هل هناك تناقضا فعليا بين خطاب حزب العدالة والتنمية، وربما خطه السياسي، وخطاب وزيره لحسن الداودي بخصوص موضوع حساس كتسقيف أسعار المحروقات؟ بتوازن ظاهر، أعطى الموقع الرسمي للحزب، مؤخرا، الكلمة للطرفين: لوزير الشؤون العامة والحكامة، ثم لنائب الحزب في البرلمان محمد خيي. وقد اتضح مرة أخرى أن هناك خلافات واضحة بين الطرفين. محمد خيي قال إنه “لا معنى” لاستمرار سعر المحروقات بنفس المستوى وطنيا رغم انخفاضها عالميا، وطالب الحكومة بالتسقيف طبقا لمخرجات تقرير اللجنة النيابية والالتزام الحكومي. أما لحسن الداودي، فردد مرة أخرى أنه لن يتخذ قرار التسقيف سوى عندما ترتفع الأسعار، وما زال يهدد، صباح مساء تقريبا، بأنه سينفذ تهديداته. لكن ماذا يعني كل هذا؟ وما هو مقياس الارتفاع المنتظر؟ أولا، هذا يعني ضمنيا أن الأسعار ما زالت منخفضة برأي الوزير. وثانيا، أن هذا الأخير يخبئ، بالضرورة، رقما معينا في مذكرته سيتدخل عند بلوغه. فمتى سيتدخل؟ هل عندما يصل الكازوال إلى 15 أو 20 درهم مثلا أو أكثر؟ وما هو السقف الذي يعتبره قاسيا على جيوب المغاربة؟ مؤخرا، صرح الوزير بأن هامش الربح ينبغي ألا يتعدى 70 سنتيما، ولكن الأمر بقي مجرد تصريح ولم يأخذ طابع قرار قانوني ملزم للشركات. عند التحليل، يبدو هذا الموقف غير منطقي، أو كأنه يخبئ تكتيكا ما لربح الوقت. الرد غير المباشر على موقفي الداودي وخيي جاء من نائب حزب الأحرار بدر الطاهري الذي يبدو أنه يرفض التسقيف ويتشبت بالليبرالية في هذا المجال والتي تقررت في 2015، حيث قال في تصريح بالبرلمان إن حزبه يرفض “شيطنة المستثمرين” (وهي كلمة رددها مرتين) وانتقد ما سماه “تدخلات لا تخدم الاقتصاد الوطني”. وهو يقصد حملة المقاطعة الشهيرة وآثارها، ويقصد ضمنيا أيضا فكرة التسقيف التي كان فريق الأحرار يعارضها ونفى أن تكون الشركات حققت 17 مليار درهم من الأرباح غير “الأخلاقية” كما قال النائب عمر بلافريج وبعض النواب الذين أعدوا التقرير الاستطلاعي حول أسعار المحروقات. وبالمناسبة، فإنه منذ خروج هذا التقرير، أصبحت عدة تقارير استطلاع وتقصي برلمانية مجمدة، ولم يعد هناك حديث عن أي تقرير جديدة سواء في جرادة أو غيرها، وكأن صفارة إنذار أطلقت، وأمرت اللجن بالتوقف. هذا الجدل يسمح باستخلاص أن هناك تكتيكات صراع تجري بين العدالة والأحرار داخل حكومة غير متفقة حول مسألة التسقيف. فحزب العثماني يريد الضغط عبر فريقه البرلماني، أما حزب أخنوش، فيرفض ويرد على هذا الضغط. وفي هذا الخضم، تجري حرب أخبار كبرى حول أسعار المحروقات وتخفيضها وتسقيفها. ففي الوقت الذي تعلن بعض الجرائد، على لسان رئيس تجمع النفطيين عادل الزيادي، أن الأسعار انخفضت فعلا ب 60 سنتيم، قال وزير الشؤون العامة لحسن الداودي إنه ما زال يعقد اجتماعات مع هذا التجمع لمناقشة هذا الملف. وواقعيا، وحسب عدة شهادات، فإن التخفيض لم يقع بعد أو أنه متباين حسب المناطق في المغرب. ويتضح عند التحليل أن حرب الأخبار – سلاح البروباغندا أساسي هنا. وموضوعها الأول هو: هل وقع التخفيض أم لا؟ أما موضوعها الثاني فهو: ما هو حجم التخفيض؟ وفي انتظار الجواب، نعيش فوضى أخبار حقيقية. من يصدق من؟ ومن سيوضح ما يجري للمواطن، وللمستثمر المغربي والأجنبي، في ظل لعبة كبيرة للسلطة والمال؟ لوبي المحروقات يعيش تحت الضغط منذ صدور التقرير النيابي حول التسقيف وتحقيق الأرباح، وازداد الضغط بعد تراجع الأسعار في السوق العالمي. وهو لوبي يريد في الواقع، في لعبة التفاوض، أن يحصل على إعفاءات ضريبية مقابل تخفيضه للأسعار. حيث يؤكد أن الحكومة تريد، عبر التسقيف، ضرب حرية الأسعار التي أقرتها هي نفسها خلال السنوات الأخيرة. وقد طالب حزب التقدم والاشتراكية في بلاغ لمكتبه السياسي ب “معالجة جريئة و مسؤولة لموضوع أسعار المحروقات بما يحفظ القدرة الشرائية لأوسع الفئات الاجتماعية”. وهو دعم واضح لحكومة العثماني أو لأحد مكوناتها، في الوقت الذي لم يصدر عن حزب العدالة أي موقف رسمي واضح وصريح من هذا النوع. عدد من الاقتصاديين يعتبرون أن توجه حكومة حزب العدالة والتنمية يكرس استمرارية نهج الليبرالية الجديدة المتبعة من قبل السلطة منذ سنوات، والتي لم تفلح بعض اللمسات الاجتماعية في الحد من زحفها وتعزيزها للتفاوتات الطبقية. وهو توجه فاقم من ليبراليته العجز الواضح عن الحد من مظاهر الفساد السياسي والاقتصادي المتزايدة.