفر عليها الولاياتالمتحدةالأمريكية، حيث سنكون في هده الحالة أمام مشهد يتكلم عن الحرب التقليدية المفتوحة، وهو ضرب من الخيال، لأنه في واقع الأمر نجد كل الرؤساء السابقين وحتى الرئيس الحالي والفاعلين السياسيين والعسكريين المؤثرين في قرارات من هدا الحجم، يستبعدون اتخاذ مثل هدا الحل المتهور، وبالإضافة إلى دلك، نجد موقف الرأي العام الأمريكي الذي يعارض بشدة فكرة تكرار التجارب السابقة في المواجهات العسكرية المباشرة، وحسب استطلاعات للرأي أجريت في الموضوع، فإنها قد توصلت إلى إن نسبة 53 في المائة من الأمريكيين تعارض فكرة الدخول في حرب مباشرة ضد إيران ضمنها 23 في المائة تعارض بشدة كبيرة جدا، ومن أصل 37 في المائة المتبقية ممن يدعمون فكرة الحرب ضد إيران، فان فقط نسبة 9 في المائة هي التي تؤيد بشدة هده المواجهة العسكرية. وعليه يكون الرأي العام الغالب في الولاياتالمتحدةالأمريكية هو رفض أي مواجهة عسكرية مباشرة ضد إيران خصوصا بعد التجربة الأخيرة في العراق وما صاحبها من سخط شعبي للمواطن الأمريكي على سياسات الحروب والمعارك العسكرية والزج بالجندي المواطن الأمريكي في اشتباكات ومجازر وحروب تبعد إقليميا عن الوطن الأم ولا تشكل عليه أي تهديد مباشر، كما يضاف إلى ما سبق ذكره، معارضة الدول القوية الأخرى فكرة المواجهة مع إيران كالصين والهند وروسيا والاتحاد الأوربي، أي أن الولاياتالمتحدةالأمريكية سوف تضطر في آخر المطاف إن هي قررت الدخول في المواجهة المباشرة، سوف تجد نفسها وحيدة في الحرب، واستثناءا إلى جانبها السعودية والإمارات والبحرين وإسرائيل، هده الأخيرة أيضا وحسب دراسات واستطلاعات للرأي أجريت حول الموضوع، خلصت إلى رفض الإسرائيليين الدخول في حرب مباشرة ضد إيران، إلا ادا بدأتها الولاياتالمتحدةالأمريكية، فحينئذ ستحارب إلى جانبها، والسر في تراجع إسرائيل عن فكرة المواجهة ضد إيران، تختزلها العديد من الأسباب والمعيقات ونقاط الضعف، أهمها على سبيل المثال يكمن في صعوبة اختراق الأجواء اللبنانية أو التركية أو العراقية أو السورية للوصول إلى ضرب العمق الإيراني عند نشوب الحرب، وان كان هدا الوضع يختلف مع ما تقوم به إسرائيل حاليا من قصف لبعض المواقع المحسوبة على إيران داخل أراضي الدول المجاورة كسوريا والعراق، فهدا أمر آخر، ونظيف من بين الأسباب الأخرى التي تعرقل المواجهة ضد إيران، هو أن الطرف الثالث المتكون من السعودية والإمارات وبالرغم من حماسهما وإمكانياتهما، إلا أنهما ينتقصان إلى الخبرة والتجربة الميدانية، بدليل أنهما لم يتمكنان لحد الآن، حتى من القضاء على بعض الميلشيات المدعومة من قبل النظام الإيراني كجماعة الحوثيين مثلا في اليمن بالكاد، فكيف يمكن لهما أن تقدران على مواجهة إيران ؟ وبين هدا وداك، أصبح الجميع يدرك بان الجيل الجديد من الحروب الحالية، هي حروب طويلة الأمد ولا يمكن حسمها بالقوة داخل إطار جغرافي وزمني محددين، آي آن الأمر يتعلق بحروب استنزافية ومدمرة للطرفين دون إمكانية الحسم النهائي عن طريق المعارك، وبان النتيجة النهائية هي لا منتصر ولا مغلوب. وفي الخلاصة، يمكن القول على انه وبالرغم من التفوق العسكري والتدميري للولايات المتحدةالأمريكية، إلا أن التاريخ علم العسكريين الأمريكيين، بان آخر حرب مفتوحة حسمت على الساحة باستعمال القوة العسكرية تعود إلى فترة الحرب العالمية الثانية، واستثناءا مرة واحدة أخرى، وبعد تعبئة العالم وبقرار وإجماع أممي، الموافقة غلى استعمال القوة في حرب مباشرة من اجل إخراج العراق من الكويت، أي انه قد مرت اكتر من 70 سنة، و لم يستطع الجيش الأمريكي حسم أي معركة عسكرية كان قد دخلها، كحرب أفغانستان أو فيتنام على سبيل المثال، فكيف السبيل ادن إلى تركيع وهزم هده الجمهورية الإسلامية التي أصبحت تعرقل تحقيق أهداف المخططات الامبريالية والصهيونية العالمية التحكمية في بسط نفوذها النهائي والمطلق على سياسات وخيرات بلدان وشعوب المنطقة ؟. * باحث ومحلل سياسي