إن تركيب هذا المقال لا يهدف إلى إعادة تشخيص وضع كارثي مُخْجِل ، و إنما هدف المقال المطالبة بصرف شيك دستوري من حق الشباب المغربي. فعندما سطرَّت أحكام الدستور المغربي ضمن تصديره ، تكريس إختيار المملكة المغربية الذي لا رجعة فيه، لإرساء دعائم مجتمع متضامن، يتمتع فيه الجميع بالأمن و الحرية و الكرامة و المساواة، و تكافؤ الفرص والعدالة الاجتماعية، و مقومات العيش الكريم في نطاق التلازم بين حقوق وواجبات المواطنة . فهي بذلك سَطرَّت صكَّ تعهد يضمن الحماية الدستورية لكل مغربي و مغربية ، و كان هذا الصك بمثابة تعهد لفائدة الشباب بأن يضمن حقه الثابت في الحياة و الحرية و الكرامة. و اليوم يبدو جليا أن الدولة المغربية تتخلف عن الوفاء بعهودها الدستورية فيما يتعلق بمواطناتها و مواطنيها المُسْتَضْعَفِين ، فعوض أن تلتزم الدولة المغربية بهذا التعاقد الأسمى يبدو أنها أعطت لبنات و أبناء الشعب شيكًا مُسَطَّرًا دون مؤونة ، و هذا ما تؤكده فاجعة التصريح الصادم لوزير الإقتصاد و المالية محمد بنشعبون الذي أعلن فيه ” أنه إذا كانت الدولة مُلزَمَة بتَحمل مسؤولياتها في الحفاظ على التماسك الإجتماعي وتلبية الإحتياجات المشروعة للمواطنين فإنها أضحت غير قادرة على الإستمرار بمفردها في مكافحة الفقر والحد من الفوارق من خلال اللجوء إلى الموارد المالية لميزانية الدولة فقط” . و نحن – كشباب حداثي شعبي- نرفض أن نصدق بأن هناك نقصًا في رصيد خزائن الفرص الثمينة لهذه الأمة . لذا فمن الواجب علينا ، بل من حقنا ، مطالبة الدولة المغربية بتطبيق أحكام الفصل 40 من الدستور الذي يفرض على الجميع أن يتحمل، بصفة تضامنية، وبشكل يتناسب مع الوسائل التي يتوفرون عليها، التكاليف التي تتطلبها تنمية البلاد. لإنه بعد مرور أزيد من 7 سنوات لازال بنات وأبناء الشعب مُقَيَّدِين بأصفاد و سلاسل التمييز و الإقصاء و التهميش و اللامساواة و عدم تكافؤ الفرص.. بعد مرور أزيد من 7 سنوات نعيش، نحن بنات و أبناء الشعب، على جزيرة معزولة من البطالة و العيش غير الكريم وسط محيط واسع من الازدهار المادي الذي تستفيد من خيراته أوليغارشية مُسْتَكْبِرَة . بعد مرور أزيد من 7 سنوات نجد الشباب المغربي لا زال محاصراً داخل زاوية ضيقة الأفق و محدودة الآمال ، غارقاً في محيط ظُلُمات المجتمع المغربي. مما دفع البعض منا لإتخاذ الهجرة – بمختلف أوصافها – سبيلا للبحث عن الحياة الكريمة و الإشعاع و العطاء و التألق بعيدا عن وطنهم الذي يضل حتما الخاسر الأكبر. من هنا ؛ نسترسل بتجديد التأكيد على أن الزمن السياسي لا يسمح بالصمت، و أن متاريس الجغرافيا السياسية تفضح البرنامج الحكومي التضليلي لأحزاب تَحْرُس الوهم و الفراغ ؛ بل .. تتغاضى عن أخطار الفشل الحكومي في إيجاد السبيل التنموي المغربي الجديد و إنقاذ الإقتصاد الوطني و تدبير أزمة البطالة التي تمتد على طول وعرض مناطق المملكة المغربية . و بالتالي فإن هذه الحكومة – التي يُخَاصِمُها الشعب المغربي – أصبحت تعرقل السير العادي للمؤسسات الدستورية الوطنية و تدفعها للإصطدام بالشباب المُسَالِم، و ذاك ما جعل هذه الحكومة الهجينة تشكل خطرًا حقيقيًا على أمن المغرب القومي ، خطرًا ينضاف إلى مخططات الإرهاب الإنفصالي ضد الوحدة الترابية للمملكة المغربية. لإنها حكومة دعاة الضلال و خدام الذومالية التي تدفع الشباب المغربي نحو الكفر السياسي بالأمل في التغيير الإيجابي و تُقَوِض تقثه في مؤسسات بلاده . فلا يمكن أن تستمر حكومة الأحزاب الفاشلة و جوقتها الإعلامية في تقديم المبررات المتكاثرة لاستمرار حالة انعدام الثقة من خلال تكاثر مظاهر التسيب و الأخطاء المتعمدة التي لا تساعد على بعث بوادر الأمل والتفاؤل في العملية التنموية عند الأجيال الصاعدة من الشعب المغربي، و التي تنسف – أيضا- مفهوم الإصلاح بما هو مشروع إلتزام جماعي بمبدأ تخليق الحياة السياسية العامة. إن الأحزاب السياسية المعنية بنتائج إنتخابات السابع من أكتوبر 2016 ، هذه الأحزاب – و مع انعدام روح الوفاق الوطني بينها – أصبحت عقبة سياسية أمام تشكيل فريق حكومة الإنقاذ الاقتصادي و الاجتماعي ، و ها نحن نتابع دهاقنة التحريض الحكومي الذين أصبحوا عاجزين عن المشاركة في تسيير أمور الدولة بعيدًا عن منطق المعادلة الصفرية . فالشباب المغربي يختار المغامرة بحياته و يهاجر غاضباً من عقليات حزبية غير قادرة على تحمل مسؤولياتها السياسية ؛ عقليات حزبية لا تعلم عن الديمقراطية التمثيلية إلا غنيمة السلطة و إقتسام ” الكيك الإنتخابي” دون قدرة على الوفاء بعهود برامجها الزائفة. و هذا ما يجعل نتائج الشرعية الإنتخابية تتحول إلى مهزلة حكومية كانت أخطر نتائجها هذا الفشل الحكومي في تدبير ملفات التسوية الإجتماعية و التمادي في السياسات اللاشعبية و العجز الحكومي عن استكمال البناء الدستوري الجديد في شقيه الحقوقي و التنموي ، ثم أضحت هذه الكوارث التدبيرية مسببات واضحة لأزمة السير غير العادي لباقي المؤسسات الدستورية. و هي كذلك عناوين عميقة لأزمة سياسية ، إقتصادية و إجتماعية قد تأتي على الأخضر و اليابس ، لأن هذه الحكومة البئيسة أضحت فاقدة للمصداقية و غير قادرة على الإنجاز المُقْنِع نتيجة تعلق قراراتها بِواقع تَرَاكُبِ المصالح الطاغي داخل مكونات منظومة الأغلبية الحزبية المغربية. وبالتالي ، ها نحن نَتَحَيَّرُ أمام بلاغات المراوغة السياسوية الصادرة عن قيادات الأحزاب المغربية التي تتجاهل مآسي الشباب المغدور ، و التي تسعى إلى إظهار الشيء و ممارسة نقيضه ضمن صياغة لغوية تطول بتمطيط متعمد يهدف -فقط- إلى تضليل الرأي العام عن مكامن الخلل القاتل و محاولة تخفيف الضغط الشعبي على الأغلبية الحكومية المُتَمَسِّكَة بثقافة سياسية يصعب فطامها عن غنائم الريع و الإمتيازات مع التهرب من المسؤولية و الخروج على الدستور و القانون. إنها – كما أشرنا إليه مرارا – أحزاب الحكومة الفاشلة التي تَتَبَجَّحُ بحصولها على ” الشرعية الإنتخابية “، ثم تتهرب جميعها من المسؤولية السياسية و تُوهِمُ الرأي العام أن تنفيذ البرنامج الحكومي لم يعد من إختصاصها ، بل إنها تشترك مع الشعب في مظلومية خطاب البحث عن جواب لسؤال مُحَيِّر : من يقود الحكومة المغربية ؟! و ما هو دور الوزراء و الوزراء المنتدبين وكاتبات و كتاب الدولة في الإشراف السياسي على ممارسة السلطة و تدبير الشأن العام ؟! .