تعود علاقتي بمبحث “الحجاج داخل اللغة” إلى أواسط التسعينات من القرن المنصرم، وقد أنجزت فيه بحثا نلت به دبلوم الدراسات العليا المعمقة سنة 1999، وكان عنوانه “الحجاج بين اللسانيات والمنطق الطبيعي”، ونشرت جزءا من هذا البحث مقالا في عدد من مجلة عالم الفكر سنة 2005، ونشرته كتابا (موسعا ومُجَوَّدا) بعنوان “المظاهر اللغوية للحجاج” في طبعة أولى سنة 2013، وفي طبعة أخرى ضمن منشورات المركز الثقافي العربي ومؤسسة مؤمنون بلا حدود سنة 2014. وقد عاهدت القارئ في ذاك الكتاب أن أحرص على عرض تصورات المدرسة الفرنسية في “الحجاجيات اللسانية” كما تطالعنا في كُتب أربابها، وأن ألتزم “بالنصوص الأصلية لهذا التوجه، وبأعمال رائديه أوزوالد ديكرو Oswald Ducrot وجون كلود أنسكومبر Jean-Claude Anscombre”، وأنني لن أخرق “هذه القاعدة إلا لماما، لأستفيد من بعض الأعمال التي حظي أصحابها بتزكية من الرواد أنفسهم، وخصوصا الكتاب القيم لمويشلير Jacques Moeschler “الحجاج والتخاطب” الذي تضمن تلخيصا بديعا لمسائل هذه النظرية… وكذلك أعمال الباحثِين الجدد ضمن هذه المدرسة الذين ساهموا منفردين أو بالاشتراك مع ديكرو في رسم أفق جديد لهذا التوجه، من بينهم ماريون كاريل Marion Carel وبيير إيف ركاه Pierre-Yves Raccah وسيلفي بروكسيل Sylvie Bruxelles… إضافة إلى اجتهادات المدرسة الأصواتية الإسكندنافية التي رصدت أبحاثها لتطوير النظرية الأصواتية الحجاجية لديكرو…”. وقد ساعدني على ذلك ما مَنَّ به الله علي من دربة في افتكاك المعنى من عبارات الللغتين الفرنسية والإنكليزية، فقد فَتَحْت عيني على نصوص هذه المدرسة في لغتها الأصلية بوجه أغناني عن الرجوع إلى وسائط لغوية أخرى.. لقد كان التزامي هذا المسلك المقيَّد في عرض مباحث نظرية “الحجاج داخل اللغة” مرهقا أشد الإرهاق، إذ أخذ مني جهدا جهيدا أحتسب أجره عند الله، فالناظر في الكتاب يجد فيه حرصا على ضبط النقول، وتحقيق المسائل، والإحالة على مواردها بنحو يجاوز المتعارف في هذا الباب، وكان قصدي من وراء ذلك أن يسترشد الباحثون بهذه التوجيهات، ويتابعوا السير في التلقي العربي الأصيل لأعمال هذه المدرسة العلمية من مصادرها الأصلية.. وقد نبهني أحد الفضلاء من أساتذتي الكرام العارفين بأحوال البحث العلمي في جامعاتنا إلى أن هذا المسلك غير مأمون، لأنه يسهل الطريق على لصوص الكلمة، وقد كان مصيبا فيما ذهب إليه، إذ عانى هذا العمل من أذى القوارض (قوارض البحث العلمي) ما عانى، فما أكثر ما تطالعني نتف منه هنا وهناك لا يكلف “ناتفوها” أنفسهم أي عناء في الاعتراف لأهلها بالفضل الأول.. فكنت أقول معزيا نفسي كلما وقعت عيني على فقرات من أبحاثي منشورة باسم غيري.. هي صدقة جارية ينالنا من أجرها أكبر مما يسوؤنا.. غير أن “للصبر حدود” كما قيل، فأن تبلغ الإساءة حدها الأقصى والأقسى، وتدور دورتها المكتملة لينقلب الحال اتهاما لنا بالسرقة، فهذا منكر لا يَجمُل السكوت عليه، وأذى ليس من المروءة الغض عنه.. بل عين الحق أن يُتبع برد يكافئه قدّا بقدّ. ولا أخفي القارئ الكريم كم يشق على نفسي أن أنتصب مدافعا عن شخصي أو عمل من أعمالي، فأنا شديد النفور من لوثة الظهور، لا أحبذ الدعاية لأبحاثي حتى على صفحاتي في منابر التواصل الاجتماعي، مؤمن أشد الإيمان بأن العمل الذي لا يحمله قوامه لا يستحق أن يعلو مقامه، لكنني بالمقابل أحس بضرورة الذبِّ عن حياض هذا الجهد العلمي، فهو بضع مني لا أرضى أن يصل إليه شيء من السفه المسنود بالباطل والخواء، مع أنني حريص أشد الحرص على النقد النافع البناء. فقد أُخبرت أن شخصا من المنتسبين إلى الجامعة المغربية لا يفتأ شاكيا أنني لم أشر إليه في كتابي ذاك وأبحاثي الأخرى في الحجاج، بل بلغ الأمر به أن رماني بتهمة السطو على أعمال غيري… وجوابي أنني لا أعرف من رواد نظرية “الحجاج داخل اللغة” التي تجولت في دروبها أزيد من عشرين سنة من تنطبق عليه أوصاف هذا الشخص، فلا أجد نفسي مقصرا في هذه المسألة، ولا قيد أنملة.. غير أنني رجعت إلى نفسي وقلت: لربما كان في الجعجعة طحينا، وكان له سهم لا يجمل بنا أن نَبخَسه.. فحملت نفسي حملا على النظر في صفحات من كتاب له عنوانه “اللغة والحجاج”، فهاك ما وقفت عليه. إن أول ما يحسه المتصفح للكتاب أن صاحبه يعاني عجزا متعدد المظاهر، عجزا صار معه كتابه ذاك أحق بأن يعنون ب” اللغو في الحجاج” بدل “اللغة والحجاج”، فهو: 1 عاجز عن البيان بالعربية وفق أصولها التعبيرية السليمة، وهو ما يستشعره القارئ من المقاطع التي أنقلها مضطرا من كراسه، يخرج من قراءتها مثقل الرأس بهدير من الكلام الركيك، خاوي الوفاض من أي نافع مفيد، تلاحقه الشكوك في الفائدة العلمية لهذه المدرسة البديعة. وأسوق بين يدي القارئ نموذجين أنتقيهما اعتباطا لا تحكما: كيف لسليم السليقة اللغوية أن يقول: “ونشير بهذا الخصوص إلى أن فكرة القيمة القانونية- التي تقدم قولا ما باعتباره له سلطة معينة مرتبطة، بشكل وثيق جدا، بالفرضية التي ترى أن معنى القول هو وصف لقوليته ولذلك فإن العلاقات الشرعية القانونية (الحقوق والواجبات) محصورة في المجال الخطابي الذي يتموقع فيه المتكلم والمخاطب” (ص16). [والقولية عنده ترجمة ل énonciation، فتأمل]. وكيف لسليم السليقة اللغوية أن يقول: “… كل نشاط يقوم به شخص معين يمكن اعتباره فعلا أو عملا إذا كنا نحدده انطلاقا من التغييرات التي يحدثها أو يريد إحداثها في العالم، بما في ذلك التغييرات المتعلقة بالوضع الفيزيائي أو الاجتماعي للمتكلم، فنفس العمليات والحركات يمكن أن توصف بأنها نشاط خالص أو أن توصف بأنها فعل وعمل بحسب ما إذا كنا ننظر إليها في ذاتها، أو ننظر إليها باعتبارها تغيير (كذا) لعلاقة من يقوم بها مع العالم” (ص118). 2 عاجز عن وضع مسافة ضرورية بينه وبين النصوص التي ينقل منها، وعن صياغة المعنى باستقلال عن النص المنقول، وهو بسبب ذلك يلجأ إلى اختطاف النصوص ونسخها (أو قل مسخها) حرفا بحرف دون أن يلتزم أصول النقل وأعرافه، من تمهيد يشير إلى سياق الاقتباس، ومن حصر للكلام المنقول بأداة من أدوات الاقتباس (علامات التنصيص)، ليوهم القارئ أن ذلك من فهمه وصوغه، وهذا مثال واحد شاهد على دأب هو فيه مقيم. 3 عاجز عن المسايرة الهادئة لخط البحث في امتداداته الطويلة “المتعبة” وتفريعاته الدقيقة المتشعبة، كسول عن الوفاء بما يقتضيه التأليف من صبر وأناة، فكيف يستقيم في الحس السليم أن تُطوى أعمال مدرسة عريضة بأبحاثها البديعة الرفيعة، في صفحات معدودات من القطع الصغير، لا صلة لها بأصول هذه المدرسة التي كَلَّفَنَا المدخل إلى أساسياتها كتابا من 272 صفحة من القطع الكبير وعملا دؤوبا جاوز ال 15 سنة.. فهو على ما يبدو يَلُمُّ الشعث ويمضي مهرولا إلى المطبعة، لا يقيم وزنا للأمانة العلمية وللمسؤولية الأخلاقية تجاه القارئ، وخصوصا من الطلبة المبتدئين. والعجيب أن يدعو هذا الشخص جمهرة الباحثين للولوج إلى رحاب هذه المدرسة من بوابة هذه الكراسة، وهو عين التعمية والإضلال. فانظر إليه في كراسه المذكور الذي طبعه سنة 2006 مقررا: “وهي تحاول يقصد نظرية الحجاج داخل اللغة أن تبين أن اللغة تحمل، بصفة ذاتية وجوهرية، وظيفة حجاجية، أي أن هذه الوظيفة مؤشر لها في بنية الأقوال نفسها، وفي المعنى وكل الظواهر الصوتية والصرفية والمعجمية والتركيبية والدلالية”.. بينما يؤكد ديكرو سنة 1993 (أي قبل صدور كراس صاحبنا بزمان طويل): “إن الذي تبين بالفعل بحسب ما يظهر لي هو أن الحجاج بواسطة الكلمات إنما هو محال من المحالات، وأن الخطابات حتى وإن كان من الدارج وصفها بصفة “الحجاجية”، لا تربطها صلة قريبة أو بعيدة بذاك الذي يفهم من عبارة “الحجاج”.. وانظر إليه زاعما أيضا أن الهدف من بحثه الذي يربطه بنظرية ديكرو هو “تأكيد فرضية الطبيعة الحجاجية للغة الطبيعية”.. بينما يعلن ديكرو أن “الحجاج ما هو إلا سراب… (فالحجاج) ليس إلا حلما من أحلام الخطاب، ونظريتنا يقول ديكرو ينبغي بالأحرى أن توسم ب”نظرية اللاحجاج”.. وانظر إليه أخيرا وهو يقرر “تنطلق هذه النظرية من الفكرة الشائعة التي مؤداها : “أننا نتكلم عامة بقصد التأثير”، بينما يؤكد ديكرو “عملنا كله يسعى بالضبط إلى تفادي القول بأن اللغة تعبر عن الآراء”. إنه إمعان عنيد في معاكسة مقصود النظرية الحجاجية لديكرو وإصرار على تحريفها مرده في تقديري إلى أن هذا الشخص منقطع عن هذا الدرس منذ زمان بعيد، والظاهر أنه (في كراسه ذاك) كان قد فوت قطار هذه النظرية بما يجاوز 15 سنة تتابعت فيها أعمال جديدة جسدت منعطفات لتطور حاسم في صرح هذه النظرية (مراجعه جميعها ترجع إلى فترة الثمانينات من القرن الماضي).. وبالمقاييس العلمية الأكاديمية التي يفترض أن ترعاها الرقابة الإدارية يعتبر كلام هذا الشخص مضرا بالبحث العلمي، فهو تغليط فاضح يحرف منطوق النظرية كما يجري على لسان روادها، ولا يلتزم أطرها كما تقرَّرت في كتاباتهم، وعلى الأقل كان حريا به أن يعلن انتسابه للنسخة القديمة من النظرية التي طلقها ديكرو منذ زمان.. 4 عاجز عن الإحاطة بكليات هذا التوجه وأسسه النظرية والتطبيقية، فصارت المسألة عنده جدلا عقيما في الدفاع عن “الطبيعة الحجاجية للغة الطبيعية”، والحال أننا أمام نظرية علمية دلالية وصفية وتفسيرية، إنما سِيقَ الحجاج فيها لغرض مخصوص، هو البحث عن آلية تصف التعالق بين الملفوظات (حجة/ نتيجة)، وذلك ضمن توجه بنيوي يطمح إلى مجاوزة وصف نسق الكلمات (سوسير) إلى وصف نسق الملفوظات والجمل، توجه يروم الإمساك بآلية التعالق المُنَاظِرة لعلاقتي الاستبدال والتراكب لدى سوسير.. وهي التي ظن ديكرو زمانا أن سِرَّها كامن في العلاقة الحجاجية.. فلما تبين له أن هذه العلاقة قاصرة عن الوفاء بهذا الغرض، تبرأ منها وَعَدَّ الحجاج سرابا ووهما من أوهام الخطاب.. فاتحا الباب بتواضع العالم الكبير أمام المقترحات الجديدة لتلميذته النجيبة ماريون كاريل Marion Carel ونموذجها الجديد حول “الملتحمات الدلالية”.. أما صاحبنا فهو مُغَيَّب عن كل هذه التطورات، شارد في متاهات فهمه الخاطئ للحجاج، لا يعرف أوله من آخره، فانظر إليه حين يقول “وتنتمي دراسة الحجاج إلى البحوث التي تسعى إلى اكتشاف منطق اللغة أي القواعد الداخلية للخطاب… بعبارة أخرى فإن الحجاج يتمثل في إنجاز تسلسلات استنتاجية داخل الخطاب”. فهذا كلام تائه لا يميز بين “الحجاج” و”دراسة الحجاج” و”دراسة الحجاج داخل اللغة”، وقد جره إلى تحريف صارخ لنظرية السلم الحجاجي، وإلى الإتيان بكلام شنيع وهو يتورط فيما اعتبره “دراسة ووصف الجوانب الحجاجية للغة العربية” خائضا خوضا عجيبا في مباحث البلاغة البديعية والاستعارة.. وإني أهيب بأهل الاختصاص من رجال العربية أن يطالعوا ما أورده في هذا الموضع، وينبهوا الطلاب مخافة أن يسايروه في هذا العبث، ويَضِلُّوا في مسارهم العلمي ضلالا بعيدا. فمن طلب درس الحجاج من جهة الفاعلية التدليلية الإقناعية وطرائقها وأساليبها، فليس هذا موطنه، فدونه أدبيات باذخة زاخرة بدءا من أرسطو ومرورا ببرلمان وتولمين وهامبلين وكريز ووالتون وإيمرن وخروتندورست ومايير وروبول وبلانتان… وجمهرة عظيمة من حجاجيي الخطابة والجدل الجديدين… 5 عاجز عن الاستدلال بمنطق سليم، وبيان ذلك فيما نسبه إلينا هذا البَهَّاتُ من ولوغ في السطو دون أن يسوق دليلا على ذلك. فهذا السلوك بالمقاييس الخلقية غاية الوقاحة ومنتهى البذاءة، وإني أبرأ إلى الله من هذا الإفك الذي رماني به، وإني لمخاصمه في ذلك يوم الدين، ومقارعه في الدنيا بعزيمة لا تلين.. وهو بالمقاييس العلمية تَهَرُّب من تحمل عبء التدليل على الدعوى، فكلامه باعتبار المناظرة وقواعدها “ساقط لا يُسمع”. فمقالي المطول “الحجاجيات اللسانية عند أنسكومبر وديكرو” منشور في مجلة ذائعة الصيت (عالم الفكر) منذ 2005، أي قبل أن ينشر هذا الشخص كراسه بمدة (والقاعدة أن السارق هو اللاحق لا السابق)، والفارق في القيمة العلمية بين المقال والكراس يقف عليه القارئ العادي، بلهَ المختصص الضليع، ومع ذلك فإنني عدت إلى هذا المقال مدققا ومحققا في كتابي “المظاهر اللغوية للحجاج” الذي أفخر بالجهد العلمي الكامن فيه، وأعده دليلا مفيدا لمن أراد الولوج إلى هذه النظرية من أهل العربية، وقد صار بالفعل مرجعا بين الباحثين الرصان في الجامعات العربية، وقد قلت عنه في مقدمته: “هذا الكتاب يحاول أن يقدم صورة كلية عن أهم قضايا هذا التوجه محاولا ما أمكن الجمع بين المنحى التأريخي… والتناول النسقي في عرض أهم المسائل والأطروحات التي دافع عنها رواد هذا التوجه، خصوصا في صورته الأولى كما انتهى إليها كتاب “الحجاج داخل اللغة” الذي سيشكل نموذجا لخص ما تفرق في غيره من الكتابات السابقة، وفتح الباب بما هو صياغة مُركزة ومنظومة للتجديدات اللاحقة التي كانت في بعض جوانبها تحويلا عميقا في هذا النموذج، بل وانعطافا مفاجئا كما أصبح واضحا في الكتابات المتأخرة التي بدأ يسري في ثناياها حديث مشوب بنوع من الخيبة حول ما أشار إليه ديكرو ب “نظرية اللاحجاج””. أما ما ذكره صاحبنا بخصوص ترجمة ادعاها لمفهوم la polyphonie، فتلك ورطته التي أوقعه فيها طبع معجون بالصَّلف والمكابرة، وأشير بدءا إلى أن لفظ “الأصواتية” واحد من الترجمات التي اقترحتها لعشرات من الاصطلاحات أزعم أنها ساهمت (نسبيا) في تليين عَوَاصات هذه النظرية في السياق اللغوي العربي، وسمحت لنا بالدخول في ثنايا هذا التوجه مستعرضين مسائله التفصيلية وقضاياه الفرعية.. فيأتي هذا الشخص راجما إيانا بالقول: “… ويسرق ترجمة عدد كبير من المصطلحات وينسبها إلى نفسه بدون حياء أو خجل”، ثم يذكر شاهدا واحدا قائلا: “فقد ترجمت مصطلح la polyphonie بالأصواتية في أواسط الثمانينات وقلت أذاك (كذا) أن من النحاة واللغويين من يقبل النسبة إلى الجمع ونشرت هذا سنة 1990، فهو منشور واطلع عليه الباحثون في ذلك الوقت”. فانظر معي هذا الاضطراب الذي يُنبأ عن عوز في ملكة الاستدلال: يقول أنه ترجم مصطلح la polyphonie أواسط الثمانينات ونشره سنة 1990، وسؤالنا هاهنا، ما طبيعة هذه الترجمة التي وضعها هذا الشخص أواسط الثمانينات، هل كانت هذيانا في الخلوات أم أضغاثا في الأحلام؟ وهل كان علينا أن نتقصاها في خلواته وأحلامه؟ فالعبرة في هذا الباب بالمنشور، فقد أواجهه بالقول إنني ترجمته في السبعينات ونشرته سنة 2005، فهذا القلق في طلب السبق بأي وجه، حَرِيّ بأن يوقف اللبيب وقفة المتشكك المحتار… يقول أنه نشر الترجمة سنة 1990 دون أن يشير إلى عنوان المقال أو الكتاب ليقطع بذلك أصل الجدل… فادعاؤه باطل حتى يدلنا على الموضع الذي أورد فيه هذه الترجمة.. بل هو باطل بلا قيد ولا شرط، وكما يقال “من فمك أدينك”، فقد عدت إلى فهرس كراسه “اللغة والحجاج”، فما وجدت ذكرا لعمل منشور سنة 1990، مع أن الرجل عانى في لَمِّ كل شاردة من نتفه المنشورة في المجلات المغمورة، ذاكرا ما لا يزال عالقا في اللوح المحفوظ من المنشورات موقوفة التنفيذ، وهو دأبه على ما يبدو ليوهم القراء بأنه صاحب إنتاج علمي واسع.. وأمام هذه المعطيات تبقى النتيجة الراجحة أن صاحبنا سرق الترجمة من مقالنا المنشور سنة 2005، ولما خشي أن نَكِرَّ عليه فاضحين (ويعلم الله أننا ما كنا لنفعل) بادءنا بالتهجم على مذهب المريب الذي يكاد يقول خذوني.. وفي الأخير أقول لهذا الشخص حسبك هذا من وقتي وجهدي، ولا تضطرني إلى مزيد من الغوص، فأنا موقن أن في الأغوار العَجَبَ العُجاب من العُوار، فاتق غضبة الحليم، واستح كي تسلم..