في صحوة مفاجئة، ارتفعت في الآونة الأخيرة أصوات مثقفين وإعلاميين من مختلف المشارب للتنديد بالسياسة الثقافية المتخلفة للحكومة، ولكشف مكامن الخلل التي تجعل المشهد الثقافي الوطني ينحدر إلى الدرك الأسفل من البؤس والمسكنة. وتكاد كل الآراء المعبر عنها تجمع على أن مسألة دعم الوزارة الوصية على الشأن الثقافي وجب إعادة النظر فيها، وتخليصها من منطق الولاءات الحزبية والمصلحية المتبادلة، وأن يكون دعم الدولة للفاعلين الثقافيين حسب الجدارة والاستحقاق؛ وليس حسب المزاج المتقلب مع تعاقب المسؤولين عن الوزارة. ونسوق هنا على سبيل المثال؛ نموذج المعرض الوطني للكتاب المستعمل الذي قررت الوزارة حجب الدعم عنه هذه السنة، بعدما أتبث خلال دوراته الإحدى عشر أنه حدث ثقافي استطاع تكريس أهدافه المتمثلة في تنشيط المدينة ثقافيا؛ والحث على القراءة؛ وخلق إطار للقاء المثقفين والمبدعين وجمهور القراء على مدى شهر كامل من الندوات والمحاضرات والعروض الثقافية والفنية لجميع فئات المجتمع. وعندما نتحدث هنا عن الدعم فإنه لا يتجاوز مبلغ 30 ألف درهم؛ وبعض اللافتات والمطويات الورقية، في حين يتم دعم الرداءة بملايين الدراهم دون حسيب أو رقيب، ودون التفات إلى تعطش الفئات المسحوقة من المجتمع إلى منتوج ثقافي يسهم في النهوض بأوضاعها؛ وبحس الإبداع والابتكار اللازمين لتجاوز الأزمات المتعددة التي يتخبط فيها المجتمع المغربي. وانطلاقا من قناعة منظمي المعرض الوطني للكتاب المستعمل وهم كتبيون متواضعو الإمكانيات بأن هذه التظاهرة صارت لكل المغاربة؛ فإنهم أصروا على تنظيم الدورة الأخيرة بكل ما خلفته من ديون تراكمت على الجمعية المنظمة وعلى العارضين، لكن أملهم قد خاب بعدما تنكرت لهم وزارة الثقافة وقررت حجب الدعم عن المعرض، بل إن السيد الوزير أوصد باب مكتبه في وجوههم؛ رغم المراسلات العديدة والمقالات الصادرة في الصحف والمطالبة بفتح حوار مع الكتبيين والإنصات لمقترحاتهم ومشاريعهم ومشاكلهم أيضاً. إننا لن نمل من أن الثقافة حقل استثماري حيوي لأنه حقل بناء الإنسان، والثقافة هنا لا تعني الصالونات والمهرجانات فقط، بل تعني القراءة أولا وقبل كل شيء؛ فمن لا يقرأ يستحيل عليه فهم الواقع؛ فبالأحرى تحسين وتجاوز معوقاته. وهذا لا يتأتى بتهميش الطاقات والكفاءات؛ ولكن بتشجيعها ومواكبتها ماديا وفكريا، ولو بالنقد وذلك أضعف الإيمان. ذلك أن الوزارة حجبت دعمها عن الكتبيين دون تكليف نفسها عناء تبرير قرارها أو توجيه أي ملاحظات حول تنظيم المعرض أو محتواه. وأخيرا؛ فإننا نعيد توجيه ندائنا إلى السيد الوزير وكل المسؤولين والمستشارين من أجل وضع تقييم موضوعي للمعرض الوطني للكتاب المستعمل، بعيداً عن أي حساسيات ظرفية أو حسابات مغلوطة، وإلى الاستئناس بآراء المساهمين فيه؛ وبتقارير السلطات المحلية والمنتخبة، في أفق إنصافه والارتقاء به ليصير حدثا دوليا ينضاف إلى كل مظاهر التميز التي تزخر بها البلاد. والله المستعان.