وجدت الجزائر، طيلة سنة 2015، نفسها في مواجهة أزمة مالية واقتصادية وهيكلية تفاقمت مع مرور الشهور بفعل التراجع الحاد لأسعار النفط في السوق الدولية. فأمام ميزانية دولة، قائمة في أساسها على سعر نفط يفوق مائة دولار، اصطدمت الحكومة بعائق تمويل نفقاتها في التسيير والاستثمار، خاصة في ظل غياب استراتيجية واضحة ومتماسكة من شأنها تمكين البلاد من اجتياز الأزمة التي أثرت على صندوق ضبط الإيرادات بعد تآكل محتواه المالي. وبعد طول انتظار لعودة سعر البرميل إلى سابق عهده، ومعه انتعاش اقتصاد الجزائر، لم يجد الوزير الأول عبد المالك سلال بدا من الاعتراف بأن الوضعية التي توجد عليها البلاد "حرجة"، مقدما تشخيصا رماديا للحالة الاقتصادية، ومعلنا للمرة الأولى منذ بدء انهيار سعر البرميل أن أزمة وشيكة مقبلة عليها الجزائر في حال لم تقم السلطات بوضع مخارج ناجعة. ومنذ ظهور أول ملامح تراجع عائدات النفط، ازدادت المؤشرات خطورة من خلال بداية فقدان سعر الدينار الجزائري لقيمته أمام الأورو والدولار، وتقلص الميزان التجاري ليبلغ 10,33 مليار دولار حتى شتنبر الماضي، في ظل تراجع مداخيل البلاد من المحروقات. وانخفضت مبيعات الجزائر من المحروقات، التي تفوق مداخيلها من العملة الصعبة أزيد من 94 في المائة، بما مجموعه 28,86 مليار دولار خلال التسعة أشهر الأولى من 2015، مقابل 48,29 مليار دولار في الفترة ذاتها من السنة الماضية. وفي إطار هذا المد التنازلي، تهاوت احتياطات الصرف بحوالي 28 مليار دولار، منذ متم العام 2014 الذي تزامن والبدء في تراجع سعر البرميل في السوق العالمية، فيما يرتقب أن تقف هذه الاحتياطات عند 151 مليار دولار متم سنة 2015، مقابل 178,9 مليار دولار مع نهاية 2014، قبل أن تصل في أواخر 2016 إلى 121 مليار دولار، وفق التوقعات، ليكون للجزائر، من حسن حظها، احتياطات تمكنها من تدبير وارداتها لكن لأشهر قليلة قبل طرق أبواب صندوق النقد الدولي. وخلال السنتين الأخيرتين، سجلت الجزائر انكماشا في تجارتها الخارجية تحت تأثير انخفاض عائداتها من المحروقات والارتفاع المهول لفاتورة الواردات، التي فاقت 60 مليار دولار السنة الماضية. وكان الفائض التجاري قد بلغ في 2012 ما مجموعه 20,2 مليار دولار، قبل أن يتراجع إلى 9,3 مليار دولار (2013) ثم 4,6 مليار دولار سنة 2014. وينضاف إلى هذه الأرقام المقلقة، إنتاج محلي جد ضعيف، واقتصاد غير متنوع، وفلاحة أقل تطورا، وسياحة تكاد تكون منعدمة، مما حدا بالخبراء إلى توجيه انتقادات حادة للحكومة واتهامها بأنها تفتقد لسياسة واضحة المعالم، وسنها لقرارات بسيطة غير مجدية تشكل طوق نجاة لبلاد في أزمة. وإزاء هذا الضغط، قررت الحكومة تجميد المشاريع الكبرى التي لم يشرع فيها بعد، وكذا التوظيف في القطاعات العمومية، فضلا عن إعلانها مراجعة سياسة الدعم المعممة على الأسعار، ووضع استراتيجية للخروج بهذا النظام إلى نموذج دعم موجه مع تحرير للأسعار. ومن جهة أخرى، سيكون الجزائريون مطالبين، ابتداء من فاتح يناير المقبل، بشراء محروقاتهم بسعر أعلى مما كان عليه في السنوات السابقة، ويتوقع قانون المالية لسنة 2016 ارتفاعا في أسعار المنتوجات الطاقية بالرفع من قيمة الضريبة على القيمة المضافة للانتقال من 7 في المائة حاليا إلى 17 في المائة بالنسبة لمبيعات الغازوال وبالنسبة لاستهلاك الغاز الطبيعي والكهرباء. وبعد أن كانت عائدات الجزائر من النفط والغاز تفوق 60 مليار دولارا، ولفترة طويلة، تراجعت لأقل من 40 مليار دولار خلال 2015، في وقت اعتبر فيه صندوق النقد الدولي أن البلاد في حاجة إلى سعر برميل يفوق 110 مليار دولار للحفاظ على توازنها المالي وعلى موقعها الخارجي الذي يمر بوضعية حرجة