ظاهرة العنف ظاهرة تعرفها جميع المجتمعات بدون استثناء. غير أن نوعا من العنف استرعى اهتمام المجتمع الدولي والحقوقي مند القدم، ويتعلق بالعنف ضد المرأة. و رغم تراجع هذا النوع من العنف في المجتمعات الديمقراطية المشبعة بثقافة حقوق الإنسان إلا أن الظاهرة فيها لا تزال مستمرة كما تكشف عن ذلك تقارير رسمية وتقارير المجتمع المدني وخاصة مراكز الاستماع. و رغم أن معظم العنف ضد النساء ذكوري، فأن هناك ظاهرة جديرة بالاهتمام تتعلق بالعنف الذي يكون مصدره المرأة ويكون موجها ضد شقيقتها المرأة أو ضد الرجل. ومجتمعنا المغربي يزخر بهذا العنف الأنثوي، و يكون أحيانا خطيرا جدا. والعنف الأنثوي الموجه ضد المرأة في المغرب نجده، في أقسى صوره وأكثرها إيغالا في الإجرام، موجها ضد خادمات البيوت، ويصل درجة التعذيب المفضي إلى الموت، وتستعمل فيه أساليب تعبر عن قسوة استثنائية كبيرة، مثل الكي بالمكواة، أو الإحراق بالزيت، أو التجويع، ... ناهيك عن سوء معاملة يشمل أشكالا من التعذيب اللفظي و النفسي و البدني. هذا بغض النظر عن الحرمان من الحقوق الأساسية، بل أحيانا حتى من "الأجرة" الزهيدة. و هذا العنف الأنثوي الموجه ضد المرأة نجده أيضا في المنظومة التربوية، وخاصة في البيت، ويصدر من الأم ضد ابنتها وأيضا بين الشقيقات. ويصل هذا النوع من العنف أيضا مستويات خطيرة قد يفضي إلى إعاقات بدنية ونفسية مزمنة. كما نجد العنف الأنثوي أيضا منتشرا بين الصديقات، (في صفوف الطالبات، وبين الجارات،...). كما نجده في الأماكن الخاصة بالمرأة، مثل الحمامات، والنوادي، وغيرهما. و أكثر صور العنف الأنثوي مفارقة في ثقافتنا هو الموجه ضد الرجل، فالعنف في العرف والثقافة عموما مصدره الرجل. غير أن تحولات ثقافية واجتماعية فسحت المجال لعنف أنثوي متنامي ضد الرجل، وبالخصوص ضد الزوج. ويشهد على ذلك ما يروج في المحاكم من قضايا العنف الزوجي يكون الرجل فيها هو الضحية، كما يؤكده أيضا وجود جمعيات مدنية تدافع عن الزوج ضد عنف الزوجة، ونجده ضمن تقارير خاصة في هذا المجال. الهدف مما سبق ليس تغذية صورة نمطية ضد المرأة تَسِمها بالعنف، بل مقاربة العنف بين الجنسين كظاهرة اجتماعية مقاربة تتجاوز النظرة التقليدية التبسيطية التي تراه بشكل ميكانيكي من الرجل نحو المرأة. و البحث عن فهمه في سياقات تتجاوز المنظور النضالي النسوي إلى منظور علمي يضعه في سياقات التطورات التي تلحق المجتمعات، والتي لا شك يحضر فيها الإرث الثقيل من الثقافة الذكورية التي تبرر العنف ضد النساء، أو تتسامح معه. وسيكون من السهل اعتبار العنف الأنثوي مجرد رد فعل من المرأة ضد المجتمع الذي قهرها بعنفه الذكوري. غير أن هذا التفسير الأحادي الذي يتخفى وراء منطق "قانون رد الفعل"، يقف حاجزا سميكا أمام استيعاب حقيقة العف في المجتمع كيفما كان مصدره وكيفما كانت ضحيته. مما لا شك فيه أن العنف ضد المرأة هو الغالب، كما تؤكد مختلف التقارير والدراسات، سواء في المغرب أو خارجه، وأنه عنف يرتبط بعوامل كثيرة ضمنها بكل تأكيد غلبة الذكورية في العلاقة بين الرجل و المرأة. لكن هناك عوامل أخرى كثيرة ينبغي الانتباه إليها في مقاربة موضوع العنف في المجتمع بشكل عام وضد المرأة بشكل خاص. و ضمن العوامل التي تقف وراء العنف الذكوري الموجه ضد المرأة نجد بالطبع تصورات تستند إلى تفسيرات منحرفة و متطرفة للدين. لكن هذا العامل لا يفسر وحده ظاهرة العنف ضد النساء التي نجدها أيضا منتشرة في المجتمعات اللادينية وبين المثقفين، وفي أوساط النخبة المشبعة بثقافة حقوق الإنسان أو على الأقل المفروض فيها أنها كذلك. العنف الذكوري ضد المرأة ينتمي إلى منظومة نمطية كبيرة ومعقدة، تحكم العلاقة بين الرجل و المرأة، ليس فقط في مجالات العنف المادي والرمزي التقليدي، بل نجده أيضا في مجالات تتعلق باقتسام السلطة والثروة. ففي المجتمعات الغربية العريقة ديمقراطيا لا زالت أجور النساء مثلا متدنية مقارنة مع الرجال، وهذا عنف خطير. كما نجد أن مراكز القرار لا تزال حكرا بشكل واضح وفج على الرجال ضد النساء. وتوظيف المرأة وصورتها كسلعة تجارية أو وسيلة لترويج سلع تجارية عنف قاس ضد المرأة لا زال منتشرا ... الهدف من الأمثلة السابقة هو التشديد على أن العنف ضد النساء الذي يمارسه المجتمع على المرأة، وخاصة من طرف الرجل، عنف ينبغي أن يقارب من جهة أولى، من خلال إرث ثقيل من التمييز ضد النساء في المجتمعات الانسانية لا يزال ينظر إلى المرأة و يتعامل معها بصفتها الحلقة الأضعف في معادلة الرجل-المرأة. ومن جهة ثانية، من خلال ثقافة العنف المتجذرة في المجتمع والتي تجعل المرأة أيضا مصدرا للعنف لا يقل انتشارا وخطورة عن الذي تتعرض له، توجهه هي ضد أختها المرأة و ضد الرجل.