إن موضوع التراث والتجديد أصبح في الآونة الأخيرة محور اهتمام المفكرين، المثقفين والعلماء …على اختلاف "فكرانياتهم" ومرجعياتهم؛فكتبت كتبٌ وسطرت مجلاتٌ و أغرقت لغة الخطاب بمفرادت،و وقع أخذ و رد. و هو في الحقيقة موضوع يحتاج النقاش والتأمل .والمتأمل في من اشتغل وانشغل بهذا الموضوع سيجد انهم انقسموا إلى ثلاثة أقسام؛كل على حسب فكرانيته وتكوينه. فالقسم الاول:التراث عندهم امر لا بد منه مع احترام قدسية القران والسنة الصحيحة من حيث الثبوت لا من حيث الدلالة _غير النص بلغة الاصوليين _ يريدون التجديد والتحديث بناء على الأرضية المميزة لهم والمختلفة تماما عن أرضية غيرهم . وهذا القسم عمل أصحابه على الجمع بين التراث الإسلامي الثابت_ القران والسنة الصحيحة _والمتغير_ آفهام السابقين _وبين حداثة وفكر الغير بعد التمحيص والتدقيق المفاهمي ،مما يمكنهم من استصحاب بعض الامور من حداثة الغير التي لا تناقض القواعد الكلية للإسلام ليساعدهم ذلك في تجديد التراث _لان الغير متقدم حضاريا في جميع المجالات ، _على حسب ما تقتضيه الظروف الزمانية والمكانية لان جزئيات الشريعة محكومة بالزمان والمكان…. وأصحاب هذا القسم -على سبيل المثال لا الحصر يمثله: _طه عبد الرحمن، من المغرب _عماد الدين خليل من العراق _ وابو يعرب المرزوقي من تونس _ومالك ابن نبي من الجزائر هؤلاء خلقوا ثورة فكرية اسلامية بكل المقاييس وان اختلفوا في معالجة القضايا. أما القسم الثاني:وهم التراثيون الذين لم يفهموا التراث جيدا يغلب عليهم طبع التقليد الى حد التعبد بالسابقين ودائما ما تجدهم يرددون على انهم المدافعون عن الكتاب والسنة والمتمسكون بهما ولكن لا يفرقون بين الثابت فيه والمتغير ويجعلون الشريعة الاسلامية كلها ثابتة من حيث الدلاله وحتى التراث الاسلامي يظنون انه واجب علينا استصحابه بدون قراءة نقدية فتجدهم يبدعون في كل شيئ حتى في وضع المفاهيم العلمية وحالهم يقول بان القران جاء بجميع تفاصيل الحياة لا بقواعدها العامة ولا يقبلون الاخر من المسلمين قبل غير المسلمين لانه اختلف معهم فيما هو متروك للعقل _ الظاهر. والمؤول .والمطلق …_. أما اطلاعهم على ثقافة الغير _المسلمون ممن اختلف معهم فكرانيا والغرب _؛ فضعيفة جدا وسبب هذا راجع الى القراءة الانتقائية بالمعنى السلبي يعني انهم يقرءون للبحث عن الثغرات والاخطاء لغاية في النفسوليس لامر اخر ' و تنعدم في بعض الاحيان وسبب هذا راجع الى ان الحق معهم وحدهم بمعنى كل ما عند الغير لا يفيذ في شيئ . وهذا القسم من اكبر عوائق التحضر الإسلامي لان توجههم العام يقول لا تجديد في الاسلام وهذا ما يقوله الذين يغنون بالحداثة الغربية على انه غير مواكب للتطورات الكونية والنواميس الطبيعية 'لان اعمال العقل عندهم جريمة لا تغتفر مما يدفعهم الى الوقوف فيما قيل. وإن كتبوا ؛ فهم لم يخرجوا عما قيل. وهذا الجانب يمثله بعض (المُتَسَلِّفِين) أي:ممن يدعي السلفية،والسلف مهم كالذئب من دم يوسف. أما القسم الثالث:باعُهُمْ في التراث ضعيف او لا باس به ،لانهم درسوا التراث لا لفهمه واستعابه وتطويره وانما لنقده( المتامل سيرى ان النقد هنا مسيب ) بحيث لو تاملت توجههم العم في الموضوع ستكتشف على انه ردة فعل للذين لا يقبل النقاش في التراث وغالبا ما تكون ردة الفعل متطرفة وخارجة عن القواعد العلمية المحترمة لخصوصية بيئتها . يقول طه عبد الرحمن للجابري و هو ينتقد نقده الابستمولوجي للتراث العربي الإسلامي:"وجدت عندك ثغرات في المعلومات وثغرات في المنهج"، يريدون التجديد ليس بالياتهم وانما بآليات الغير المبنية على احترام ثقافة واعراف بيئتها وهي تختلف تماما على بيئة التجديد عندنا : أولا: الا ختلاف الثقافي السياسي والجغرافي . ثانيا:وجود ما هو مقدس عندنا القرآن و السنة اساس الهوية الاسلامية . وهنا يجيب استحضار العداء الذي كان بين الكنيسة ورجال الأدب والفلسفة،وانتصار الفلاسفة والأدباء على رجال الكنيسة . (((((فمجددو))))) العرب الحداثيون لا يفرقون بين الكنيسة كمؤسسة والدين ، فالدين ليس هو المؤسسة واصول الشريعة الاسلامية ثابتة ،فهم يدخلون القرآن و السنة في التراث لأنهم يقولون بأن القرآن والسنة هما "نتاج التفاعل الاجتماعي"، وحالهم يقول يجب مراجعة القران والسنة من حيث هما مادة خامة . وغافلوا أو تغافلوا أن القرآن قسمان : 1_ابتدائي. اي أنه نزل بغير سبب وهذا هو غالب القرآن، 2_وسببي أي: أنه نزل لسبب،اما لحادثة وقعت او سؤال وجه للنبي صلى الله عليه وسلم لا يمثل الا جزئا صغيرا للغاية وقد سقم هذا القسم ابن عاشور رحمه الله الى خمسة اقسام في كتابه التحرير والتنوير فقال: المقدمة الخامسة في اسباب النزول أسباب النزول التي صحت أسانيدها فوجدتها خمسة أقسام _الأول : هو المقصود من الآية يتوقف فهم المراد منها على علمه ، فلا بد من البحث عنه للمفسر ، وهذا منه تفسير مبهمات القرآن ، مثل قوله تعالى_ قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها … _والثاني : هو حوادث تسببت عليها تشريعات أحكام ، وصور تلك الحوادث لا تبين مجملا ولا تخالف مدلول الآية بوجه تخصيص أو تعميم أو تقييد….. _والثالث : هو حوادث تكثر أمثالها ، تختص بشخص واحد ، فنزلت الآية لإعلانها وبيان أحكامها وزجر من يرتكبها… _والرابع : هو حوادث حدثت وفي القرآن آيات تناسب معانيها سابقة أو لاحقة فيقع في عبارات بعض السلف ما يوهم أن تلك الحوادث هي المقصود من تلك الآيات ، مع أن المراد أنها مما يدخل في معنى الآية … _والخامس قسم يبين مجملات ، ويدفع متشابهات مثل قوله تعالى ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون فإذا ظن أحد أن ( من ) للشرط أشكل عليه كيف يكون الجور في الحكم كفرا ،تم ادا علم سبب النزول هم النصارى علم ان من موصولة وعلم ان الدين تركوا الحكم بالانجيل لا يتعجب منهم ان يكفروا بمحمد… (ص50) بهذا التغافل يخضعون القرآن والسنة الصحيحة للتحديث والتجديد وهذا ما سقط فيه الجابري في ترهاته الأخيرة رحمه الله قد يقول قائل:على هذا يجب علينا أن نبتعد عن هذا الشخص وأمثاله! نقول له:لا. ليس مطلقا،نبتعد عنه إذا تعلق الأمر بقضايا شرعية،أما القضايا الفكرية؛فالجابري أجاد وأفاد في مشروعه _نقد . وبنية. وتكوين …._ وهذا القسم يمثله : _الجابري في كتابه _ حسن حنفي في كتابه _ عبد الله العروي _ أركون عندهم منطق واحد في التعامل مع التراث،وان اختلفت الوسائل وبالخصوص يصعب على الواحد ان يحدد موقف الجابري مرة تجده يتصالح مع التراث وتارة يقاطعه الذي هو منطق العروي و الطامة الكبرى أنهم غفلوا أو تغافلوا أن للحداثة الأوربية تراثاً ،إذن إنهم يبدلون مكان تراثهم بتراث غيرهم،وهنا قمة التقليد المغلف بغلاف التحديث. و هناك أمر آخر أكثر خطورة من الأول و هو أن هؤلاء عاجزون عن إيجاد آليات التجديد من تراثهم كما و جدها غيرهم في تراثهم، وعجزهم عن تجديد تراثهم من تراثهم. وأخيرا يجب التنبيه أن المسلمين مقصرون في إظهار الشريعة مواكبةً لكل زمان و مكان نظريا قبل تطبيقيا (على المستوى النظري قبل المستوى التطبيقي)،ولا يمكن أن يكون هناك تنزيل صحيح بدون تنظير صحيح.