ارتفعت وتيرة زيارات القدس مؤخرا، من طرف مسلمين بعضهم بنيات حسنة، إما تعبدية طمعا في زيارة المقدسات، أو تضامنية ظنا منهم أن تلك الزيارات تخدم المقدسيين والقدس. والبعض الآخر بهدف التطبيع المكشوف والصداقة أو العمالة للكيان الصهيوني. والذي يهمني في هذا التذكير الفئة الأولى، أما الثانية فلها كلام آخر. بعد توقف لجنة القدس عن الانعقاد عقدا من السنين وتخاذلها عن الدفاع عن القدس والمسجد الأقصى في أحلك الظروف وأصعبها، اجتمعت في مراكش أيام 17 و18 يناير 2014 في دورتها العشرين، وكان من أهم توصياتها تشجيع زيارة القدس، وعلى إثر هذه التوصية فتح المجال لوكالات الأسفار لتنظيم رحلات إلى القدس، وبعد أشهر نظم مؤتمر “الطريق إلى القدس” أيام 28 – 30 أبريل 2014م في العاصمة الأردنية عمان واستدعي له علماء ليصدروا فتوى بجواز زيارة القدس في خروج عن إجماع علماء الأمة، وتعالت نداءات السلطة الفلسطينية ومن يدور في فلكها بزيارة القدس والتراجع عن فتوى تحريم الزيارة. كل هذا تم في سنة 2014 عقب مخطط صهيوني سنة 2013 انطلقت من خلاله مكاتب سياحية يهودية بدعم من وزارة سياحة الاحتلال في تنظيم وفود سياحية من دول إسلامية من شرق آسيا وأفريقيا وباكستان والهند لزيارة القدسالمحتلة ومعالمها، وهذا ما كشفته وحذرت منه حماس في بيانها الصادر في 1مارس 2013 حيث جاء فيه: “إنَّنا في حركة حماس نحذر من خطورة هذا المخطط الصهيوني الذي يهدف إلى تسويق الرواية الصهيونية وتكريس البعد اليهودي ألتلمودي وترويج الحق المزعوم في الأقصى وباحاته وطمس العمق التاريخي للحضارة العربية والإسلامية”، وأضافت: “إنَّنا في الوقت الذي نجدّد فيه تأكيدنا على حرمة زيارة القدس وهي قابعة تحت الاحتلال الصهيوني، لندعو منظمة التعاون الإسلامي وجامعة الدول العربية إلى إلزام دولها بعدم الاستجابة لهذا المخطط الخطير الذي لا يخدم إلاّ أجندة الاحتلال التهويدية، كما ندعو المؤسسات الإعلامية إلى المشاركة الفاعلة في فضح أهداف الاحتلال المشبوهة ومشاريعه في طمس المعالم والمقدسات الإسلامية”، غير أن الاستجابة كانت عكسية من خلال لجنة القدس التي تمهد إلى التطبيع مع الاحتلال. إن زيارة القدس بدافع تعبدي أو تضامني يصبح على الأقل في دائرة الشبهة إن لم يدخل في دائرة الحرام أمام فتوى تحريم جزء كبير من العلماء لهذه الزيارة وفي مقدمتهم الشيخ القرضاوي، وأمام رفض المقاومة وفي مقدمتهم حماس، وكذلك رفض المقدسيين المدافعين والمرابطين في المسجد الأقصى وعلى رأسهم شيخ الأقصى رائد صلاح. فهذا القرضاوي يختم بيانه الصادر بمناسبة زيارة علي جمعة مفتي مصر للقدس بعد تذكير بالأسس التي بنى عليها فتواه قائلا: ” في ضوء هذه الاعتبارات نرى أن السفر أو السياحة إلى دولة العدو الصهيونى لغير أبناء فلسطين حرام شرعًا، ولو كان ذلك بقصد ما يسمونه “السياحة الدينية” أو زيارة المسجد الأقصى، فما كلف الله المسلم أن يزور هذا المسجد وهو أسير دولة يهود، وفى حراسة حراب بنى صهيون، بل الذي كُلِّف المسلمون به هو تحريره وإنقاذه من أيديهم، وإعادته وما حوله تحت الراية الإسلامية.. إننا جميعًا نَحِنُّ إلى المسجد الأقصى، ونشتاق إلى شد الرحال إلى رحابه المباركة، ولكننا نبقي شعلة الشوق متقدة حتى نصلى فيه، إن شاء الله بعد تحريره وما حوله، وإعادته إلى أهله الطبيعيين، وهم أمة العرب والإسلام.” أما حماس فقد أصدرت بيانا على إثر فتوى علماء مؤتمر ” طريق إلى القدس” الذين أفتوا بجواز الزيارة لفئتين هما الفلسطينيون والمسلمون الحمالون لجوازات سفر دول أجنبية خارج دول العالم الإسلامي والذي يبلغ عددهم 450 مليون مسلم، جاء فيه: “نحذر من خطورة فتوى رفع الحظر عن زيارة المسجد الأقصى ونعتبر أنها في سياق حرب تهويدية مسعورة يقودها الاحتلال ومغتصبوه ضد المسجد تدنيساً وتقسيماً وطمساً للمعالم”. وأضافت أن “الدفع باتجاه زيارة الأقصى في هذا الوقت بالذات يعد خدمة مجانية للاحتلال ومسلكاً يقود إلى التطبيع مع العدو الصهيوني ومكافأته على جرائمه وانتهاكاته”. وقالت إن الفتوى المذكورة “خرق لإجماع علماء الأمة القائم على تحريم زيارة المسجد الأقصى في ظل الاحتلال وصدرت في ظل غياب إجماع العلماء وغياب آخرين مشهود لهم بالعلم والفقه وهي لا تلزم الأمة في شيء ولن تلقى أيّ صدى”. وبخصوص شيخ الأقصى رائد صلاح ففي أعقاب إعلان مفتي تونس نيته زيارة المسجد الأقصى، أعلن رفضه لزيارة شخصيات رسمية عربية إلى القدس والمسجد الأقصى المباركين، فقال الشيخ رائد في لقاء مع “ديلي 48 “: “لم تزدني الأيام إلا قناعة أن موقف الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين من هذه الزيارات هو الموقف السليم المبصر، لأن من شأن هذه الزيارات من حيث لا يقصد من يقومون بها، أن تعزز من ادعاء الاحتلال الإسرائيلي من سيادته الباطلة أصلا على المسجد الأقصى المبارك، لأننا كلنا نعلم أن الاحتلال الإسرائيلي لا يزال يمنع 3 ملايين فلسطيني من أهلنا في الضفة الغربية وقطاع غزة من الوصول إلى القدس والأقصى المباركين، ولا يزال يمنع المئات منا من الداخل الفلسطيني من الوصول إلى القدس والأقصى المباركين، وها هو الذراع الأمني الإسرائيلي يزج بالمئات من أهلنا في القدس والداخل الفلسطيني في السجون، لا لسبب إلا لأنهم كانوا يعتكفون أو يرابطون أو ينظمون حافلات لنقل الأهل من الداخل الفلسطيني إلى المسجد الأقصى، فماذا يعني أن يقوم الاحتلال بكل هذه الممارسات القبيحة، وفي نفس الوقت يفتح المجال لبعض الشخصيات الرسمية من تونس أو من الكويت أو من غيرها للدخول إلى الأقصى المبارك تحت سقف الاحتلال الإسرائيلي، وعليه فمن الواضح لي أن كل هذا المشهد يصب في مصلحة الاحتلال ويدعونا للتفكير مليا في مثل هذه الزيارات”. إن دعاة الزيارة أغلبهم يسيرون في ركب السلطة الفلسطينية وخيار أوسلو المتجه نحو التطبيع والاستسلام، ونحن لن نكون إلا مع المقاطعة في ركاب المقاومة والمرابطين حتى تحرير القدس والمسجد الأقصى. ولا يمكن أن تحلو لنا الحياة ونحن في المسجد الأقصى وهو محتل يدنسه المستوطنون اليهود لنأخذ صورا في باحاته تعطي انطباعا غير صحيح عن المحتل بالأمن والتسامح وأهل فلسطين محرومون وممنوعون من زيارته، وعلى بعد أمتار يعيش المقدسيون حالة من الاضطهاد والتمييز العنصري. * رئيس الهيئة المغربية لنصرة قضايا الأمة وقيادي بجماعة العدل والإحسان