أصبت كما أصيب جميع المغاربة التواقين إلى الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية بالصدمة والذهول والإحباط جراء الأحكام التي نزلت كالصاعقة على رؤوس شباب مغاربة، ذنبهم أنهم يؤدون ثمن إفلاس الخيارات التنموية، والاختلالات والاختلاسات والخروقات التي نهشت جزءا عزيزا من الوطن المكلوم، الريف الحر الأبي، فمن الحرب الكيماوية التي شنها الاستعمار الإسباني، إلى التهميش الممنهج الذي مارسه عليهم الحسن الثاني ، وانتهاء بالرزوح تحت وطأة قوم فاسدين متحكمين مستبدين ، لا هم لهم سوى جمع الثروة على حساب الشعب المقهور، بالطرق غير المشروعة، القوم الريعيون (نسبة إلى الريع). خرج الشباب على إثر مقتل الشاب المجد الباحث عن لقمة العيش الكريمة الشهيد محسن فكري. هذا الشهيد الذي انتفض ضد الحكرة والظلم الذي مارسته مختلف المؤسسات التابعة للدولة . انتفض الريف احتجاجا على مقتل محسن فكري، وأخذ هذا الاحتجاج طابعا اجتماعيا صرفا، ليطالبوا بتحسين أوضاع جزء من الوطن المغربي. لم تتفهم الدولة طبيعة هذا الاحتجاج ولا ظروفه ولا أسبابه ولا أهدافه، بل اعتبرت ذلك تنطع ساكنة تحن إلى الانفصال وتريد زرع الفتنة… الغريب أن الدولة لم تفهم أن الاحتجاجات ذاتها وفي الفترة نفسها كانت في بوعرفة وتفكيك والعديد من الأقاليم المغربية، وقبلها في مدينة سيدي إيفني خلال سنوات 2005 و 2007 و2008 التي انتهت بمحاصرة الميناء، وخروج احتاجات عمت منطقة أيت بعمران، وانتهت باعتقال خيرة شباب المدينة، الدولة لا تريد الاستفادة من الدروس، ورهنت نفسها داخل مقاربة أمنية ضيقة للغاية ، تضيق عليها هامش الخيارات المرنة التي تؤمن الاستقرار وتحمي الشعب ، وتحقق التنمية المرجوة. الدولة لا تدرك أن هناك تحولات اجتماعية وثقافية عميقة، ظهرت تجلياتها في ما يلي : – تطور في أسلوب الاحتجاج من الشغب إلى السلمية وانتهاء بالمقاطعة ، هذا الاحتجاج الأخير مؤثر اقتصاديا وسياسيا وإعلاميا، وآمن من جميع الأخطار الأمنية والجسدية وبعيد عن الملاحقة والمتابعة ، وصامت هادئ وسريع الانتشار . – غياب أي مؤطر أو موجه أو محتضن لهذا النوع من الاحتجاج، بل الشعب هو القائد والموجه والمحتضن والمتكلم والمبادر. – وأهم تحول نوعي هو انخراط أمهات المعتقلين في عرس الأحكام الثقيلة واستقبالها بالزغاريد، واعتبار أبنائهن أبطال هذا الوطن، هذا تطور نوعي في الفكر والوجدان لدى نساء الوطن وخاصة منهن أمهات وأخوات المعتقلين، اللواتي بعثتن رسالة الصمود والتحدي إلى كل من يهمه الأمر . تحول نوعي يمر منه الشعب المغربي بجميع فئاته وأعماره ومناطقه، تحول بدأ في التشكل ليصبح واقعا سياسيا يفرض مشروعه السياسي على الدولة ، ولا يهم أي شكل مؤسساتي سيكون خلالها، المهم هو الفعل والخطاب والمطالب. لقد أصبح الشعب في مواجهة مباشرة مع الدولة العميقة بعدما قدمت الأحزاب السياسية استقالتها، وضعف الحكومة وعجزها عن ممارسة دور الفاعل القوي والحقيقي في نوازل هذه المرحلة . المبادرة والمواجهة الآن بين الشعب الذي يتوق إلى الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية ، والدولة العميقة المتمثّلة في السياسيين الفاسدين والريعيين المتسولين والمتسلقين والمتملقين إلى دار المخزن. كلنا ننتظر ما ستؤول إليه هذه الأحداث الدرامية التي لا تزيد المغرب إلا تأزما وتخلفا وضياعا واضطرابا، لا ولن تنتهي إلا بالرشد السياسي والنضج الاجتماعي ، ويبدو أن ذلك بعيدا في الوقت الراهن. الله المستعان