حسب التقرير السنوي لمنظمة مراسلون بلا حدود حول الانتهاكات المرتكبة ضد الصحفيين، فقد أشارت الحصيلة السنوية إلى مقتل ما لا يقل عن 65 قتيلا خلال عام 2017، إما أثناء ممارسة عملهم (حيث سقطوا جراء عمليات قصف أو تفجير على سبيل المثال، و إما تم اغتيالهم بسبب تحقيقاتهم المزعجة، علما أن المستهدفين عمدا يشكلون أكبر نسبة من حصيلة القتلى. و الملاحظ أيضا حسب معطيات هذا التقرير، أن هناك مؤشرات جد مقلقة بخصوص سلامة الصحفيين في بعض الدول التي تعيش حالة سلم تكاد تضاهي مستوى الخطورة في البلدان التي تعاني من وطأة الحرب. ذلك أن 46% من الصحفيين القتلى سقطوا في دول حيث لا توجد نزاعات معلنة، مقابل 30% في 2016. و لقد أشار كريستوف ديلوار، الأمين العام لمنظمة مراسلون بلا حدود، “إن الصحفيين الاستقصائيين الذين يحققون في القضايا الكبرى مثل الفساد أو الفضائح البيئية يلعبون دورا أساسيا في المحاسبة و المراقبة، حيث أصبحوا مستهدفين من قبل أولئك الذين ينزعجون من تحقيقاتهم”. و على مدار عشرات السنوات السالفة، صدرت قوانين دولية عديدة لحماية الصحفيين و تمكينهم من الدفاع عن حقوقهم في زمن السلم و حالات الحرب و النزاعات العسكرية. بشأن زمن السلم: – الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، “المادة 19”. – العهد الأممي للحقوق المدنية و السياسية، التي أقرتها الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1996. – إعلان اليونسكو حول إسهام وسائل الإعلام في دعم السلام العالمي و التفاهم الدولي و تعزيز حقوق الإنسان و مكافحة العصرية و التحريض على الحرب للعام 1978. – إعلان جوهانسبرغ 2002 للأمن القومي و حرية الوصول للمعلومات. – التقرير الخاص للأمم المتحدة حول حرية الرأي و التعبير 1993. – الميثاق العربي لحقوق الإنسان 2004. – المحكمة الأوربية لحقوق الإنسان 2010. أما بشأن زمن الحرب: – القانون الدولي الإنساني، “المادة 79” من البروتوكول الإضافي الملحق باتفاقية جنيف 1949. – دراسة للجنة الدولية للصليب الأحمر عن القواعد العرفية للقانون الدولي الإنساني 2005. – القرار 1738 لمجلس الأمن الدولي. و منذ عام 2012، ركزت الأممالمتحدة بشكل خاص على مسألة سلامة الصحفيين، حيث أطلقت خطة عمل الأممالمتحدة بشأن سلامة الصحفيين و مسألة الإفلات من العقاب. فقد أصدرت الجمعية العامة أربع قرارت، و ثلاث قرارات من قبل لجنة حقوق الإنسان، و واحد من قبل مجلس الأمن، و واحد من قبل اليونسكو. و قد أكد قرار لجنة حقوق الإنسان 13/32 أن “نقس الحقوق التي يتمتع بها الناس حاليا يجب أيضا أن تكون محمية على الإنترنت، و لا سيما حرية التعبير”. كما صرح السيد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس، بتاريخ 2 تشرين الثاني 2017، و هو الذي صدر فيه قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 163/68 ليكون اليوم العالمي لإنهاء الإفلات من العقاب في الجرائم المرتكبة ضد الصحفيين: “عندما يستهدف الصحفيون، تدفع المجتمعات ككل الثمن أيضا. إن هذا النوع من الأخبار التي يتم إسكاتها (الفساد و تضارب المصالح و الاتجار الغير المشروع)، هو بالضبط نوع المعلومات التي يحتاج الجمهور إلى معرفتها”. لكن، و رغم كل هذه الجهود الأممية، المنبثقة عن الأممالمتحدة و المنظمات الدولية المعنية بالأمر، و كذا الترسانة القانونية الدولية المستهدفة لحماية الصحفيين. من الواضح أنها قاصرة عن الوصول إلى الهدف المنشود، رغم تسجيل تحسن ضئيل نوعا ما بشأن الانتهاكات و الجرائم المرتكبة ضد الصحفيين، و السؤال الذي يستوجب وضع إجابة آنية و عاجلة له، أين الخلل؟ ما الأسباب التي تجعل من كل هذه الجهود و القوانين الدولية قاصرة أو ذات فعالية محدودة جدا؟ ما هي الحلول الممكنة للحد من ظاهرة استهداف الصحفيين؟ إن أحد أهم العوامل المتسببة في قصور هذه القوانين والجهود الدولية، هي معضلة “الإفلات من العقاب”. و معلوم أن العدالة أساس الحكم، و غيابها يؤدي إلى خراب الدول و المجتمعات. إن الإفلات من العقاب يؤدي إلى مزيد من جرائم القتل كما أنه دليل على تفاقم الصراع و على تداعي القانون و الأنظمة القضائية. و لقد أبدت اليونسكو خشيتها من أن يؤدي الإفلات من العقاب إلى زعزعة مجتمعات بكاملها من جراء إخفاء انتهاكات و جرائم. و لقد أعلنت الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم 2 نوفمبر، يوما عالميا لإنهاء الإفلات من العقاب على الجرائم المرتكبة ضد الصحفيين في قرارها 163/68 و حث القرار الدول الأعضاء على تنفيذ تدابير محددة لمواجهة ثقافة الإفلات من العقاب الحالية و قد اختير التاريخ احتفالا باغتيال صحفيين فرنسيين في مالي في 2 نوفمبر 2013. و يدين هذا القرار التاريخي جميع الهجمات و العنف ضد الصحفيين و العاملين في وسائط الإعلام، و تحث أيضا الدول الأعضاء على بذل قصارى جهدها لمنع العنف ضد الصحفيين و العاملين في مجال الإعلام، و تقديم مرتكبي الجرائم إلى العدالة، و ضمان حصول الضحايا سبل الانتصاف المناسبة. و تطلب كذلك الى الدول أن تعمل على تهيئة بيئة آمنة و تمكينه للصحفيين لأداء عملهم بصورة مستقلة و دون تدخل لا داعي له. الأكيد أن جهود جبارة بذلت من طرف مؤسسات الأممالمتحدة بصفتها راعية الأمن و السلم العالمي، لكن الحقيقة الثابتة تقول أن الدولة هي المسؤولة أولا عن حماية حقوق الإنسان في أوضاع النزاعات المسلحة الدولية و غير الدولية و الاضطرابات الداخلية، و في أوضاع السلم أيضا، و تتحمل أفعال من يقومون بتمثيلها من الموظفين الرسميين، و الأجهزة الرسمية، و حتى الجماعات المسلحة الخارجة عن سيطرتها ما دامت تلك الأفعال ترتكب على أراضيها. إن تطبيق القانون الدولي، يتطلب توفر إرادة سياسية فعالة من جميع الدول الأطراف في الأممالمتحدة التي تقوم بالمشاركة في مناقشة و إصدار القرارات، و تغض الطرف عن الالتزام بها و تنفيذها في الوقت نفسه. يلزم على الدول الأعضاء دمج التزاماتها الدولية بموجب مصادقتها على المعاهدات الدولية في التشريعات المحلية، و العمل على منع و تجريم الاعتداء على الصحفيين، و جلب المعتدين للعدالة، عن طريق إجراء تحقيقات جدية، و تحقيق الإنصاف للضحايا و لذويهم، و اعتماد عدم سقوط الإدانة بالتقادم، و منع إفلات الجناة من العقاب، و كذا تكثيف الجهود بالتعاون بين كل الأطراف و تعزيز مبدأ القضاء الدولي لإلقاء القبض على الجناة. و تجدر الإشارة، إلى أن أي إصلاح مرتقب لمنظومة الأممالمتحدة، يجب أن يأخذ بعين الاعتبار تطوير آليات لضمان تطبيق القانون الدولي المتعلق بسلامة الصحفيين و العاملين في الوسائط الإعلامية، من طرف الدول الأعضاء، و إلزامها بضرورة القطع مع “منطق الإفلات من العقاب”.