منذ الاستقلال والمغرب لم يشهد انتخابات شبه نزيهة أو انتخابات تراعي المعايير العالمية للديمقراطية والشفافية، هذه خلاصة يسهل أن يصل لها مبتدئ في كلية الحقوق، ولا تحتاج متخصصا في أنماط الاقتراع. ويبدو أن الآمال السياسية الكبيرة لتحقيق تحول ايجابي، مع العهد الجديد خاصة بعد حديث الملك عن المفهوم الجديد للسلطة بخطابه بالدار البيضاء في السنتين الأوليتن لتوليه العرش تعرضت لامتحان عسير وتحولت لخيبة أمل كبيرة منذ اقتراع 12 شتنبر 2003 ؛ وتبعتها الهزيمة الانتخابية الذاتية للدولة في انتخابات 2007 . حيث تشكلت نسبة المشاركة المتدنية جدا فيصلا زمنيا حقيقيا في تاريخ الممارسة السياسية الشعبية. وبعثت برسائلها الخطيرة للدوائر المشرفة على المجال العام، وبدا واضحا أن نقاشا داخليا في دوائر صناعة القرار قد حدث وتحركت لفهم ماذا وقع بالضبط. وفي هذا الإطار جاء البحث الوطني، الذي اشرف عليه المعهد الملكي للدراسات الاستراتيجية، والذي انتهى إلى خلاصات مهمة تقول أن جزءا مهما من الفئات الشعبية الفقيرة والطبقة المتوسطة وخاصة الشباب قد انسل بشكل كبير من تحكم وهيمنة الدولة، ثقافيا وسياسيا. وأن هذا الوضع ساهمت فيه عوامل مركبة ومعقدة، وأنه من الصعب على الدولة هندسة روابط اجتماعية وسياسية، أو قيادتها بشكل منفرد في مغرب اليوم. فهمت الدولة رسالة 2007 الصادمة، واستعملت نتائج أكبر بحث علمي سياسي بالمغرب الذي شارك فيه حوالي 60 أكاديمي من جامعات وتخصصات متعددة. ظهر هذا في الوقت المناسب، حيث استندت الملكية إلى الخلاصات البحثية، وطرحت مبادرة إصلاحية هي الأهم في التاريخ السياسي المغربي المعاصر، وهو ما لخصه خطاب 9 مارس. غير أن الوضع ظل تحت المراقبة أو لنقل "تحت سيطرة التحكم"؛ فبعد أحداث الحراك الاجتماعي لسنة 2011، لم تتقدم العملية الانتخابية من حيث الشفافية بشكل كبير، بل استعملت الدولة الفصل 47 من النص الدستوري الفصل للتغطية على عدم شفافية الانتخابات؛ وهو ما حرم المغرب من إنجاز عملية انتخابية شبه شفافة أو ذات مصداقية حقيقية. فهل يمكن تجاوز هذا الوضع وإحياء آمال جديدة للإصلاح بقيادة الملكية؟ نظرا للتحولات الاجتماعية والسياسية التي شهدها المغرب والتي تضمّن بحث المعهد الملكي للدراسات الإستراتيجية جزءا منها، ونظرا كذلك للتوجهات الجديدة للمغرب القارية؛ فقد أصبح لزاما على صانع القرار السياسي الاستراتيجي بالمغرب، الانتقال عاجلا في المرحلة المقبلة من الإعمال الشكلي للدستور خاصة الفصل 47 منه ، إلى تأسيس مؤسسة وطنية للإشراف على الانتخابات، تكون مستقلة تمام الاستقلالية عن وزارة الداخلية، مادامت التجربة السياسية المغربية أثبتت أنه لا يمكن بحال من الأحوال إجراء انتخابات شبه نزيهة أو تقترب من النزاهة بإشراف وزارة الداخلية بالمغرب؛ بالرغم من التحسن الإيجابي الذي شهده هذا القطاع الوزاري في تعامله مع العملية الانتخابية. وبما أن المغرب يستعد للعودة للمنظومة الإفريقية؛ والمملكة تحتل الرتبة 18 في سلم الديمقراطية الإفريقية، فما على المغرب في العهد الجديد إلا أن يستفيد من تجربة الأفارقة لتحسين صورته الديمقراطية قاريا ؛ ولدى أصبح لزاما تأسيس (لجنة وطنية للإشراف على الانتخابات)؛ لتجاوز مشكلة التقارير الدولية الطاعنة في شفافية ومصداقية الديمقراطية المغربية ، وفي نفس الوقت، فأن هذا أي اشراف لهيئة مستقل على الانتخابات يعني تجاوب رسمي مع رسالة المقاطعة التي وجهها المغاربة للدولة في انتخابات 2007 وصولا لانتخابات 2016. ويبدو أن العهد الجديد في حاجة فعلية لمثل هذه الخطوات لينال ثقة الأفارقة والغرب، ومختلف الفئات الشعبية بالمملكة، ليصدق الجميع أن هناك شيئا يطلق عليه الاستثناء المغربي.