حموشي يؤشر على تعيينات جديدة في مناصب المسؤولية بمصالح الأمن الوطني    قضية اختطاف وتحرير المواطن الإسباني: حبل كذب النظام الحزائري قصير.. دونكيشيات العالم الآخر    المغرب يعزز الحضور بالأسواق الإيبرية    شباب الريف الحسيمي يتعاقد رسميا مع المدرب محمد لشهابي    إجهاض محاولة تهريب الكوكايين بمعبر الكركارات    توقعات أحوال الطقس ليوم الخميس    رفض تأجيل مناقشة "قانون الإضراب"    الارتفاع ينهي تداولات بورصة الدار البيضاء    طنجة المتوسط يعزز ريادته في البحر الأبيض ويتخطى حاجز 10 ملايين حاوية خلال سنة 2024    جهود استباقية للتخفيف من آثار موجة البرد بإقليم العرائش    وزارة الداخلية تكشف عن إحباط أزيد من 78 ألف محاولة للهجرة غير السرية خلال سنة 2024    "جبهة" تنقل شكر المقاومة الفلسطينية للمغاربة وتدعو لمواصلة الإسناد ومناهضة التطبيع    اتخاذ إجراءات صارمة لكشف ملابسات جنحة قطع غير قانوني ل 36 شجرة صنوبر حلبي بإقليم الجديدة    رغم محاولات الإنقاذ المستمرة.. مصير 3 بحّارة مفقودين قرب الداخلة يظل مجهولًا    رسميا.. مسرح محمد الخامس يحتضن قرعة الكان 2025    دولة بنما تقدم شكوى للأمم المتحدة بشأن تهديدات ترامب لها    توقيع اتفاقية مغربية-يابانية لتطوير قرية الصيادين بالصويرية القديمة    القضاء يبرء طلبة كلية الطب من التهم المنسوبة اليهم    منتخب "U17" يواجه غينيا بيساو وديا    هلال يدين تواطؤ الانفصال والإرهاب    القضاء الفرنسي يصدر مذكرة توقيف بحق بشار الأسد    الشيخات داخل قبة البرلمان    غموض يكتنف عيد الأضحى وسط تحركات لاستيراد المواشي    المحكمة الدستورية تجرد بودريقة من مقعده البرلماني    اعتقال المؤثرين .. الأزمة بين فرنسا والجزائر تتأجج من جديد    بنعلي: المغرب يرفع نسبة الطاقات المتجددة إلى 45.3% من إجمالي إنتاج الكهرباء    طلبة المعهد الوطني للإحصاء يفضحون ضعف إجراءات السلامة بالإقامة الداخلية    الغموض يلف العثور على جثة رضيعة بتاهلة    وهبي يعرض مشروع قانون المسطرة الجنائية الجديد    أيوب الحومي يعود بقوة ويغني للصحراء في مهرجان الطفل    120 وفاة و25 ألف إصابة.. مسؤول: الحصبة في المغرب أصبحت وباء    الإفراط في تناول اللحوم الحمراء يزيد من مخاطر تدهور الوظائف العقلية ب16 في المائة    سناء عكرود تشوّق جمهورها بطرح فيديو ترويجي لفيلمها السينمائي الجديد "الوَصايا"    حضور جماهيري مميز وتكريم عدد من الرياضيين ببطولة الناظور للملاكمة    محكمة الحسيمة تدين متهماً بالتشهير بالسجن والغرامة    "أزياء عنصرية" تحرج شركة رحلات بحرية في أستراليا    مجموع مشتركي نتفليكس يتخطى 300 مليون والمنصة ترفع أسعارها    الكويت تعلن عن اكتشاف نفطي كبير    دراسة: أمراض اللثة تزيد مخاطر الإصابة بالزهايمر    الجفاف وسط البرازيل يهدد برفع أسعار القهوة عبر العالم    أبطال أوروبا.. فوز درامي لبرشلونة وأتلتيكو يقلب الطاولة على ليفركوزن في مباراة عنيفة    Candlelight تُقدم حفلاتها الموسيقية الفريدة في طنجة لأول مرة    جماهير جمعية سلا تطالب بتدخل عاجل لإنقاذ النادي    رئيس جهة سوس يقود حملة انتخابية لمرشح لانتخابات "الباطرونا" خلال نشاط رسمي    عادل هالا    الصين تطلق خمسة أقمار صناعية جديدة    المدافع البرازيلي فيتور رايش ينتقل لمانشستر سيتي    الشاي.. كيف تجاوز كونه مشروبًا ليصبح رمزًا ثقافيًا عميقًا يعكس قيم الضيافة، والتواصل، والوحدة في المغرب    المغرب يواجه وضعية "غير عادية" لانتشار داء الحصبة "بوحمرون"    فضيل يصدر أغنيته الجديدة "فاتي" رفقة سكينة كلامور    افتتاح ملحقة للمعهد الوطني للفنون الجميلة بمدينة أكادير    وفاة الرايس الحسن بلمودن مايسترو "الرباب" الأمازيغي    علماء يكشفون الصلة بين أمراض اللثة وأعراض الزهايمر    المجلس العلمي المحلي لإقليم الناظور يواصل برامجه التكوينية للحجاج والمعتمرين    ثمود هوليود: أنطولوجيا النار والتطهير    الأمازيغية :اللغة الأم….«أسكاس امباركي»    ملفات ساخنة لعام 2025    أخذنا على حين ′′غزة′′!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مستقبل المغرب في السياسة: دروس الماضي والعبور نحو المستقبل (تفاعلا مع احتجاجات التلاميذ المغاربة)
نشر في العمق المغربي يوم 10 - 11 - 2018

لقد أعادت إلى الأذهان انتفاضة التلاميذ الحالية ضد قرار حكومة سعد الدين العثماني، القاضي بتثبيت الساعة الإضافية، الأجواء التي اندلعت فيها أحداث مارس من سنة 1965 والتي قادتها الحركة التلاميذية على خلفية إصدار يوسف بلعباس وزير التعليم آنذاك مذكرة يمنع بمقتضاها كل البالغين 17 سنة من الالتحاق بالسلك الثاني من الثانوي، مع استحضار الجو السياسي والاجتماعي الموسوم بالتوتر، حيث شكلت الأحداث لحظة تصادم حاد بين الدولة والمجتمع.
لقد شكل قرار غير محسوب لوزارة التربية الوطنية خميرة انتفاضة عارمة قادتها الشبيبة المتعلمة، تراكبت أسبابها المباشرة مع شروط اقتصادية واجتماعية عسيرة خاصة وأنه قبيل الأحداث بحوالي شهر تقريبا تم تسريح جماعي للعمال في قطاعات عدة من الصناعة والتجارة، انضاف إلى ذلك السياق السياسي وملابساته والتي تمثلت في تنامي موجة القمع ضد أحزاب المعارضة، وخلق حزب إداري جديد تحت اسم جبهة الدفاع عن المؤسسات الدستورية، بالإضافة إلى عجز الحكومة عن حلحلة الإشكالات التي تهم المواطنين كالتعليم والصحة والسكن وغيرها من القطاعات الحيوية. بالإضافة إلى ظاهرة الانفجار الحضري الذي عرفه المغرب نتيجة التمدن السريع كما هو حال مدينة الدار البيضاء في تلك الفترة والتي مثلت مسرح الأحداث الأولى قبل أن تنتقل عدوى الانتفاضة إلى باقي المدن.
ومن الجدير بالذكر في هذا السياق أن الحراك الاجتماعي الذي كان يتم استثماره في صراع سياسي وإيديولوجي مفتوح لصالح قوى المعارضة بشكل من الأشكال، ساهم في إحداث قطيعة في عموم الخطاب الوطني على مستويين اثنين: تمثل المستوى الأول في تحول الحراك الاجتماعي من معركة بالوكالة إلى معركة خاصة قادتها الشبيبة المتعلمة، حيث شكلت انتفاضة 23 مارس 1965 عتبة رئيسية لانتقال مركز الثقل في معادلة الصراع السياسي مع النظام من المؤسسات الحزبية والنقابية إلى حركة الشارع العفوية، وما مثله ذلك من سحب المشروعية عن عموم الطبقة السياسية، كما كشف عن طبيعة الأعطاب القاتلة التي تعتور بنية الحياة السياسية في المغرب سواء فيما يخص المؤسسات الحزبية والنقابية، أو فيما يخص السلطة التي حاولت استدراك مجالات ضعفها، إلا أن ذلك كان لصالح مزيد من الهيمنة وبسط سلطتها من خلال إعادة بناء استراتيجيتها من جديد في التعامل مع المسألة الحضرية بالمغرب.
أما المستوى الثاني من القطيعة هو أن الأحداث كانت بمثابة الرحم التي تخلق فيها خطاب سياسي جديد تجاوز الممارسة السياسيةالقائمة على المناشدة والتحذير والقبول بالأمر الواقع إلى خطاب سياسي ثوري يقوم على مقابلة الإصلاح بالثورة وهو ما تأكد فعليا مع ميلاد “منظمة 23 مارس” بصفة خاصة والحركة الماركسية المغربية بصفة عامة.
كما لا يخفى على أحد حجم التراجعات في المراحل التي لحقت هذه الأحداث بفعل إخفاق النظام السياسي على إيجاد جواب سياسي للأزمة، وتغول السلطوية والاستفراد بالحكم خاصة مع عناد الجالس على العرش الذي أعلن حالة الاستثناء وحل البرلمان في نفس السنة، ولا غرابة بعد ذلك أن يشهد المغرب محاولتين انقلابيتين قادهما العسكر، وماذا بعد السياسة غير العسكرة ؟!
إن تشابه السياقات في عمومها بين الماضي والحاضر، بعيدا عن الإسقاطات المخلة، يدعونا إلى تأمل كثير من خلاصات الأحداث السابقة واستثمارها في تجاوز أزمتنا الراهنة التي تعيش حالتها القصوى. فعلى المستوى السياسي نشهد اليوم حالة من المواجهة المفتوحة بين الدولة والمجتمع على عدد من الأصعدة في غياب تام لكافة أشكال الوساطة السياسية بفعل التدمير الذي طال بنية النسق الحزبي في المغرب طيلة عقود. وعلى المستوى الاجتماعي يظل الحقل الاجتماعي حافلا بالأزمات في صيغتها الخام في ظل عجز مزمن عن تحويلها سياسيا إلى مادة قابلة للمعالجة، ومن تم إمكان الانطلاق منها باعتبارها أرضية لعرض سياسي جديد سواء من قبل النظام السياسي أو من قبل النخبة السياسية المغربية.
في غياب كل هذا ترشح عدد من المؤشرات تطور حراك المجتمع إلى مستويات أكثر راديكالية (ستبدو أمامها راديكالية التنظيمات والأحزاب متواضعة) سواء على مستوى الخطاب (يمكن مثلا تأمل حجم وطريقة النقد للدولة ورموزها ومؤسساتها في التداول اليومي للشباب على منصات التواصل الاجتماعي…) أو على مستوى الممارسة (مثال: الهجرة غير الشرعية، طلبات اللجوء للجزائر أو إسبانيا في بعض المدن الحدودية أو مدن المعابر أو حرق البطائق الوطنية للتعريف…)، وهو تطور يزيد من تعميق الفجوة بين المجتمع والدولة، ويؤسس في نفس الوقت لحالة من الانفصال الرمزي والمعنوي نتيجة انهيار منسوب الثقة في المؤسسات السياسية والاجتماعية.
إن غياب العمق الاستراتيجي في الدور الجوابي للدولة أمام أسئلة المجتمع وتحولاته وأزماته، يرهن زمن الإصلاح المغربي بأجوبة خارج حقل السياسة وكأن أزمة المغرب أزمة تدبير وحكامة بعيدة كل البعد عن سؤال الإرادة السياسية وأسلوب الحكم. ولعل هذا الإصرار العنيد على تهريب الجواب عن الأزمة الراهنة خارج “الآلية السياسية” والمنهجية الديمقراطية مع العودة الأكيدة والقوية للملكية التنفيذية في السياق الحالي، يجعل المؤسسة الملكية، مع ما تمثله من ضمانات للاستقرار السياسي من خلال دورها التحكيمي، أمام مأزق خطير على اعتبار أن من توابع مباشرة الحكم والتنفيذ ربط المسؤولية بالمحاسبة.
وهنا أختم بجواب عبد الرحيم بوعبيد مرتين للحسن الثاني، مرة حينما قال له الحسن الثاني وهو لا يزال وليا للعهد “أنا أيضا اشتراكي” فأجابه عبد الرحيم بوعبيد “يمكنك أن تكون اشتراكيا كإنسان أو مواطن، لكن لا يمكنك أن تكون اشتراكيا كولي للعهد”.
أما المرة الثانية فحينما سأله الحسن الثاني عن سبب رفع المتظاهرين خلال أحداث مارس 1965 شعار “يسقط الحسن الثاني” عوض يسقط يوسف بلعباس باعتباره الوزير المسؤول عن التعليم في تلك الفترة، فكان جواب الرجل “ربما يا جلالة الملك لأنهم يعرفون أن الحكومة ليس بيدها شيء”.
لقد كانت أجوبة سي عبد الرحيم بوعبيد تنم عن تصور عميق وأصيل للدور الذي ينبغي أن تلعبه الملكية في المغرب، وقد زاد من أصالة أجوبة الرجل قدرته على الإفصاح بها بكل جرأة وفي الوقت المطلوب.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.