كم من مرة تكلمت عن هذه المدينة المقهورة على مر التاريخ، ومع كل مرة أزداد يقينا أن من يسيرها لا إرادة لهم في تغيير واقع هذه المدينة الغنية بثروتها و مواردها البشرية، لا أكشف سرا إن قلت أن مدينة اليوسفية مدينة الأزبال بامتياز، فمن يتجول في أزقتها وشوارعها يجد القمامة في كل مكان، وروث البغال والحمير يزين أزقة المدينة المتسخة و المهترئة،أجزم لكم أن كل طرقها تحكي عن قساوة الإنسان و الحيوان قبل الزمان، بين كل حفرة حفرتان، والعجيب بعض أشباه الشوارع، و تعد رئسية بالنسبة للساكنة .. وجب أن نسميها شوارع الموت، في كل حفرة عمق إن سقط فيه عجور أو طفل صغير تأذيا، قنوات الصرف الصحي غير مغطاة، وتنبعث منها الروائح الكريهة، وتشكل خطرا على صحة و سلامة الناس، ومن أراد أن يتحقق من الأمر فليذهب للشارع الذي يفصل حي لغدير وحي السعادة. ومن بين ما يشوه جمالية هذه المدينة أيضا تواجد الورشات الصناعية وسط الساكنة، وكنموذج على ذلك حي السعادة فإن مررت من الشارع الذي ذكرت فستجد الحداد، و النجار، و الميكانيكي، وبائع الخشب، و أكثر من خمسة بائعي مواد البناء. ويزين هذا الشارع حاوية أزبال تعود إلى ما قبل التاريخ، ولها حجم الشاحنة ويلزمك السلّم لكي ترمي الأزبال وسطها، لهذا تنبعث منها الروائح الكريهة التي تؤذي أنفك من مسافات بعيدة، والأخطر من ذلك أنها أصبحت في الآونة الأخيرة مقبرة للأطفال المتخلى عنهم، وزد على ذلك سيارات في الطريق تعود إلى أيام الإستعمار، أمام هذه الصورة التقريبية لهذا النموذج السيئ، أخبركم أن المقاطعة بجانبه، فهل الذي يعنيه الأمر يشاهد بنظارت تظهر القبيح جميلا و الجميل قبيحا؟ فإن مررت بأي طريق من طرق المدينة يعتصرك الألم و المعاناة، فالأزبال منتشرة في كل مكان. إن للأزبال ثقافة خاصة لدى الدول المتقدمة ليس بالمفهوم الذي يوجد في دول العالم الثالث، فمكان الأزبال يكون منظما و نظيفا، وتفصل الأزبال على حسب نوعيتها و مدى الاستفادة منها، وليس كما يلاحظ عندنا كل شيئ يرمى دون فصل في (البركاصة). نضيف إلى ذلك أن من يشتغل في هذا المجال لا يقال له (مول الزبل )كما يتداول عندنا، ففي الدول التي تحترم العمل و الإنسان يسمى مهندس النطافة. هذا الأخير بمدينة اليوسفية لا يتمتع بأبسط حقوقة المشروعة، فكيف يمكن له إذا أن يؤدي عمله و هو لا يتقاضى أجره القليل في وقته؟؟؟ كم من مرة أضرب هذا القطاع عن العمل بالمدينة من أجل حقوقهم، ولا من يجيب ! وحتى لا نتهم المسؤولين دائما، هل المواطن اليوسفي يساعد في الحفاظ على نظافة المدينة؟ مابال أقوام يرمون نفاياتهم في الطرقات، وهل اعتنت جمعيات المجتمع المدني بالمدينة بهذا العامل؟ كم من مرة نسمع تكريم فلان هنا و هناك، و لم نسمع في يوم من الأيام تكريم مهندس النطافة! ما يسمع يوميا هو لوم هذا الشريف ، عندما يثار نقاش عن النظافة توجه أصابع الاتهام إلى (مول الزبل). ديننا تكلم عن كل شيئ حتى دخول الخلاء، وعلمنا أن مبدأ النظافة من أهم ما يميز المسلم عن غيره، حيث يتوضأ في اليوم أكثر من ثلاث مرات، ويغتسل كل جمعة، كما يحرص على نظافة مظهره الخارجي، وجاء في الأثر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: النظافة من الإيمان. فمتى تحقق فينا مبدأ النظافة تكون عقولنا وبيئتنا نظيفة، فلا تقدم و رقي إلاّ بالنظافة، وما تعاني منه المدينة من العشوائية و انتشار ظاهرة الأزبال مسؤليتنا جميعا، فلنتعاون من أجل أن تكون مدينتنا داخل حديقة، وليس حديقة داخل مدينة.