أتذكر جيدا وأنا أتابع بشغف أحداث الثورة المصرية عبر وسائل الإعلام الرسمية ، كيف كان بعض الإعلاميين يهللون ويطبلون لعظمة الرئيس وفخامته ، قبل أن يرضخ ويستسلم للإرادة الشعبية ليقدم استقالته في نهاية هيتشكوكية ، وكيف تحولوا من مواليين له الى أشد معارضيه بعد نجاح الثورة ، لينقلب بعضهم في مشهد سريالي خلال ساعات ليتصدرو المشهد الثوري ، أدركت حينها أن الإعلام الرسمي مثله كمثل التاريخ غالبا ما يتحرك وفق أهواء المنتصرين . يقول وزير الإعلام النازي جوزيف جوبلز " اعطيني اعلاما بلا ضمير اعطيك شعبا بلا وعي"، محاولا منه أن يوضح كيف ينقلب الإعلام من آلية تساهم في نشر قيم العدل والحرية بالانحياز إلى الطبقات الفقيرة للتعبير عن قضاياها ومشاكلها ، الى اعلام فاسد همه الوحيد تضليل وتزيف الحقائق، واستغلال الأمراض الاجتماعية لنشر قيم أخلاقية وثقافية متدنية إذا ما غاب عنه الضمير ، غياب الضمير اذا هو مايدفع اليوم بعض الإعلاميين الفاسدين الى شن حملات مسعورة ضد حملة المقاطعة المباركة ، المقاطعة التي بدأت كاحتجاج شعبي ضد غلاء الأسعار ، لتتوسع فيما بعد مصيبتا بلعنتها مهرجان موازين، المهرجان الدولي الذي يستقطب أشهر المغنيين من كل بقاع العالم ، لم يكن أكبر المتفائلين يظن أن الحملة التي انطلقت بشكل عشوائي في الفضاء الأزرق ستتحول بهذه السرعة لتأخذ هذا البعد السياسي ، والتي تشكلت في شكل عصيان مدني سلمي يصعب قمعه أو السيطرة عليه ، وكأي حرب لابد للخاسر فيها أن يسخر جميع الأسلحة كي لا تلحقه لعنة الهزيمة، كان لابد إذا لرجال الأعمال الجشعين من تجييش الإعلام الرسمي بقنواته التابعة لدولة وبعض الجرائد الورقية والقنوات الإلكترونية لقلب الرأي العام وتوجيهه لاحتواء الوضع، وهذا ما كانت تحاول نقله القنوات الرسمية بتغطيتها لسهرات موازين ونقلها لبعض الفيديوهات المفبركة وبعض التصريحات التي كانت تنقلها بعض القنوات الإلكترونية ، في محاولة منها تمرير رسائل مشفرة مفادها ان الأمور كلها بخير وانه لا وجود لشيء اسمه "المقاطعة" ، الا في مخيلة الإفتراضيين ليأتي بعد ذلك الرد كثقافة مضادة ، ثقافة الإعلام البديل التي تغلغلت في الساحة الإعلامية لتصنع امبراطوريتها المنفردة و المستقلة ، هذا الإعلام الذي يمارس من خلال الفيسبوك وغيرها من مواقع التواصل نوعا من الرقابة وقوة ضاغطة تساهم في توجيه الرأي العام وصناعته أحيانا ، والتأثير على القرارات التي قد تصدر من الدولة أو الحكومة احيانا أخرى، إن ما وقع حين بدأ اغلبية المدونين وبعض المواقع الإلكترونية المستقلة في نشر فيدوهات نجاح المقاطعة بكل حيادية ، دليل قاطع على أن الإعلام البديل أشرف وأفضل بآللآف المرات من إعلام تربى في حضن السلطة ، وانحاز إليها ضد رغبات وحاجيات الشعب المقهور لاحتراف سياسة التضليل الإعلامي .