شرطة تامسنا تُوقف مبحوثاً عنه ظهر في فيديو وهو يهدد قاصراً بسلاح أبيض    اختتام فعاليات دوريي أراغي والمرحوم إبراهيم مزياني ببني بوعياش    تحديد موعد العودة للساعة الإضافية.. توقيت "مرهق" أم ضرورة اقتصادية    إشكاليات سوق إمزورن الأسبوعي تدفع امغار إلى مساءلة وزير الداخلية    مهرجان ربيع وزان السينمائي الدولي يفتتح دورته الأولى: "شاشة كبيرة لمدينة صغيرة"    بيراميدز يهز شباك الجيش 4 مرات    احتجاج يجمع أساتذة للتعليم الأولي    "التنس المغربي" يتواضع في مراكش    تدريبات تعزز انسجام "منتخب U17"    القنصلية العامة في دوسلدورف تكرّم أئمة المساجد والمرشدين الدينيين    الولايات المتحدة ترسل حاملة طائرات ثانية إلى الشرق الأوسط    ريال مدريد يتجاوز سوسييداد ويبلغ نهائي كأس إسبانيا    إعلام الكابرانات ومحاولة التشويش على المنتخب الوطني    المغرب يسرّع استكشاف 44 موقعًا معدنيًا استراتيجيًا لتعزيز مكانته في سوق المعادن النادرة    الادخار الوطني بالمغرب يستقر في أكثر من 28 في المائة على وقع ارتفاع الاستهلاك    الدورة 39 لجائزة الحسن الثاني الكبرى للتنس.. المغربيان إليوت بنشيتريت ويونس العلمي لعروسي يودعان المنافسات    كرة اليد.. المغرب يستضيف النسخة الأولى من بطولة العالم لأقل من 17 سنة ذكورا من 24 أكتوبر إلى 1 نونبر 2025    "أوبك+" تبدأ اليوم في زيادة إنتاج النفط مع بدء التخلص التدريجي من التخفيضات الطوعية    قرار منع تسليم السيارات خارج المطارات يغضب مهنيي التأجير في المغرب    19 قتيلا حصيلة حوادث السير بالمناطق الحضرية ‏خلال الأسبوع المنصرم    إسبانيا تخصص أزيد من نصف مليون أورو لدعم خدمات النظافة بمعبر بني أنصار    مؤسسة محمد السادس لإعادة إدماج السجناء.. تلاقي وتواصل والتئام حول موائد الإفطار طيلة شهر الصيام بعدد من المؤسسات السجنية(بلاغ)    ترامب يهدد بسحب مليارات من جامعة هارفرد بسبب الاحتجاج ضد حرب غزة    الإسبان يقبلون على داسيا سانديرو المصنوعة في طنجة    بلجيكا تشدد إجراءات الوقاية بعد رصد سلالة حصبة مغربية ببروكسيل    مزور: تسقيف الأسعار سيضر بالعرض والطلب ولن يحل مشكل الغلاء    مجلس الحكومة سيصادق يوم الخميس المقبل على مشروع قانون يتعلق بالتعليم المدرسي    السلطات البلجيكية تشدد تدابير الوقاية بسبب سلالة "بوحمرون" مغربية ببروكسيل    أجواء من الفرح والسرور ببرنامج راديو الناس احتفالا بعيد الفطر رفقة مجموعتي نجوم سلا والسرور (فيديو)    وفاة أحد رواد فن المديح وإصابة 6 آخرين في حادثة سير بالرباط    5 نقابات تعليمية: الوزارة تستهتر بالتّعليم العمومي وتسوّق لإنجازات لا وجود لها في الواقع    الذهب يسجل أعلى مستوى له بسبب المخاوف من الرسوم الجمركية الأمريكية    دراسة معمارية لإنجاز المدخل الثالث لميناء أكادير بما يقارب 20 مليون درهم    "مجموعة العمل من أجل فلسطين" تدعو لمسيرة وطنية بالرباط دعما لغزة    الذهب يسجل أعلى مستوى له بسبب المخاوف من الرسوم الجمركية الأمريكية    ارتفاع ضحايا غزة إلى 1042 شهيدا منذ استئناف اسرائيل عدوانها بعد الهدنة    أغنية تربط الماضي بالحاضر.. عندما يلتقي صوت الحسن الثاني بإيقاعات العصر    أكثر من 122 مليون مسلم قصدوا الحرمين الشريفين في رمضان    هذا موعد رجوع المغرب إلى الساعة الإضافية    أسعار الوقود بالمغرب تسجل انخفاضا طفيفا ابتداء من اليوم    المملكة المغربية تجدد الدعم لاستقرار إفريقيا    بعثة نهضة بركان تصل إلى الكوت ديفوار استعدادا لمواجهة أسيك ميموزا    ارتفاع حصيلة ضحايا زلزال ميانمار إلى 2065 قتيلا    نائب في حزب الله يصف الضربة الاسرائيلية على ضاحية بيروت الجنوبية ب"عدوان الكبير جدا"    طقس الثلاثاء: سحب كثيفة مع هبوب رياح قوية    العيد: بين الألم والأمل دعوة للسلام والتسامح    القهوة في خطر.. هل نشرب مشروبًا آخر دون أن ندري؟    أجواء روحانية في صلاة العيد بالعيون    المصور محمد رضا الحوات يبدع في تصوير إحياء صلاة عيد الفطر بمدينة العرائش بلمسة جمالية وروحية ساحرة    طواسينُ الخير    لماذا نقرأ بينما يُمكِننا المشاهدة؟    ما لم تقله "ألف ليلة وليلة"    إشباع الحاجة الجمالية للإنسان؟    دراسة تؤكد أن النساء يتمتعن بحساسية سمع أعلى من الرجال    منظمة الصحة العالمية تواجه عجزا ماليا في 2025 جراء وقف المساعدات الأمريكية    تعرف على كيفية أداء صلاة العيد ووقتها الشرعي حسب الهدي النبوي    انعقاد الدورة الحادية عشر من مهرجان رأس سبارطيل الدولي للفيلم بطنجة    الكسوف الجزئي يحجب أشعة الشمس بنسبة تقل عن 18% في المغرب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بناء الإنسان مقدم على بناء الجدران

تابع العالم قبل أيام ألسنة اللهب وهي تلتهم جدران وأسقف الكاتدرائية بالعاصمة الأوربية فرنسا، حادثة اهتز لها العالم بشرقه وغربه و تنافس فيه الجميع على تقديم المساعدات وجمع التبرعات فضلا عن الدعوات إلى مؤتمر للمانحين لإنقاذ ما بقي من الكاتدرائية و صيانة الذاكرة الفرنسية و الأوروبية للمسيحيين لما تمثله هذه المعلمة الدينية التاريخية من رمزية وقيمة كبيرة اتضحت جليا في قيمة المبالغ المالية التي رصدت لها قصد ترميمها من جديد، مبالغ ضخمة أقل ما يمكن أن يقال عنها أنها مبالغ تكفي لبناء مدينة بكاملها، تنافس في تسديدها إلى جانب أثرياء وزعماء العالم المسيحي زعماء عرب بمبالغ خيالية عادلت في بعض الدول الإسلامية نصف المبالغ التي تم اقتراضها من صندوق النقد الدولي وفي دول أخرى تجاوزت النصف، مما خلف سخطا عارما في صفوف شعوب الدول المساهمة في بناء وترميم الكاتدرائية المسيحية، ولسنا هنا ضد ثقافة التضامن والتكافل الاجتماعي مع الآخر رغم الاختلاف الديني والعرقي والهوياتي لان مبدأ التضامن عند المسلمين مستمد من القران الكريم والسنة النبوية قبل أن تتغنى به الدساتير والمواثيق الدولية، لكن حينما يتعلق الآمر بدولة اغلب رعاياها فقراء لا يمتلكون أبسط ظروف العيش الكريم فهنا يصبح التضامن الداخلي مقدم على التضامن الخارجي، خاصة إذا نظرنا إلى قيمة المبالغ المالية التي رصدت لترميم الكاتدرائية والتي بلغ عددها في بعض الدول الإفريقية 200 مليار وهو مبلغ كاف من أجل إفراغ الشوارع من جحافل المعطلين الذين يطلبون عيشا كريما يواري فقرهم ويحفظ كرامتهم، وهو مبلغ كاف أيضا لترميم عشرات المستشفيات والمستوصفات التي أصبحت أوكارا للدعارة وملجأ للمتسكعين والمشردين بعدما تخلت عنها الدولة دون سابق إخبار…كما أن نصف هذه المنح المالية فقط قادرة على بناء العشرات من المدارس وترميم المئات منها خاصة تلك التي لا زال التلاميذ يفترشون فيها الأرض بدل الكراسي أسوة بإخوانهم الذين ينعمون بتعلم جيد.
وقد تزامن حادث الكاتدرائية مع حادث لا يقل كارثة عن سابقه وهو تعرض بيت المقدس إلى محاولة التخريب والتدمير الصهيوني مما استدعى ضرورة ترميمه من جديد. وحتى يتم توجيه أنظار الشعوب الإسلامية بعيدا عن مناقشة هذه المبالغ الخيالية سارعت بعض الدول إلى تقديم منح رمزية إلى لجنة الإشراف على ترميم المسجد الأقصى والتي لم تبلغ نصف عشر ما قدم للكاتدرائية الأوربية مما يعطي رسالة واضحة إلى أن المسيحية مقدمة على الإسلام عند بعض الدول العربية الإسلامية.
وغير بعيد عن حادث الكاتدرائية لا زال العالم الإسلامي لم يطوي ألم وجروح الحادث المأساوي الذي استهدف العشرات من المسلمين في مسجد ب”نيوزيلاندا” حادث تفاعل معه العالم المسيحي بنوع من الدونية واللامبلات مقارنة مع الأحداث التي يكون ضحيتها مسيحيون حيث تنكس الإعلام وتسخر الترسانة الإعلامية كلها للتنديد والتنكير بل ويصبح إعلامهم فوهة مدفعية تجاه الإسلام والمسلمين خاصة إذا تم التشكيك فيهم، إما حين يتعلق الأمر بهدم معلمة إسلامية آو قتل شخص مسلم فان أكثر ما يمكن إن يعبر عنه الإنسان الغربي هو ” أن هذا العمل فضيع” كما صرح بذلك الرئيس الأمريكي عقب الهجوم المسيحي على المسجد الفينزويلي، فلم يجرأ على تسمية الحادث بعمل”إرهابي” ومعه كثير من الدول الغربية، ولم تنكس أعلامهم ولم تلغى مجالسهم وسفرياتهم وبرامجهم اليومية كما ألغيت عقب حادث “الكاتدرائية”، لأنه وبكل بساطة إنسانهم أغلى من الإنسان العربي المسلم فهم بنوا الإنسان قبل بناء الجدران، ونحن هنا لا ننكر أهمية العمران في عيش واستمرارية الإنسان، فبناء المنازل لإيواء المحتاجين من قسوة البرد وحر الشمس أو بناء مدرسة آو جامعة آو مستشفى أولى من بناء مسجد أو معبد، صحيح أن الجانب الروحي مهم جدا في تقوية شخصية المسلم وربط صلته بالله وبنفسه وبالأخر، لكن حين تبنى هذه المعابد أو ترمم على حساب شعب لم يجد ما يسد به رمقه أو يعالج به مرضه…حينذاك يصبح الحديث عن التضامن والتكافل لبناء الجدران أشبه ما يكون ببناء مسبح في صحراء قاحلة.
ومن هنا أضحى من الواجب الآني الذي لا يحتاج إلى تأجيل أن تتضافر الجهود على المستوى الكوني وليس داخل قطر معين من أجل إعادة الاعتبار للإنسان كإنسان قبل أن ننظر إلى دينه أو هويته الثقافية والعرقية والإثنية… لان الإنسان لما خلقه الله خلقه بلا دين ولا ثقافة ولا لغة… ومن هنا تأتي أهمية الإنسانية قبل المرجعية الدينية والسياسية والاقتصادية، لان الإنسان محور كل تقدم حقيقي مستمر مهما أقمنا من مباني ومنشآت ومدارس ومستشفيات ..ومهما مددنا من جسور وأقمنا من زينات فإن ذلك كله يظل كياناً مادياً لا روح فيه .. وغير قادر على الاستمرار، في حين يستطيع الإنسان القادر بفكره وإمكانياته على صيانة كل هذه المنشآت والتقدم بها والنمو معها، لان الإنسان هو من ترك لنا هذه المباني الشاهقة وهو من زخرفها وزينها وهو من أقام فيها المجالس والخطب…
ونفس هذا الكائن اليوم هو من يخرب المعابد والكنائس والمساجد ، ويقتل الأخر المخالف له، وكل ذلك مرده إلى الجهل بالدين والتخلف والأمية والفقر وغياب الأخلاق… لذلك فان دول العالم اليوم لو تعقلت وعادت إلى رشدها وأنفقت نصف أو ربع – ما كانت تنفقه على العمران- وخصصته لبناء الإنسان في أخلاقه وصحته وفكره لجنبها الكثير من الويلات ولنا في قصة بناء سور الصين الشهير عبرة بحيث يحكى أن الصينيون القدامى عندما أرادوا أن يعيشوا في أمن و أمان قاموا ببناء سور الصين العظيم واعتقدوا بأنه لايوجد من يستطيع تسلقه لشدة علوه، ولكن ..! اكتشفوا أن خلال المائة سنة الأولى التي مرت على بناء السور تعرضت الصين لثلاث غزوات، وأنه فى كل مرة لم تكن جحافل العدو البرية تجد صعوبة ولا مقاومة في اختراقها للسور أو تسلقه، بحيث كانوا في كل مرة يدفعون للحارس الرشوة قبل الدخول عبر البوابة الرئيسية دون الحاجة إلى التسلق أو المواجهة مع الحراس.لان الصينيون آنذاك انشغلوا ببناء السور ونسوا بناء الحارس، فبناء الإنسان .. يأتي قبل بناء كل شيء وهذا ما يحتاجه أبناؤنا اليوم،ويقول أحد المستشرقين:
إذا أردت أن تهدم حضارة أمة فعليك بثلاث وسائل:
أولا: اهدم الأسرة
ثانيا:اهدم التعليم.
ثالثا:إسقاط القدوات والمرجعيات
ونحن نقول إن حضارة العالم، وخاصة العربي والإسلامي، إنما هدمت بسبب إسقاطها لهذه الركائز وإهمالها وتقزيمها.
وختاما أقول: إن العمران ما وجد إلا لخدمة الإنسان لذلك فإن بناء الإنسان مقدم على بناء العمران. فلو هدمت مائة كاتدرائية آو مائة معبد آو مائة مسجد … فإننا نستطيع إعادة بنائها وترميمها من جديد، لكن هل نستطيع بناء إنسان قد قتل ظلما وجورا؟
كاتب ومدون مغربي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.