ما سمي ب”المعاش الاستثنائي” هو أهم ما تطرق إليه بنكيران والذي أثار الجدل في كلمته الأخيرة التي ألقاها يوم 22 يناير بعد أسبوع فقط من الكلمة التي ألقاها يوم 13 يناير 2019 والتي نعد نشر الجزء الثاني لأهم ما جاء فيها؛ وباقي كلامه هو نفسه ما فصل فيه في كلمته السابقة. في هذا الجزء الثاني والثالث أراء مهمة تستحق النظر، وربما ستثير الجدل مستقبلا في الفكر السياسي الإسلامي الحديث بعد أن تحط حرب “المعاش الاستثنائي” أوزارها. تحدث في هذا الجزء عن الدور الرئيسي للملك في الاندماج السياسي لحزب العدالة والتنمية. وأسهب كعادته في رفضه القاطع للملكية البرلمانية؛ مع تقديمنا لقراءة في سياقات انتصاره للملك والملكية.وفي الجزء الثالث والأخير سنتطرق إلىإعلانه العودة لمواجهة خصوم الإصلاح وإلى ما سيثير الجدل في صفوف الحركة الإسلامية وهو رؤيته الجديدة للحرية الفردية في الاسلام وعلاقة الدين بالسياسة.. “المعاش الاستثنائي” لا نرى في كلمته الأخيرة جديدا أفضل من سابقتها إلا تقديم وشرح ظروف وملابسات “المعاش الاستثنائي”. رغم الغموض الذي يلف طبيعة هذا المعاش وظروف وحيثيات قبوله رغم تعففه من حقه في تقاعد رئيس الحكومة وتقاعد البرلمان، فقد حقق من خلال الحديث عنههدفين رئيسين: الأول الكشف لأول مرة بالتفاصيل عن وضعيته الإنسانية كشخصية استثنائية في تاريخ الرئاسات الحكومية، ثم تكذيبهللصحافة المغرضة التي تروج عنه أنه يملك أرصدة مالية ضخمة وأنه استفاد من عقارات الدولة بالملاييركأحد “خدام الدولة” وأنه يملك فلات فخمة، وأنه اغتنى من رئاسته للحكومة حتى أصبح في لائحة أغنياء العالم. لقد بين حالته الحقيقية، وكيف خرج من الحكومة لا يملك شيئا، وحتى مسكنه مازال هو نفسه البيت الذي في ملكية زوجته، ولا يملك في رصيده مجموع حساباته البنكية إلا عشرة آلاف درهم وأصبح في وضعية تتطلب منه البحث عن شغل ليسد به مصاريف الجحافل من زواره؛ رغم وضعيته المحرجة رفض بعزة نفسه أن يتقدم بطلب تقاعده الوزاري الذي يكفله له القانون حتى فوجئ بمعاش استثنائي يخبره به فؤاد عالي الهمة، من غير طلب منه، خصّه به الملك حصريا وبتقديره الخاص لقيمة مبلغه المالي المجهول والمثير للجدل إلى حد الآن. والهدف الثاني هو الضربة القاضيةلخصومه داخل حزب العدالة والتنمية الذين يروجون عنه، إبان إعفائه ومعركة الولاية الثالثة، الانحراف عن المنهج و”الصدامية” مع الملك إلى درجة ادعاء أن الملك يكن له الكراهية ويشك في وطنيته. “المعاش الاستثنائي” هو الموضوع الوحيد في كلمته الأخيرة الذي استأثر باهتمام الاعلام والفاعلين السياسيين؛ وهو في الحقيقة أضعف حلقة في تصريحاته ومواقفه كلها؛ وقد أحرج به ولا شك جميع أعضاء حزب العدالة والتنمية بين مؤيد ومعارض، واستغله حتى خصومه داخل الحزب لتصفية الحسابات الضيقة معه، وأثار بشروحاته غير المقنعة تسوناميا من الانتقادات في سائل التواصل الاجتماعي. رغم كل ذلك، يبقى السؤال الحاسم لمستقبل بنكيران السياسي ومستقبل المناصرين له والمتعاطفين معه هو: هل سيُسكته “المعاش الاستثنائي” كما يتمناه المتحكمون وخصومه داخل الحزب أم سيكون عونا له عليهم معنويا بما يُشعره به من عطف ورضا وتآزر جلالته؛ عكس ما يروج له خصومه من داخل الحزب وخارجه؟ لا أظنه سيتخلى عن مبادئه ومقاومته للفساد بسبب “المعاش الاستثنائي”، الذي يحتاج إلى مزيد من التوضيح، بدليل خرجاته الأخيرة المزعجة لتيار الاستبداد بعد شهور من هدية الملك. الاندماج الميسَّر لحزب العدالة والتنمية في المؤسسات السياسية كثيرا ما يتحدثون عن تميّز الحركة الإسلامية في المغرب عن مثيلاتها في المشرق؛ بينما هو في الحقيقة هو التميز المرحلي للنظام الملكي في المغرب عن عدد من الأنظمة الملكية في المشرق؛ ذلك ما فسر به بنكيران الاندماج الميسر لحزبه في العمل السياسي داخل مؤسسات الدولة بالكشف عن الدور الذي لعبه الملكان الحسن الثاني ومحمد السادس، أي ليس هناك من مبادئ ولا خصوصيات ولا مميزات تفلت الحركة الإسلامية من أن يكون مصيرها هو نفسه مصير الآخرين في الشرق في أي وقت من الأوقات، لأن التميّز المعتبر هو تميز النظام الحاكم وليس تميز الحركة. يقول بنكيران” أسسنا الحزب في سنة 1997 ودخلنا إلى أول انتخابات، وحصلنا على تسع نواب برلمانيين؛ وإن الحسن الثاني هو الذي أعطى الإذن لنمر.. لن نمر ابدا لو لم يعط الإذن…”. وحتى لا يختلط الأمر على السامع بيّنَ أن تسامح الحسن الثاني ومرونته مع الحزب لا دخل له بتأسيس الحزب ولا مشاركته في الانتخابات؛ وهذا ما بينه في حكايته لبدايات مشاركة الحزب بمكونه الإسلامي في الانتخابات بعد أن قاطعها الدكتور الخطيب لعدد من المحطات: “أرسل إلي السيد أحمد بن سودة – ولقد سبق أن قلت هذا للعالم والحمد لله ليس لدي ما أخفيه – والخلاصة أنه قال لي (أي الحسن الثاني) لا يمكن أن تدخلوا للانتخابات التي ستكون.. أي الانتخابات المحلية.. وإلا فإنني لا أستطيع أن أوقف الآلة “الماكينا” التي ستتحرك ضدكم؛ وأتيت الإخوان.. وعقدنا مجلس الشورى، وقررنا أن نتراجع، وذهبنا إلى الدكتور الخطيب لنخبره؛ لكنه رفض. هناك من يقول إن الحسن الثاني أرسل إلينا الدكتور الخطيب ليروّضنا… وهذا غير صحيح. وفي الحقيقة إذا كان هناك من يحتاج إلى الترويض لنروضه نحن فهو الدكتور الخطيب لأنه رجل صلب «راسو قاسح»، رفض التراجع عن المشاركة وقال يجب أن نشارك في الانتخابات، وكنا سنفترق بسبب ذلك..” استمرت استراتيجية الدولة مع الملك محمد السادس: “كان الحزب معرضا للزوال أكثر من مرة لولا جلالة الملك. وفي سنة 2003 كنا قاب قوسين أو أدنى ليحل الحزب. وجلالة الملك هو الذي رفض حله”. وبالمناسبة يكشف بنكيران لعموم الناس لأول مرة أن الملك آخذهم على أمور قاموا بتصحيح بعضها، دون الكشف عن طبيعة تلك الأمور التي صححت، والأمور التي لم تصحح “لقد آخذَنا على بعض الأمور وطالَبنا بتصحيح بعض الأمور؛ ونحن قمنا في ذلك الوقت بتصحيح بعض الأمور .. وهو أمر طبيعي لا يمكن أن نسير كأننا لا نرى أي شيئ.. من الطبيعي أن نتجنب ما يجب تجنبه..” ثم نوه بحكمة الملك محمد السادس وتميزه عن غيره من رؤساء دول الربيع العربي: “لقد شاهدتم ما وقع في المغرب وجلالة الملك الذي كان سبب أن ينجي الله بخطاب مارس 2011 ونحن كذلك ساهمنا من خلال تواجدنا في الشارع وشرحٍنا الأمور للناس؛ ذلك هو الذي أعطى نتيجة 25 نونبر 2011..”. لقد بالغ بنكيران غاية المبالغة في مدح الملك إلى أن يُفهم وأنه لا يُتصوَّر شيء إيجابي في الممارسة السياسية إلا بما قرره الملك؛ ولولا الملك لكانت نتائج حزب العدالة والتنمية في الانتخابات سنة 2011 وما بعدها شيئا آخر: “نقولها بصراحة وبكل وضوح، والله لولا قرار جلالة الملك لن تروا تلك النتائج أبدا (يقصد نتائج الحزب في الانتخابات)؛ لأنه ولو حصلت على النتائج فإن التزوير في المغرب ليس بجديد، وكذلك قلب الحقائق والأرقام؛ لكن جلالة الملك أمر أن تبقى الأمور كما هي”. والمهم في هذا كله هو أن يرسل رسالة إلى خصومه النافذين وهي علمه بالجهات التي تطالب بعدم تعيينه رئيسا للحكومة قائلا: “هناك مطالب جهات أخرى لكي لا أُختار ويتم تعييني.. وقرر جلالة الملك أن يختارني أنا كأمين عام ليحترم المنهجية الديموقراطية..”.. ولأول مرة أيضا يكشف بالواضح عن علمه بضغوط دولية للحيلولة دون تعيينه رئيسا للحكومة؛فيسجل للملك فضله وشجاعته في تجاوزه وتجاهله لتلك الضغوطالتي ترى في حزب العدالة والتنمية بقيادة بنكيران خطرا على مصالحها، كما نقل ذلك عن الرئيس الفرنسي الأسبق ساركوزي: “وسأقول لكم شيئا لا يعرفه كثير من الناس نقلا عن كلمة لساركوزي قال فيها «لم يكن سهلا أن يختار جلالة الملك الأمين العام لحزب العدالة والتنمية كوزير أول سنة 2011» (باللغة الفرنسية،ترجمة حرة) في ذلك الوقت ليس مستساغا من حلفاء المغرب.. حلفاء وما أدراك ما الحلفاء. ليسوا حلفاء كأس شاي كما هو الأمر بيني وبينكم… بين الدول هناك مصالح وهناك ضغوطات؛ لكن جلالة الملك توقف وأصر على فعل ما اعتقده فيه مصلحة بلاده، وأتمنى أن يكون فرحا بما فعله؛ وأظنه فرح بتعييني رئيسا للحكومة وأملك أدلة على ذلك؛ ولما وجب أن يعفيني ذهبت إلى حال سبيلي ولم أكن غاضبا ولا أنا مدين لسيدنا بأي شيء، أحسن الله جزاءه على الحالتين كل واحدة في وقتها عندما عينني وعندما أعفاني وانتهى الكلام.. كل هذا لتفهوا كيف وصلنا إلى ما وصلنا إليه”. سياقات الانتصار للملك والملكية قد لا يفهم كثير من الناس مبالغته كعادته في الانتصار للملك والملكية، والتي تأتي كل مرة في سياقات مختلفة: -الأول على سبيل المثال هو سنة 2011 إبان حركة 20 فبراير وهروب الوجوه الرئيسية لمحيط الملك إلى الخارج بسببها؛ كان خطاببنكيران في سياق مواجهة دعاة تغيير الملكية رأسا على عقب من خارج حزبه، أو من داخله في إطار الملكية البرلمانية بزعامة قيادات متمردة في الأمانة العامة على عدم المشاركة في حركة 20 فبراير، وفي عدد من الجهات. – والسياق الثاني هو خلال توليه الحكومة ما فتئ يذكُر فضائل الملك في محاولا حثيثة منه لتحييده في معركة الإصلاح بتبني استراتيجية واضحة تفصل بين الفساد أوالاستبداد والملكية بقواعدها الشرعية التاريخية ؛ حيث يستعمل خصوم الإصلاح الملك مِتراسا يختبئون وراءه لعرقلة الإصلاح وممارسة الاستبداد. – والسياق الثالث الذي يلوح في الأفق هو سياق خطر التيار الأمازيغي المتطرف الذي يدعو إلى ملكية برلمانية علمانية والذي رفع مؤخرا من منسوب هجومه على الإسلام والإسلاميين وعلى الدولة أيضا؛ والمفارقة أن هذا التيار مدعوم من جناح اليسار القاعدي المتطرف بزعامة إلياس العماري الذي احتل في أعلى هرم الدولة مواقع القرار؛ خصوصا وأن تقارير دولية ووطنية مسربة وتصريحات خبراء دوليين في الأمازيغية تكشف عن علاقة هذا التيار بالصهيونية والموساد الاسرائيلي وأنشطته العسكرية التدريبية السرية داخل المغرب؛ كما تكشف عن تلاعب قوى دولية بالقضية الأمازيغية، للضغط على الدولة قصد توسيع أنشطة التطبيع الإسرائيلي وفك علاقته بالحركة الإسلامية، وبالتالي علاقته بالمرجعية الإسلامية والتاريخية؛ أي إن هذا السياق الخطير على الدولة والمجتمع من منظور بنكيران هو بمثابة إجراءات انقلابية ناعمة على ملكية عهِدها المغاربة في تاريخهم تسود وتحكم بالبيعة الشرعية. يمكن أن نستنتج من دفاع بنكيران المستميت عن ملكية يسود فيها الملك ويحكم ثلاثةأمور أساسية: الأمر الأول كان هدف بنكيران في السياقات كلها هو تثبيت نظريته “الإصلاح في ظل الاستقرار” التي كان له الفضل وحده في طرحها بشجاعة؛ وهي القضية التي يلوح بها دائما في مواجهة خصومه المؤثرين في الدولة، ويحذر بها المواطنين من الانجرار إلى رفع سقف المطالب بما يؤدي إلى الثورة والاصطدام مع الملكية؛ أي أن يبقى النضال بمقدار”أن المغرب ليس هو الجنة.. والحقيقة أن المغرب فيه مشكل واحد رئيسي هو أنه ليس فيه التوازن: هناك شرائح ميسورة، وشرائح متوسطة، وشرائح تحاول، وأخرى متروكة لنفسها مسكينة ليس لها أي شيء تقريبا ولا تجد تأطيرا ولا مساعدة… وأقول لكم بصراحة إن هذه الحكومة، بتوجيهات جلالة الملك، تسير في اتجاه ما قمنا به من برنامج التيسير وتوسيعه ودعم الأرامل و”راميد” (نظام المساعدة الطبية) الذي أنجزه عبد الرحمان اليوسفي في أزيلال، والذي عممه محمد السادس على المغاربة، لتكون الأمور واضحة” قد يُفهم من العبارة الأخير نوع من تقصير هذه الحكومة في التقدم وتجاوز إنجازات الحكومة السابقة. الأمر الثاني يتعلق برؤيته للملكية الدستورية بالمنظور التاريخي لإمارة المؤمنين التي يكون فيها الدستور مفصِّلا للإمارة وليس مؤسسا للدولة؛ وهو موقف استراتيجي ثابت مرتبط بالمرجعية الإسلامية وليس موقفا براغماتيا يتغير حسب المنفعة كما هو شأن اليسار المتطرف أو اليمين الليبرالي؛ أي بالنسبة إليه ليس موقفا تكتيكيا يتغير بتغير الأحوال: “لذلك أقول لكم بأن علاقتكم بالملك ليست علاقة انتفاع؛ أبدا مهما وقع.. علاقتكم مع الملكية هي علاقة استراتيجية؛ وهي أساسا مبنية على أصول المرجعية الإسلامية… الحكم فيه للبيعة. والبيعة لم تنته بالدستور، ومن يقول غير هذا فقد أخطأ ويجب أن يصحح قوله؛ الدستور هو تفصيل للبيعة يتعاقد عليه الناس؛ لكن أصل البيعة باق…” وقد سبق أن أصل لهذه العلاقة بالملك، في كلمة له في المؤتمر الأخير الذي أنهى ولايته الثانية لتنتقل للعثماني، برفعها إلى مستوى عقيدة يعتقدها قائلا: ” موقفتا من الملك لا تحكمه صداقة بيننا ولا منعة؛ إن الأمر بالنسبة لي هو عقيدة لن أغيرها ولو وضعني محمد السادس في السجن”. أي إنها عقيدته يحكمها فهمه للمرجعية الإسلامية وتاريخ الدولة المغربية؛ وهي في نظري أمور فيها نظر ونقاش. الأمر الثالث رفضه ل”الملكية البرلمانية” ودفاعه عن نظريته في ملكية دستورية يحكم فيها الملك ويسود. لم يرق رفضه لها إلى مستوى العقيدة إلا أنها فكرة استراتيجية مرتبطة بسابقتها وثابتة عنده، ولم يقتنع إلى حد الآن بتغييرها؛ لم يرفضها كمثال نظري وإنما لأنها مفهوم غامض، ليس لها مرجعية واضحة ولا نخبة سياسية موفقة لتمثيلها؛ خصوصا وأن دعاتها لم يتفقوا بعد على مضمون واحد لها وواضح هل هي ملكية برلمانية علمانية أم هي ملكية برلمانية إسلامية؟ وكيف ستكون هذه أو تلك؟ ثم ماذا سيكون مصيرها في ظل بيئة فاسدة وفي ظل هشاشة برلمانية وحزبية يسهل التحكم فيها بلا حدود؟ لذلك وفيهذا السياق يتساءل بنكيران مخاطبا المتحمسين للملكية البرلمانية: “الذين يتكلمون على الملكية البرلمانية أريد أن أقول لهم إذا أردتم أن نفهمكم قولوا لنا ما هي الملكية البرلمانية التي تقولون؟ قولوا لنا ماذا تقصدون بالضبط منها؟ لأنه إذا كانت الملكية البرلمانية ملك يسود ولا يحكم فأنا ضدها وليس لأول مرة أقول هذا. لا حاجة للمغاربة بملك يسود ولا يحكم ..” من كلامه هذا يظهر أنه يخاف من المجهول وأنه ليس ضد الملكية البرلمانية إلا من جهة أنها غير واضحة المعالم، ولا يوجد لها مثال في بيئتنا ولا مرجع يمكن الاطمئنان إليه “لا يمكن أن نذهب في طريق تهدد أمن بلادنا وحينئذ يعلم الله أين سيذهب عصيد وأمثاله؛ سيهربون إلى حيث منازلهم في الخارج، والله يعلم ماذا يملكون هناك، وسيتركون المغاربة وحدهم يعانون ولا من يخاطبون؛ ولهذا يجب على كل من يقول بالملكية البرلمانية أن يشرح لنا ماذا يعني بها؟ وكيف يريد الوصول إليها؟”. وهنا يرسم بنكيران طريقا لتطوير الملكية إلى ديموقراطية إسلامية حقيقية قائلا: “نعم يجب أن نتطور؛ ولكن بالتوافق بيننا وبين جلالة الملك، ويجب أن تبقى لجلالة الملك صلاحيات، وأمّا ما تبقى فيكون بالتفويض وفي إطار التوافق؛ ولا للديموقراطية التي ستشتت لنا القرار وبدون مرجع؛ يجب أن يكون لنا مرجع في كل شيء بعد الله يحتكم إليه الجميع حتى لا أقول يخاف منه الجميع لأنه لا بد للسلطان من هيبة.. أحذركم وأحذر المغاربة من أي مسار آخر”. من المعروف أنناوكثير من الديموقراطيين لا نوافق سي بنكران على أطروحته في الملكية البرلمانية؛ إلا أن موقفه واستراتيجيته بزعامته تستحق الدعم والتأييد لأنها تمثل الحد الأدنى لمسار الانتقالالديموقراطي. والسؤال هو: إذا بنى موقفه على معطى تاريخي وهوأن الصراع مع الملك منذ الاستقلال على تقييد حكمه المطلق لم ينجح ولم يثمر شيئا؛فإلى أي حد تكون أطروحته منتجة ومقبولة لدى دوائر الحكم الملكي؟ في نظرناوأمام هذا الواقع الرافض لأية مبادرة من مبادرات النخب السياسية ستبقى إرادة الشعب، عندما يأخذ المبادرة بنفسه،هي الحاسمة في نوع الملكية البرلمانية التي سيختارها لنفسه أهي إسلامية أم علمانية. ترقبوا في الجزء الثالث والأخير تحليلالإعلانه العودة لمواجهة التحكم وخصوم الإصلاح، ولرؤيته الجديدة في ثقافة الحركة الإسلامية للحرية الفردية في الإسلام وعلاقة الدين بالسياسة وقضايا شائكة في الفقه الاسلامي ستثير الجدل في أوساط الاسلاميين كالحرية الفردية في الاسلام لنازعة الحجاب ولشارب الخمر والزاني والشذوذ الجنسي!