أن وضع الثقافة في صلب السياسات التنموية يشكل استثمارا أساسيا في مستقبل العالم و شرطا مسبقا لعمليات العولمة الناجحة التي تأخذ مبدأ التنوع الثقافي بعين الاعتبار، لكون التنمية عملية اقتصادية، اجتماعية، ثقافية وسياسية شاملة تستهدف التحسين المستمر في رفاهية السكان بأسرهم و الأفراد جميعهم وتحقيق التعليم اللائق، الصحة الضرورية، الدخل المناسب، وإيجاد العمل الذي يتلاءم وقدرات ذلك الإنسان، ويتناسب مع كفاءاته المعرفية والمهارية، وتقوم على أساس مشاركتهم النشطة و الحرة و الهادفة في التنمية و في التوزيع العادل للفوائد الناجمة عنها. فلا يمكن للتنمية الثقافية، بحال من الأحوال ان تحقق أهدافها النوعية او المرحلية او البعيدة الا بتنويع المنتوج الثقافي وتطويره ضمن ما يسمى بالتنمية الثقافية، وقد أكدت منظمة اليونسكو على التنوع الثقافي في بياناتها الثقافية التأسيسية، نظرا لأهميته في الرفع من مستوى التنمية الاجتماعية والمعنوية والبيئية، وخدمة النمو الاقتصادي ويشمل التنوع الثقافي الانتاجات الأدبية والفنية والعلمية والآثار والقيم وكل ما ينتمي إلى ما يسمى بالثقافة اللامادية، وعليه فمراعاة الهوية والخصوصية المحلية والثقافية أساس التنمية البشرية المستدامة، فهو مرتكز جوهري تعتمد عليه المقاربة الثقافية الشاملة . كما ان توجهات اليونسكو التي اعتبرت سنوات الثمانينات و التسعينات فرصة ذهبية للتنمية الثقافية واعتمدت على التنوع الثقافي و اللساني و التراثي ، و أعطت أهمية كبرى للثقافة للامادية في تطوير الشعوب و تنميتها ،كما ان الثقافة سبيل للقضاء على الفقر و الجوع والبطالة و الجهل و الهذر المدرسي و هي كذلك وسيلة للرفع من المستوى الاجتماعي و الاقتصادي للأسرة وتحسين الدخل الفردي و الحصول على فرص الشغل المناسبة ، وبناء الأسرة بناء مستقرا. وهناك كثير من دول العالم الثالث، ومن الدول العربية ترى بأن المكون الثقافي هو عبئ ثقيل على التنمية من النواحي المالية والسياسية والأمنية، ولا تراهن عليه بشكل كبير في تحقيق تقدمها الاقتصادي، في المقابل نجد دولا متقدمة ونامية تعطي الأولوية للثقافة في مجال التنمية الشاملة، وخير دليل على ذلك الدول المتقدمة التي لها تجارب كبرى في التقدم و التنمية الحداثة مثل بريطانيا و فرنسا و ألمانيا و اليابان التي أخذت بعين الاعتبار أبعاد التنمية المستدامة وهي : النمو الاقتصادي والإدماج الاجتماعي والحماية البيئية والبعد الثقافي مع احترام السياسات والأولويات الوطنية، حيث تختلف عملية التنمية من مجتمع لأخر، بل من فترة تاريخية لأخرى داخل المجتمع الواحد، ويعني ذلك أنه ليس هناك نموذج للتنمية معد سلفا أي أن النماذج التنموية لا تتمتع بالقدسية، وعلى الدول النامية إن تبني نموذجا خاصا بها يعكس الظروف التاريخية والموضوعية الخاصة بها، ويعمل على تحقيق تنمية حقيقية تقوم على الاعتماد على الذات، وتسعى الى المحافظة على الهوية الذاتية، وتطور الذات الفردية وترقى بقدراتها ، حتى تكون السياسيات التنموية متعددة الأفاق، لكون التنمية و الثقافة لا يمكن فصلهما فكل واحد يكمل الأخر بطريقة بنيوية و عضوية و جدلية . وبالتالي رهاناتنا المستقبلية عليها أن تتمحور حول تثمين الثقافة وجرد التنوع الثقافي كهدف محوري للسياسات العمومية وتشجيع قدراتنا الجماعية للانخراط في مسيرة التنمية والتقدم، وعلى الفاعلين السياسيين، الاجتماعيين، الاقتصاديين، وصانعي القرارات السياسية والفاعلين المحليين مضاعفة الجهود من اجل انسجام النصوص القانونية والسياسات العمومية في المجال الثقافي مع روح ومضامين الدستور والتشريعات الدولية وأجندة التنمية المستدامة 2030 . ودمج مبادئ التنوع الثقافي وقيم التعددية الثقافية في مجمل السياسات والآليات والممارسات العامة، مع مراعاة إدراج هذا التنوع في صميم الاستراتيجيات العالمية الوطنية للتنمية بوصفه مورداً ثميناً من شأنه أن يبلور نموذج تنموي جهوي مندمج يهدف الى تحقيق التفاعل والتكامل بين الجهات ذو منظومة اقتصادية محفزة للنمو، يخلق الثروات ،ذو تدبير محكم يواكب سياسة اللاتمركز والجهوية المتقدمة. * باحثة فالقانون الدولي الإنساني وحقوق الإنسان – رئيسة جمعية التراث المادي واللامادي بالأقاليم الجنوبية