للبناء في العالم الحضري والقروي أهمية بالغة لما يوفره من اطار سليم ولائق لحياة كريمة ومستقرة لساكنة، ويساهم ايضا في ضبط حركية التوسع العمراني وصون المحيط الطبيعي والبيئي، والحفاظ على الانسجام والتوازن بالوسطين القروي والحضري على السواء، فالعمران البشري لابد له من سياسة ينتظم بها أمره على حد قول ابن خلدون، الامر الذي لم يتغاضى عنه المشرع المغربي حيث نظم فعلا قضايا التعمير في قانون خاص لهذا الغرض تحت عدد 12.90،هذا القانون يضم ما يقارب ثلاثة وتسعون مادة موزعة على خمسة أبواب، الباب الأول تناول فيه المشرع تعريفات أولية، والباب الثاني تناول فيه وثائق التعمير، والباب الثالث تناول فيه قضايا الابنية، الباب الرابع تناول فيه مقتضيات زجرية، أما الخامس والاخير تناول فيه أحكام متنوعة وتدابير انتقالية. وقراءتنا هذه لن تشمل في واقع الحال كل المواد التي تضمنتها هذا الابواب ، وإنما سنقتصرها فقط مضمون المادة 47 التي جاءت في الباب الثالث،والتي جاء فيها ما يلي : لا تسلم رخصة البناء إذا كانت الأرض المزمع اقامة المبنى عليها غير موصولة بشبكة الصرف الصحي أو شبكة توزيع الماء الصالح للشرب. بيد أنه يمكن تسليم الرخصة وإن لم يتوفر هذا إذا كانت طريقة الصرف الصحي والتزويد بالماء تتوفر فيها الضمانات التي تستلزم متطلبات النظافة والصحة وذلك بعد استطلاع رأي المصالح والمختصة في هذا الميدان.” هذه المادة جاءت بفقرتين الفقرة الأولى تحدث فيها المشرع عن الأصل والفقرة الثانية تحدث فيها الاستثناء، فالأصل هو منح رخصة البناء لطالبها إذا كانت الارض التي سيقام عليه البناء مزودة بشبكة الصرف الصحي، فالمنح هنا مشروط بضرورة التزود بشبكة الصرف الصحة، لأن المشرع استعمل حرف – لا – وهو يفيد الالزام. أما الاستثناء الذي جاءت به الفقرة الثانية من هذه المادة هو منح رخصة البناء لطالبها ولو لم يتحقق شرط التزود بشبكة الصرف الصحي، فقط يجب أن تكون طريقة الصرف الصحي والتزويد بالماء تتوفر فيهما الضمانات التي تستلزم متطلبات النظافة والصحة لكي تمنح رخصة البناء لطالبها. والسؤالين الذينيتبادران إلى ذهن قارئ هاتين الفقرتين هما على الشكل التالي : هل هناك شبكة صرف صحي أخرى تراعي متطلبات الصحة والنظافة غير تلك التي تزود بها الدولة أحياء المدن ودواوير القرى والبوادي؟ ماذا عن القرى والبوادي التي لا توجد فيها شبكة الصرف الصحي ولا طريقة من طرق الصرف الصحي ويريد سكانها مزاولة اشغال البناء فيها؟ الجواب بكل سهولة على السؤال الأول يكون بالنفي، طبعا لا ليس هناك شبكة صرف صحي تراعي متطلبات النظافة والصحة غير تلك الشبكة المعهودة التي تزود بها الدولة احياء ودواوير المدن والقرى، اللهم إن كان المشرع يلمح في هذا الاستثناء الذي اشار إليه إلى الحفر والفجوات التي يقيمها السكان بمحاذاة منازلهم في بعض القرى والبوادي التي لم تزود بعد بشبكة الصرف الصحي، ففي نظري هذا النوع من الصرف غير صحي، ولا يستجيب لأذني معايير الصحة والنظافة، لأن هذا البديل المؤقت الذي يجتهد السكان في ايجاده تختلط فيه الفرشة المائيةمع فرشة الصرف غير صحي، وهو ما قد يشكل خطورة صحية على المواطنين . فإن كانت ارادة المشرع حقيقة تصب في هذا الاتجاه وأظنه كذلك لأنه اكتفى فقط بذكر عبارة ( طريقة الصرف الصحي)في معرضه حديثه عن امكانية منح رخصة البناء كاستثناء بدل ذكر لفظ الشبكة، لأن شبكة الصرف الصحي كما هو معلوم تدخل في تشكيلها عدة معايير تقنية ولوجستية معقدة، والدولة غالبا من يتولى أمرها، بخلاق الطريقة التي يمكن أن تكون بما هو متاح لدى الشخص صاحب الأرض كالفجوات والحفر التي قلنا انها لا تستجيب تماما لمعايير الصحة والنظافة. فالارتباك الذي وقع فيه المشرع في هذه المادة ناجم عن ازدواجية البنية الجغرافية للدولة، وهذه البنية تنقسم الى مجال جغرافي حضري مزود بشبكة الصرف الصحي وشبكة توزيع الماء بالطرق المعروف وطنيا ودوليا، ومجال جغرافي قروي ينقسم بدوره أيضا إلى مجال جغرافي قروي مزود بطريقة من طرق الصرف الصحي التي تحدثنا أعلاه ( الفجوات والحفر)، وعالم جغرافي قروي منفصل تماما عن الحياة وعن المرافق العمومية كيفما كان نوعها وطبيعتها . إذن كيف سيوفق المشرع بين هذين العالمين المختلفين في مادة واحدة يلزم فيها واجب رخصة البناء وفقط؟ من الطبيعي اذن أن تأتي المادة معيبة على الشكل الذي ذكرناه. واجب الرخصة في حقيقة الأمر هو مساهمة المواطنين في التكاليف العمومية، لكن لا يجب أن ننسى أن تزويد البوادي والقرى بالمرافق الصحية والمائية هي من صميم العقد الاجتماعي الذي بموجبه تنازل الأفراد عن حقهم في العقاب لصالح الدولة تفاديا للفوضى. أما جواب السؤال الثاني يكون بالإيجاب، أي بإمكان سكان هؤلاء القرى والبوادي مزاولة اشغال البناء في اراضيهم ولو لم تزود بشبكة الصرف الصحي، الإفلات من حر الشمسوالبرد فوق كل اعتبار، والدولة لا يجب أن تمنع عنهم رخص البناء بأسباب خارجة عن ارادتهم، بل يجب أن تشجعهم على البناء في قراهم تفاديا للأفة الهجرة من القرى إلى البوادي، كما يجب أن تمنح لهم مساعدات مادية ومعنويه للتسهيل أشغال البناء هناك، لأن واجب تزويد القرى والبوادي بشبكة الصرف الصحي على وجه الخصوص يقع على عاتق الدولة والمجالس الجماعية والجهوية، ولا يقع على عاتق المواطنين تكريسا لروح الفصل 31 من الدستور الذي جاء فيه : تعمل الدولة والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية، على تعبئة كل الوسائل المتاحة، لتيسير أسباب استفادة المواطنات والمواطنين، على قدم المساواة، من الحق في: – العلاج والعناية الصحية. – الحماية الاجتماعية والتغطية الصحية، والتضامن التعاضدي أو المنظم من لدن الدولة. – الحصول على تعليم عصري ميسر الولوج وذي جودة. – التنشئة على التشبث بالهوية المغربية، والثوابت الوطنية الراسخة. – التكوين المهني والاستفادة من التربية البدنية والفنية. – السكن اللائق. – الشغل والدعم من طرف السلطات العمومية في البحث عن منصب شغل، أو في التشغيل الذاتي. – ولوج الوظائف العمومية حسب الاستحقاق. – الحصول على الماء والعيش في بيئة سليمة. – التنمية المستدامة.