شكل كأس العالم تظاهرة رياضية، ارتبطت بالإبداع الروحي للأوربيين خاصة بريطانيا مند ثلاثينات القرن الماضي، وقبلهم بالإغريق الذين أبدعوا الألعاب الاولمبية، ولأن كأس العالم توقفت تظاهراته بسبب الحرب العالمية الأولى ، فإن مسار هذه اللعبة، سرعان مانتقلت من دوافع رياضية للتعايش بين الشعوب إلى لعبة لتضارب المصالح الاقتصادية، بين الدول من أجل النمو ، كما حال اسبانيا التي احتضنت كأس العالم سنة1982 ، خلقت قفزة نوعية تحولت من خلاله من دولة سائرة في النمو إلى دولة متقدمة، غير أن مند بداية إعلان هذه التظاهرة ظلت إفريقيا وآسيا من القارات الاستثنائية التي غابت عنها هذه المحافل بالمقارنة مع قارات أخرى ، ولأن المغرب ظل يراوده حلم التنظيم لخمس مرات عبر مشاركته في المنافسة بالتوالي، للأسف دون أن يحقق الهدف المنشود ، وكانت دورة 2026، هذه السنة رهان أمة أكبر طموحا من ذي قبل ، غير أن عوامل متعددة ساهمت للحيلولة دون ذلك وإبقاءه حلما مشروعا لكل المغاربيين ، فكيف خالف المغرب هذا الموعد؟وما هي الأسباب الحقيقية وراء هذا الإخفاق؟؟ ، وحتى نفهم كيف انهزم المغرب في الظفر بهذه الدورة ندلي ببعض الملاحظات علها تفيدنا بالعوامل المساهمة وعلاقتها بالرهانات السياسية الإقليمية ومنها: أولا :لايمكن فصل إخفاق المغرب بكسب رهان هذا التنظيم بما هو سياسي بالدرجة الأولى والتقديرات الخاطئة التي وقع فيها الساسة المغاربة، دون قراءة واقعية لمستقبل التحكم الإقليمي ، وهنا اقصد دعمه المكشوف لهيلاري كلينتون في الانتخابات الرئاسية بالولايات المتحدةالأمريكية ، والتي إسقطها في مواجهة غريمها رولاند ترامب، الذي اعتبر المغرب واحدة من الدول التي لايمكن الرهان عليها في السياسية الأمريكية إلى درجة التوتر الحاد في العلاقات الدبلوماسية ، رغم أن المغرب يسعى أحيانا بالاستعانة بالوساطة الفرنسية.. في ملفات ذات أبعاد تنموية، وسياسية كحال الدعم الأمريكي لمشروع التنمية في الصحراء، وقضية البوليساريو في الأممالمتحدة. ثانيا:دخول المغرب في حسابات الشرق الأوسط ، تارة بتعزيز علاقاته مع التعاون الخليجي، بحيث شكل الخلاف بين قطر والسعودية واحدة من المتاهات التي ألزمت المغرب لاتخاذ موقف من هذا الصراع، ورغم سعيه إلى التشبث بالحياد ، فإن تقديمه لإعانات إلى دولة قطر من جراء حصارها من طرف السعودية برا وجوا ،ازعج هذه الأخيرة ، واضطرت للرد عليه بشن حملة إعلامية مباغتة عبر (قناة العربية)، تحرض فيها على التشكيك في مغربية الصحراء، ولم يتوقف هذا الإعلام على مواصلة الدعاية ضد المغرب في ملف الصحراء، إلا بعد الزيارات المكثفة للوفد المغربي للرياض، ودعمه علانا للسعودية في حربها ضد اليمن، غير أن هذا التقارب سرعان ما بدا يتراجع بإعلان الرباط توقيع أزيد من عشر اتفاقيات مع قطر تهم مجالات متعددة، ورغم كواليس لقاء باريس بين الملك محمد السادس،والملك السعودي سلمان، إلى جانب رئيس لبنان الحريري ، والذي تداول فيه الإعلام وعلى نطاق واسع صورة تجمع بين القادة الثلاث بباريس و برعاية فرنسية ، يراد منها التعبير كرد فعل عن مثانة العلاقات بين هؤلاء ، إلا أن بين الفينة والأخرى ظل التقرب من قطر مرة أخرى يزعج حسابات السعودية والإمارات ،و سرعان مايعيد الشك في طبيعة هذه العلاقات.. ثالثا: شكل أيضا موقف المغرب من نقل السفارة الأمريكية إلى القدس واحدة من المتاهات السياسية التي فرضت على المغرب بحكم رئاسة المغرب للجنة القدس، وأيضا خضوعه لإملاءات فرنسا ، في حين ظهرت السعودية في شخص الملك سلمان منحازة للموقف الأمريكي بشكل مباشر، ورغم سعى المغرب إلى محاولة إدراك هذه الأخطاء ومحاولة تقربه من السعودية من جديد عبر موقفها من ايران بعد تصريح الحكومة المغربية عن تورط حزب الله في دعم البوليساريو، غير أن هذا الدعم سرعان ما خلط الأوراق بعد تخلي السعودية عن دعم ملف المغرب في تنظيم كأس العالم. مجملا ، وعلى مايبذو فإن إخفاق المغرب في احتضان كأس العالم سنة 2026، فإنه من جهة أظهر على أنه قوة إقليمية ستلعب لامحالة دور الوسيط الاقتصادي في إفريقيا ، فأغلب المصوتون على المغرب من الدول الفرنكوفونية ، إلى جانب الصين وروسيا ، وهو مايعني تشكل أحلاف سياسية على حساب الرياضة ، لها مصالح مشتركة ،تعكس صورة المنافسة الحادة مع مشروع ترامب الذي يكن العداوة بشكل مباشر لغير الموالين ، كما أظهر أيضا هدا التصويت وضع خارطة طريق جديدة ما بعد الحرب الطائفية بين السعودية وإيران ، وتبق التظاهرات الرياضية اليوم حبيسة الحسابات السياسية، والمصالح الإستراتيجية ،فالمنافسة على كأس العالم بهذه الحدة تخضع لحسابات إقليمية يخطط لها مستقبلا ، فأن تكون معي،أو ضدي ، هو شعار يذكرنا بالرئيس الأمريكي الأسبق بوش الابن، والذي يتم تطبيقه اليوم و يتخذ الصبغة الدينية..