أثارت جريمة قتل تلميذ قاصر لزميله داخل إعدادية، أمس الثلاثاء، بقلعة السراغنة، الكثير من الأسئلة حول الدوافع التي جعلت من تلميذ لا يتجاوز عمره 15 سنة يرتكب جريمة شنيعة في حق تلميذ آخر لسبب تافه، وأين يكمن الخلل هل في المدرسة أم في البيت أم في المجتمع؟. وأقدم تلميذ قاصر داخل إعدادية أبو بكر القادري المعروفة بإعدادية "البهجة" بقلعة السراغنة، صباح أمس الثلاثاء، على ذبح زميله بواسطة السلاح الأبيض، وذلك لحظات بعد مغادرتهما قاعة الامتحان الموحد للمستوى الثالثة إعدادي، وذلك بعدما امتنع الضحية عن مساعدة الجاني في الغش في مادة اللغة الفرنسية. وأجمع مختصون في حديث مع جريدة "العمق"، أن مثل هذه الجرائم لا تأتي صدفة ولا من فراغ بل جاءت نتيجة مجموعة من الاختلالات التي أصبح المجتمع المغربي يعاني منها على جميع المستويات؛ اجتماعيا، اقتصاديا وسياسيا، ودينيا، وثقافيا. الخلل وفي هذا الإطار، أوضح محسن بنزاكور، المختص في علم النفس الإجتماعي، أن "هذه الحادثة التي وقعت في هذا السن الذي لا يتجاوز 15 سنة يطرح علينا سؤال هل قتل روح من طرف طفل في حق طفل آخر ألا يعيد إلى الواجهة التساؤل عن المنظومة التعليمية ككل". واعتبر بنزاكور، في تصريح لجريدة "العمق"، أنه "لا يمكن أن نقارب المسألة على أنها عملية إجرامية أو حقد بل هي بنية كلها جعلت بعض الأطفال المغاربة يستسيغون ما هو غير معقول وغير مقبول لدرجة أن اللأخلاقي واللامعقول هو السائد، حيث تجد أن الأطفال في هذا السن يؤكد أن الغش شيء ضروري بل حق ويؤمن به لدرجة لا تتصور". وأشار إلى أن "القيم والمبادئ في هذا العصر قلبت والسبب ليس هو الطفل، بل لأن القاعدة تقول أن الطفل نتاج منظومة تربوية معينة، إذن فإن الخلل ليس في الطفل لكنه في المنظومة التي أنتجته"، متسائلا في السياق ذاته، "كيف للإنسان في هذا السن أن يجعل من عملية النجاح في الامتحان تقوده إلى أن يزهق الروح، ما هذا المنطق والفكر والعقل الذي يقبل بذلك". ومن منظور المختص في علم النفس الاجتماعي محسن بنزاكور، أن "جريمة قلعة السراغنة، لا يمكن اعتبارها جريمة، لأن ركنيها طفلين، بل يمكن تسميتها جريمة التعليم بالمغرب، لأنه إذا رأينا مظاهر العنف التي تسير بشكل تصاعدي، وتزايد الاعتداءات على الأساتذة والإداريين والتلاميذ أنفسهم، وتعاطي المخدرات، ولم يحرك كل هذا المنظومة التعليمية، ولو جزء من آلياتها للقضاء على هذه المصيبة فلا يمكن إلا أن نرى مثل هذه النتائج، أمام العجز الحاصل في المنظومة التعليمية بشكل عام". وشدد المتحد ذاته، على أن الإصلاح الذي ما فتئت تنادي به وزارة التعليم "لا يهم إلا المقررات وكنت طرحت سؤال في السابق على الداودي، عن ما هو النموذج التلميذ الذي تسعون إليه، غير أنه لم يجبن، لأنه لا وجود له في مخيلتهم". وأثار استغراب بنزاكور أن هذه الحادثة لم تقع في المدن الكبرى، "التي نقول إنها تعرف تفشيا للعنف وغيابا للقيم، كما هو الحال بالدار البيضاء، وهنا ستكون تلك المقاربة ممكنة، لكن في مدينة صغيرة مثل قلعة السراغنة، وهي أصغر بعشر مرات من البيضاء، يدفعنا للتساؤل هل حتى في المدن الصغيرة أصبح هناك تراجع للعلاقات الجماعية؟". وانتقد المختص في علم النفس الاجتماعي عدم تحرك الوزارة في حادثة قلعة السراغنة، كما فعلت مع حادث الاعتداء على أستاذ بسلا، حيث قال: "الغريب في الأمر أن الذي شرمل وجه أستاذه بسلا تم اتخاذ قرار في نفس اللحظة في حق التلميذ، في حين أنه في حادثة السراغنة لم نسمع آي تحرك لوزارة التربية الوطنية بل للنيابة العامة ولم يصدر عنها أي كلمة ولم تعلن حداد". واستغرب من "سكوت وزارة التربية الوطنية على هذه الحادثة كأن تلك الروح التي أزهقت لا قيمة لها"، متسائلا: "هل هذا السكوت المطبق يعني أن الأمر تجاوزها، أم هذا الفعل الجديد تعتبره مسألة عادية، وهذا ما يجعلنا نتساءل هل هذا النموذج للتسيير ننتظر منه أن يفرز أكثر من هذا". المسؤولية يتحمل هؤلاء من جهته، قال المختص في علم الاجتماع، علي الشعباني، إنه "المسألة التي يجب الحديث عنها ليس الجريمة في حد ذاتها، وإنما حول طبيعة الجريمة، حيث هنا نجد أن تلميذا قتل تلميذا آخرا وهما متمدرسين، وعندما نقول تلاميذ فإننا نتحدث على شريحة مجتمعية، فهم ليسوا أطفالا متشردون أو تائهون في الأسواق والشوارع، وليس بينهم أي نشاط تجاري قد يؤدي الأمر إلى القتل". وأضاف الشعباني في تصريح لجريدة "العمق"، "أن تقع جريمة القتل على يد تلميذ في حق تلميذ آخر فإن السؤال الكبير الذي يجب أن نطرحه، هو أين يكمن الخلل هل في المدرسة أم في البيت أم في هؤلاء الأطفال؛ في شخصياتهم وبنياتهم وطريقة تفكيرهم؟ ومن أين يأتي هذا العنف الذي يظهر على هؤلاء الأطفال هذه هي الإشكاليات الكبيرة التي على جميع المهتمين بالطفولة أن يفكروا فيها ويجيبون عليها". وأردف أنه "لو وقعت هذه الجريمة في الشارع أو السوق بين أطفال متسكعين أو يمارسون التجارة غير النظامية كما نلاحظ في الشمال يمكن أن نعتبر أن ذلك كان نتيجة للمنافسة ولعدم إدراكهم لبعض الأمور، لكن أن تقع الجريمة في المدرسة، وما بين تلاميذ أو على الأقل أمام المدرسة هذه هي المسالة الكبيرة التي يخاف منها المجتمع المغربي في المستقبل، لأن قيمه انهارت ومنظومته التربوية أصابتها الكثير من الاختلالات". ويرى الشعباني، أن المنظومة التعليمية ليست وحدها المسؤولة عن مثل هذه الحوادث، بل هي جزء من المنظومة العامة، فالدولة مسؤولة عن أبنائها لأنها لا توفر لهم تعليما لائقا يؤدي إلى تحصينهم من الوقوع في هذه الأعمال الإجرامية"، مشددا على أن "الدولة مسؤولة بدرجة أولى في هذه المسألة لأنها هي التي تسببت في التفاوت الطبقي والفوارق الاجتماعية وإلى عدم المساواة في الحظوظ وإلى التهميش والإقصاء الاجتماعي". كما حمل الشعباني المسؤولية في الدرجة الثانية للأسرة "التي أصبحت متجاوزة في أدوارها ووظائفها فيما يتعلق بالتربية والتنشئة الاجتماعية وغرس القيم التي تحفز من خلالها الأبناء وتعدهم للمستقبل وتجعل منهم عناصر مفيدين لأنفسهم ولمجتمعهم". وفي المستوى الثالث تأتي المدرسة، حيث يرى أنها "للأسف الشديد تم إفراغها من محتواها حيث أننا في كل سنة نتحدث عن إصلاح تربوي أو تعليمي منذ الاستقلال إلى الآن ولم تستطع الدولة تفعيل هذا الإصلاح أو الوقوف على خط أساسي تسير عليه المدرسة ويسير عليه المجتمع في تنشئة وتعليم أبنائه". التخطيط للقتل مستبعد وفي السياق ذاته، أوضح الخبير في التحليل النفسي جواد مبروكي، أنه "لا يمكن أن نتخيل أن المراهق يمكنه أن يخطط للقتل كما يخطط له الإنسان الراشد فالأمر مستبعد"، مضيفا أن "المراهق تحصل لديه إضطرابات في العواطف، وتلك الانفعالات تكون بشكل قوي ولا يمكنه السيطرة عليها". "يجب أن نعلم أن المراهق دماغه لا زال غير ناضج ولا يجب أن نحكم عليه بدماغ الراشد، لأنهما دماغين مختلفين جدا. وهو لا يرى الأشياء مثل الراشد ويرى أن كل شيء ممكن لأن دماغه لا يستطيع أن يعالج (عدم نضج بعض المناطق الدماغية المختصة في تقييم الموقف والتنبأ بالأخطار) المعلومات والعمليات لموقف ما بتدقيق أو بحكمة ولهذا نراه يغامر ويعرض نفسه لأخطار كثيرة مثل سياقة الدراجة النارية أو السباحة في البحر". واعتبر مبروكي، في حديث لجريدة "العمق"، أن "مزاج المراهق غير مضبوط ويعرف تقلبات فجائية ونراه ينفعل بحدة وبعنف حتى مع والديه اللذان لا يفهمان لماذا هذا الرد العنيف لملاحظة أو نقد بسيط"، مضيفا أنه "في الواقع دماغ المراهق ليست له القدرة للتحكم في شعوره وانفعالاته وينفجر قجأة مثل البركان". وأردف المتحدث أن "دماغ المراهق يخلط بين الواقع والخيال وبإمكانه تقليد شخص ما يعجب به أو بنجم سينيمائي أو مغني ويقلد تصرفاته مثلما يقلده في اللباس والحلاقة وطريقة الكلام وحتى في البصق مثل نجوم كرة القدم. وفي غالب الأحيان يقلده حتى في عنفه أو في أي فضيحة حصلت له اعتبارا أنه بفعلها يصبح نجما كذلك". وأكد المحلل النفساني ذاته، أن "هوية المراهق مضطربة وليست ناضجة ولهذا يبحث المراهق في تقليد النجوم بشكل عام ويقتبس منهم أشياء لتكوين شخصيته"، مشيرا أنه "لا يجب أن ننسى أن هناك أمراض نفسانية وراثية مثل اضطراب ثنائي القطب والذي يظهر بشكل غير كلاسيكي عند المراهق ويكون التعبير عنه بانفعالات عنيفة حادة وخطيرة على حياته أو حياة الآخر". وتابع مبروكي، أن "هناك كذلك حالات نفسية تصيب المراهق كبداية أمراض الدهان أو شخصية معادية للمجتمع، وهناك كذلك الإدمان على المخدرات وما لذلك من عواقب وخيمة على الدماغ والسلوك".