انتهجت منذ أواسط القرن الماضي بالمغرب جملة من السياسات الإنمائية كللت جميعها بالفشل وخلفت قدرا كبيرا من الإحباط تجاه السياسات الاقتصادية والاجتماعية المعتمدة بالبلاد. وترجع أسباب الفشل لعدة عوامل متظافرة، ترجعلكونها لم تكن سياسات تنموية متوازنة على المستوى الهيكلي، ولم تكن عادلة على المستوى الاجتماعي، ذلك أن الإجراءات الاقتصادية سارت في اتجاه تشجيع الاستثمارات الكبرى وعدم الاكتراث للمقاولات الصغرى والمتوسطة، ولم تحمي الصناعات التقليدية والحرف التي كانت تشكل قاعدة صلبة للاقتصاد الوطني لو تم العمل على الحفاظ عليها وتطويرها كما فعلت الصين وغيرها من البلدان النامية، بل تركت فريسة للسوق الحرة لتلفظ أنفاسها أمام تدفق البضائع والسلع الخارجية. ولم تقم السياسات التنموية بالمغرب على أساس أخلاقي متين من النزاهة والمسؤولية وتشجيع المنافسة الشريفة وتكافؤ الفرص… بل أدى الجمع بين الثروة والسلطة من غير حسيب ولا رقيب إلى هيمنة اقتصاد الريع والإكراميات والزبونية بشكل سافر ومكشوف، وهو ما أنتج أولغارشية اقتصادية متنفذة ومحظوظة جدا ترسو عليها كل المناقصات والصفقات والمشاريع، تحولت إلى طبقة فوق الطبقات تحتكر الثروة وتتحكم في مفاصل الإنتاج من الماء إلى الطاقة، ولكونها فئة متنفذة تحتمي بالسلطة فإن أصحابها يجسدون ما يشبه النموذج المعروف تاريخيا للمحميين قبيل وأثناء فترة الحماية الاستعمارية الفرنسية، الذين كانوا يتمتعون بحماية القوى الأجنبية ويتحصنون بها في وجه كل القرارات الوطنية والقوانين المحلية، وهذه الفئة المتنفذة هي المسؤولة عن لهيب الأسعار، وما يحصل من مغالاة في الأسعار بما لا يضاهى في كثير البلدان العربية وحتى البلدان الغربية التي يصل فيها الدخل الفردي أضعاف ما عليه بالمغرب، مما كان له بدون شك أثر على اختلال التوازن الاجتماعي وانهيار القوة الشرائية لعموم المواطنين البسطاء، مما يحتم فعلا إجراء تقويم عاجل لهذه السياسات الاقتصادية الجائرة قبل فوات الأوان. إن السياسات التنموية المنتهجة افتقرت جميعها للأساس الأخلاقي فضلا عن افتقادها للرؤية العلمية والتخطيط السليم، ولذلك فهي لم ترق إلى مستوى المخططات التنموية الشاملة أو النموذج التنموي القومي، ذلك أن بناء أي نموذج تنموي ونجاحه يتطلب لزاما، توافر ثلاثة منطلقات أساسية: 1- أن يكون جزء من مشروع مجتمعي حضاري امتدادا واستمدادا، وإلا فمن لا يمتلك مشروعا مجتمعيا لا يمكنه الحديث عن نموذج تنموي متكامل وحقيقي. 2- أن يكون نتاجا لامتزاج رؤى الشعوب مع الرؤية الرسمية للدولة، ذلك أن التاريخ المحلي والإقليمي يؤكد أن المشاريع التنموية المفروضة التي صيغت في شكل مخططات تنموية كانت نتيجتها الفشل. 3- أن تتوفر الإرادة المجتمعية والرسمية لإنجاح المخططات التنموية المنبثقة عن النموذج، وإلا فإن الكثير من الخطط والمشاريع التنموية العربية التي أطلق عليها مخططات ثلاثيةأورباعيةأوخماسية، بسبب غياب الإرادة والمسؤولية الأخلاقية والافتقاد للرؤية، لم تكن في الحقيقة سوى عملية ترحيل مقنعة لمشاكل الحاضر نحو المستقبل. * أستاذ جامعي