في آخر حديث له، جدد رئيس الحكومة السابق عبد اﻹله بنكيران التعبير عن موقفه الرافض للملكية البرلمانية، بحكم انه في ظل هذه اﻷخيرة يظل الحاكم مجهولا بالنسبة لبنكيران حيث قال:” إذا كانت الملكية البرلمانية ملك يسود ولا يحكم، فمن يحكم اذن؟ ” هذا السؤال الذي طرحه بنكيران قد يبدو بسيطا وسهلا عند الكثيرين بموجب ان القانون هو الذي سيفصل في هذه المسألة والذي سيوزع الصلاحيات ويوسعها لصالح المؤسسات المنتخبة على حساب الملكية. هذا الجواب المقترح على السؤال السابق يبدو لي في نظري جوابا صيغ بلغة ” ما ينبغي أن يكون” وليس بلغة ” ما هو كائن ” حيث انه فقط يكفي طرح السؤال التالي: هل تم احترام القانون والدستور ومقتضيات الملكية الدستورية في بلادنا قبل ان نتحدث عن الملكية البرلمانية؟ وعليه ففقط بالرجوع الى بعض الاحداث والوقائع السياسية يتضح جليا ان هناك في بعض الاحيان مخالفات لمقتضيات الدستور وللصلاحيات التي يتيحها الدستور. فلطالما سئل بنكيران حينما كان رئيسا للحكومة عن بعض القضايا والقرارات الهامة التي تم اتخاذها وكان يجيب في بعض الاحيان ب ” مافراسيش «، وفي أحيان كثيرة لاطالما سئل عن عدم عمله ببعض الصلاحيات التي يتيحها له الدستور، والتي قد يكون محروما من العمل بها بضغط من جهات نافذة في الدولة أو عدم إيجاده مساحة كافية للاشتغال بهذه الصلاحيات او مزاحمة من جهات أخرى …الخ. هذا ودون أن ننسى الاشارة الى الاحكام القضائية التي صدرت في كل من القضايا المتعلقة بحراك الريف وجرادة والمتعلقة ايضا بقضية الصحفيان توفيق بوعشرين وحميد المهداوي، والقضية الاخيرة المتعلقة بمتابعة حامي الدين في قضية سبق للقضاء ان بث فيها والتي تعتبر عنوانا صارخا لخرق الدستور وجميع المقتضيات القانونية والحقوقية في بلادنا. كل ما أشرنا اليه سابقا يؤكد بالملموس ان القانون ليس محترما في ظل الملكية الدستورية بحيث انه لم يتم احترام مقتضيات الملكية الدستورية فما بالك بالملكية البرلمانية. إن سؤال” من يحكم المغرب؟” مازال سؤالا مطروحا ومازالت اصابع الاتهام تشير الى جهات خفية داخل الدولة باختلاف اسمائها ومسمياتها ” العفاريت والتماسيح، جيوب المقاومة، القوة الثالثة، الدولة العميقة…” هي التي تتدخل وبقوة لفرض قراراتها واستغلال الثغرات وغموض بعض القوانين وتقربها من شخصيات نافذة من أجل تحقيق مصالحها وعرقلة الجهود المبذولة للإصلاح. وهنا سنتحدث عن أهمية بقاء الملك سيدا وحاكما في المغرب في نظر بنكيران، حيث وضح هذا الاخير ان الملك بصلاحياته في الوضعية الراهنة هو الذي يحول دون وقوع الاسوء ودون تغول هذه الجهات اكثر، وهو الامر الذي استدل عليه بنكيران بذكره لفضل الملك في الحيلولة دون حل حزب العدالة والتنمية سنة 2003، وايضا تجاوب الملك الايجابي مع حراك 20 فبراير عبر خطاب 9 مارس الشهير، و يمكن ان نضيف ايضا مظاهر اخرى جلية لهذا الدور الذي يقوم به الملك مثلا في تدخله للحيلولة دون حل الحكومة بعد خروج حزب الاستقلال منها سنة 2013، وايضا الضربة التي تلقاها حزب العدالة والتنمية وشبيبته حينما تم اعتقال شباب الفايسبوك ومتابعتهم بقانون الارهاب لولا تدخل الملك الذي اصدر عفوه على هؤلاء الشباب… والامثلة كثيرة على ان الملكية في شكلها الحالي عند بنكيران تعتبر صمام امان تحول دون وقوع ازمات سياسية بسبب عمل الجهات النافذة في الدولة. وحسب بنكيران فإن الابقاء فقط على السيادة للملك ونزع الحكم منه يجعل امكانية وقوع الحكم في يد هذه الجهات بشتى الطرق امرا محتملا لاسيما ان القانون في المغرب يتم الالتفاف عليه وتأويله طبقا للمصالح والاهواء. وبرجوعنا الى استهداف بعض القيادات البارزة في حزب العدالة والتنمية عن طريق الاساءة والتشهير التي من ورائها هذه الجهات -التي سبق الحديث عنها-من خلال تسريب بعض الصور الشخصية، الامر الذي يذكرنا بالطريقة التي تمت فيها الاساءة الى رئيس الدولة، الذي لم يسلم بدوره من هذه الاساءة فيما يعرف بقضية البشير السكيرج. فمن قام باستهداف رئيس الدولة الذي هو الملك لن يصعب عليه استهداف اي جهة اخرى مهما كانت حزبا او تنظيما او جريدة … ان بنية الدولة المركبة والمعقدة، والتي تكونت إثر تراكمات قرون جمعت بين التقاليد المخزنية الموروثة وإرث الاستعمار الفرنسي، تجعل الملكية البرلمانية بعيدة المنال. واي اصلاح حقيقي لابد ان ينطلق من فهم واستيعاب دقيقين لمكونات الدولة ولطبيعة العلاقة بين هذه المكونات.