نسبة ملء السدود بالمغرب تتجاوز 35 بالمائة    البيجيدي يندد باستئناف حرب الإبادة ضد الشعب الفلسطيني داعيا إلى تدخل مغربي لوقف العدوان    بطولة العالم للملاكمة النسائية (صربيا 2025)..التتويج باللقب العالمي يشكل حافزا لتحقيق إنجاز مماثل في أولمبياد 2028 (وداد برطال)    الكاف: وليد الركراكي حقّق إنجازا تاريخيا رفقة المنتخب المغربي    دعوات في المغرب إلى احتجاجات تضامنية مع الفلسطينيين بعد غارت إسرائيلية أودت ب413 شخصا في غزة    أولمبيك خريبكة يعلن تعيين التونسي منير شبيل مدربا للفريق    حماس تعلن أسماء قياديين قتلوا بضربات إسرائيل على غزة    ما هي ظاهرة النينيا التي تؤثر على طقس المغرب؟    المتصرفون التربويون يصعدون ضد وزارة برادة ل" تحقيق الإنصاف واسترداد الحقوق "    مجلس الحكومة يتدارس مدونة السير    الرئاسة المغربية لمجلس السلم والأمن: المملكة تدعو إلى العمل على استعادة الاستقرار والسلم والازدهار بجنوب السودان    الخطوط الملكية المغربية تكثف حملاتها الترويجية لتنشيط خط الدار البيضاء – ساو باولو    سعر الذهب يسجل مستوى قياسيا جديدا    بورصة البيضاء تفتتح التداول بالأخضر    المكتب الوطني للفضاء المغربي للمهنيين يناقش تحديات التجارة والاستثمار ويدعو لإصلاحات عاجلة    ضبط 300 كيلو من اللحوم والأغذية الفاسدة في خنيفرة    مشروع قانون لاستغلال المقاهي والمطاعم يشعل فتيل الخلاف بين المهنيين    خبير ينتقد تقرير المجلس الأعلى للتربية والتكوين حول مدارس الرّيادة لأنه يفتقد إلى الموضوعية والعلمية    أربع ميداليات للمغرب في الألعاب العالمية الشتوية - تورينو 2025    مدرب رينجرز يشيد بإيغامان: "موهبة كبيرة ويمكنه الوصول إلى مستويات عالية في عالم كرة القدم"    الركراكي يصر على قدوم لاعبه الطالبي إلى التدرايب رغم الإصابة والصحراوي يلتحق مصابا    ميلاد رسمي لنشاز سياسي    الكونغرس البيروفي يحث الحكومة على دعم مغربية الصحراء    التغيير في المغرب ممكن لكن بشروط..!    وفاة الصحافي محمد رشيد ناصر.. فقدان صوت إذاعي مميز    طقس الثلاثاء: أمطار وثلوج بعدد من المناطق    كيوسك الثلاثاء | المغرب يتربع على عرش مصنعي السيارات بالشرق الأوسط وإفريقيا    أكثر من 350 قتيل بعد استئناف اسرائيل عدوانها على قطاع غزة    حماس: نتنياهو قرّر "التضحية" بالرهائن    روبنسون الظهير الأيسر لفولهام الإنجليزي: "حكيمي أفضل ظهير أيمن في العالم"    دراسة: نقص الوزن عند الولادة يؤثر على استعداد الأطفال لدخول المدرسة    الانتقال الرقمي.. دينامية جديدة للتعاون بين الرباط وواشنطن    الصين تطلق أول سفينة ركاب سياحية بحرية كهربائية بالكامل    الجزائر ترفض قائمة بجزائريين تريد باريس ترحيلهم وتندد بهذه الخطوة    مختصون يناقشون راهن الشعر الأمازيغي بالريف في طاولة مستديرة بالناظور وهذا موعدها    إسرائيل تشنّ هجوما واسعا على غزة    "التراث الإسلامي في طنجة: بين ندرة المعطيات وضرورة حفظ الذاكرة"    شراكة جديدة بين مؤسسة التمويل الدولية والمركز الجهوي للاستثمار بجهة طنجة-تطوان-الحسيمة لتعزيز التنافسية المستدامة للجهة    "إفطار رمضاني" في العاصمة الرباط يُنوه بتوازن النموذج الحضاري المغربي    مارين لوبان تدعو الحكومة الفرنسية إلى التصعيد ضد الجزائر    شراكة استراتيجية تحول جهة طنجة تطوان الحسيمة إلى مركز استثماري أخضر عالمي    الشيخ أبو إسحاق الحويني يرحل إلى دار البقاء    الترجمة و''عُقْدة'' الفرنسية    الألكسو تكرم الشاعر محمد بنيس في اليوم العربي للشعر    "دخلنا التاريخ معًا".. يسار يشكر جمهوره بعد نجاح "لمهيب"    "طنجة تتألق في ليلة روحانية: ملحمة الأذكار والأسرار في مديح المختار"    التوتر الأسري في رمضان: بين الضغوط المادية والإجهاد النفسي…أخصائية تقترح عبر "رسالة 24 "حلولا للتخفيف منه    الرياضة في كورنيش مرقالة خلال رمضان: بين النشاط البدني واللقاءات الاجتماعية    الدبلوماسية الناعمة للفنون والحرف التقليدية المغربية.. بقلم // عبده حقي    البطولة الاحترافية "إنوي" للقسم الأول (الدورة ال 25).. شباب المحمدية ينهزم أمام ضيفه حسنية أكادير (4-0)    دراسة جديدة تربط بين الطقس الحار وأمراض القلب في أستراليا    شهر رمضان في أجواء البادية المغربية.. على إيقاع شروق الشمس وغروبها    حادثة سير خطيرة قرب طنجة تسفر عن وفاة وإصابات خطيرة    لا أيمان لمن لا أمانة له ...    الأدوية الأكثر طلبا خلال رمضان المضادة للحموضة و قرحة المعدة!    ارتباك النوم في رمضان يطلق تحذيرات أطباء مغاربة من "مخاطر جمّة"    أبرز المعارك الإسلامية.. غزوة "بني قينقاع" حين انتصر النبي لشرف سيدة مسلمة    ظاهرة فلكية نادرة مرتقبة فجر يوم غدٍ الجمعة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مستقبل المقاطعة
نشر في العمق المغربي يوم 29 - 05 - 2018

تعتبر المقاطعة الأخيرة مقاطعة غير مسبوقة (مع العلم أن المغاربة سبق أن مارسوا المقاطعة سواء اقتصادية أو سياسية وكانت أيضا موجهة ضد المنتوجات الأمريكية والإسرائيلية), من حيث التأثير أو من حيث الشكل والمضمون، مقاطعة ثلاث شركات تهيمن على السوق فيما يخص ما تنتجه وذلك من أجل الضغط عليها كي تخفض الأثمان، هي فكرة بسيطة مما يعني أنها ليست مخطط لها بشكل جدي فليست هناك تجربة سابقة قد أكدت نجاح مثلها ، كما أن التحليلات الاقتصادية أيضا استبعدت أن تتحقق النتيجة على هذا الشكل بل هناك من اعتبر بأن هاته الاستراتيجية ستأتي بنتائج عكسية.
حاول البعض أن يجد تفسيرات لاختيار هاته المنتجات، بالفعل تجمع هاته الشركات بعض القواسم كالاحتكار ونقص المواطنة و لكن هاته التفسيرات في الحقيقة هي تأويلات وليست الأسباب الحقيقية التي اختيرت على أساسها هاته المنتجات فالاختيار كان فيه اعتباطية لا من حيث السياق حيث أن الظرفية لا يستشف منها انطلاق هاته المقاطعة أو لنقل المحفز الذي أطلقها، فهناك أسباب عميقة بالتأكيد تتمثل في الفقر وضعف القدرة الشرائية وتحول في التعاطي مع الشأن العام بالنسبة للمغاربة.. تجعل مثل هاته الأحداث تنشأ في أية لحظة وخصوصا حين تحدث واقعة ما, أو القواسم المشتركة بين الشركات التي ليست كلها مواد أساسية ولا تشمل كل المواد الأساسية ومعيار السعر الذي لا يستجيب لحالة سيدي علي لأن الشركة لم يثبت رغم احتكارها للسوق التحكم في السعر , ثم من وراءها السؤال الذي لم يعثر له على جواب رغم ادعاء البعض أن محسوبين على حزب العدالة والتنمية هم من وراءها لكن لم يثبت أي دليل على ذلك فقط بعض التخمينات , وهذا الادعاء تراجع عنه حتى من كان يميل له وأصبح الاهتمام حول ما هو ملموس.
الهدف الأساسي الذي تسعى اليه هاته المقاطعة هو تخفيض الأثمان وهذا ما يريده جل المقاطعين والذين يشتكون من الغلاء فهناك من يتحدث عن الغلاء بشكل عام على اثر هاته المقاطعة مما يجعله أيضا يتحدث عن المقاطعة بشكل عام وانخراطه فيها دون أن يستوعب خصائص المقاطعة الحالية وأبعادها وهناك من يستوعب بعض الأشياء ومن يستوعب المقاطعة في أبعادها الاقتصادية الاجتماعية والسياسية, هذا الاستيعاب المتفاوت يعني أيضا أن المساهمين فيها هم من مختلف الفئات الاجتماعية فقيرة ومتوسطة ومن يقول حتى الميسورين وجميع هاته الفئات ساهمت في النجاح الذي حققته.
في البداية تم التقليل من شأن هاته الحملة من طرف المسؤولين الحكوميين والشركات وعدد من المتتبعين ، وذهب البعض الى نعت المقاطعين بأوصاف تنم عن استخفاف بالقوى المجتمعية خصوصا غير المعتادة وقد تم التراجع عن بعض هذه الأوصاف التي تركت أثرا في النفوس مع ذلك مما يستدعي من المسؤولين أن يحركوا لسانهه ألف مرة قبل أن يطلقوا مثل هاته العبارات كما يقول المثل لأنه يصعب محوها في بيئة يسود نقمة على الماسكين بالشأن العام,مع بعض الاستثناءات عبرت عنها عدد من التوجهات السياسية والجمعوية والآراء المختلفة لكن مع توالي الأيام وظهور تأثيرات المقاطعة بدأت تكثر ردود الفعل سواء من المسؤولين أو الشركات وكذا الاهتمام الاعلامي مع بعض التجاوزات في حق المقاطعين دائما ، كما تزايدت عدد المواقف من شخصيات معروفة تساند أو تعطي معنى للمقاطعة، لكن أغلب المثقفين ظلوا بعيدين عن الموضوع ربما يعتبرونه لايرقى الى اهتماماتهم أو لأنه نابع من المجتمع وليسوا هم من وضعه في سلم الأولويات أو لأن لا مصلحة شخصية لهم والهاجس السياسي بدوره حاضر بما أن المعني بالمقاطعة متوغل في السياسة , فهناك من يعتبر معركة مثل هاته تافهة رغم أنها قد تتطور الى ما هو أهم لوجود ارتباطات بين المجالات التي تتميز باللاعقلانية في نظام هجين, وهذا ماحصل بخصوص هاته الحملة, ليصاحبها اثارة عدد من المواضيع المرتبطة كصندوق المقاصة والعلاقة بين المال والسلطة وارتفاع تكاليف المعيشة.. يعني أن هاته المقاطعة في سعيها الى تحقيق أهدافها أبرزت المعيقات التي تقف أمام تحقيق هاته الأهداف ما اعتبره البعض انحرافا بها الى ما هو سياسي في حين أن عدم الاستجابة الى مطالب واضحة يؤدي الى البحث في الأسباب العميقة التي تمنع الشركات والحكومة من تحقيق عدد من المطالب,فهذا يرجع الى طبيعة النمط الاقتصادي المغربي الريعي الاحتكاري والمراقب من السلطة فالسياسي يهيمن على الاقتصادي، كمثال على ذلك والذي لاعلاقة له بالمقاطعة ما نشرته الصحافة عن عدم السماح لشركة سهام من بيع أسهمها لشركة من جنوب افريقيا رغم أن الاتفاق كان قد حصل بين الشركتين .
بدأت بوادر تغيير الخطاب حول المقاطعة في عدد من المنابر الاعلامية القريبة من الجهات الرسمية وعلى عكس ذلك فالحكومة بقيت تتعامل بخطاب تهديدي ما اعتبره البعض جر الحزب الاسلامي للمواجهة مع الرأي العام, فحاولت الحكومة تدارك ذلك وتغيير خطابها بالاعتذار والدعوة للمصالحة ما فعلته شركة الحليب كذلك قبلها, ومع هذا التحول اتجه التفكير الى احتمال وجود احتواء والتفاف على هاته المقاطعة, رغم ذلك لم تتراجع الحملة مع دخول رمضان رغم أنه من المبكر معرفة تأثير هذا الشهر عليها وهذا الاستمرار للمقاطعة والذي تم اضافة السمك كمستهدف رابع فيها و التي لازالت في بدايتها ورغم ذلك أحدثت وقعا واضحا في عدد من أسواق بيع السمك واثارة موضوع الصيد البحري والمضاربة ؛
يعزى عدم تخفيض الأثمان رغم أن سنترال قد خفضتها طيلة شهر رمضان وسيدي علي تواصلت مع المستهلكين ودعت الى زيارة نبعها لمعرفة الحقيقة, فمقاطعة هاته الشركة يعززه أيضا ما يقال حول استغلالها الجشع لمياه المنطقة وهذا يطرح اشكالا آخر على المقاطعة فهل تخفيض الأثمان سيبرر استهلاك هاته المياه لو بقيت الوضعية على حالها ؟ أما مقاطعة افريقيا فقد أدت الى اخراج تقرير المحروقات العالق الذي حذفت منه أرباح الشركات وعقد التأمين لسعر المحروقات، هذا اتضح من خلال المقارنة بين التقرير الأولي الذي حصلت عليه وسائل اعلامية والذي لم تخرجه لجنة المالية الى العلن مكتفية بتقرير ناقص، اتضح من خلاله أن الأرباح التي حققتها الشركات كانت جشعة وفضيحة أخلاقية، لأنها تجاوزت السقف الذي اتفقت عليه الحكومة مع الشركات بدرهم واحد كما جاء على لسان البرلماني "بوانو", لا يبدو أن شركة افريقيا ستقبل على نقص في الثمن قد يتجاوز بضع سنتيمات وهو السعر الذي كانت تتعامل به قبل المقاطعة والذي يقل قليلا عن الشركات الأخرى، قد يعتبر هذا مميزا للشركة باعتبارها مواطنة لكنها من جهة أخرى تحظى بعدد من الامتيازات و أكبر حصة من الدعم العمومي, فمن التجارب السابقة لا يمكن الا أن نستبعد استرجاع الأرباح الفائضة التي حصلت عليها الشركات كما طالب بذلك البرلماني "بلافريج" ومن المستبعد كذلك أن يرجع الأخذ بصندوق المقاصة على الأقل بالكيفية التي كان عليها من قبل، فقد يتم تحديد سعر للبيع أو زيادة الضرائب اذا كانت الشركات في كل الأحوال تحقق أرباحا كبرى كما أن هاته المقاطعة ستأثر على شركة افريقيا سواء من خلال علاقتها مع الدولة أو من خلال اختيارات المستهلكين مما سيعيد تنظيم السوق، كما من المرتقب أن يتم تعيين مجلس المنافسة ومراقبة أكثر للأسواق واخراج بعض القوانين التي لها علاقة بالاستهلاك كما تم السماح لجمعيات حماية المستهلكن بالترافع أمام القضاء مع أن شروط الترخيص تعتبر تعجيزية كما وصف, دون استبعاد التداعيات السياسية المستقبلية لهاته المقاطعة.
يمكن اعتبار هاته المقاطعة بما لها من فجوات تجربة فريدة قادها مجتمع متحمس أغلبيته من الشباب، بوعي ديناميكي وساند روحها أشخاص وتوجهات لها حضور مجتمعي, إلا أنه لا يمكن التعويل عليها طويلا اذا لم تتجاوز تناقضاتها كما أنها ليست وحدها كافية رغم ما حققته فستظل الأشكال الأخرى للاحتجاج ضرورية بما فيها الفضاء العام رغم أخطار التدخلات العنيفة لأن هاته الأشكال لازالت حاضرة حتى لدى المجتمعات المتقدمة رغم وجود مؤسسات قوية, فالمقاطعة أيضا ستأخذ مكانها بين الأشكال الأخرى في الدفاع عن الحقوق.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.