على رأس كل سنتين من العقد وتحديدا في شهر يناير ، تنجذب أنظار المتتبعين الرياضيين إلى بطولة كاس إفريقيا للأمم ، ذلك المحفل الكروي الذي ما فتئ يستقطب الكشافة والمحللين الرياضيين والفاعلين الاقتصاديين والسياسيين إلى أن أصبح طوق النجاة لبعض الدول لاستتباب أمنها وشر مطلق لدول قد يهدد استقرارها ، وبين هذا وذاك تجد الشركات العملاقة في البث والإعلان والتسويق ضالتها في بطولة يعشقها الكبير قبل الصغير ولفقر شعبها وجهله يتم جني الأموال الطائلة ، وهكذا تستمر الحكاية . قبل سنتين من الآن ، تقدم المغرب الذي وقع عليه الاختيار بتنظيم "CAN 2015" بطلب تأجيل البطولة إلى فصل الصيف بالنظر لكون وباء "الإيبولا" القاتل لازال العالم لم يعرف له مخرجا ،فكان القرار احترازيا بحكم أن السياحة تعتبر موردا مهما يساهم في إنعاش الاقتصاد ودرءا للمخاوف الأمنية المترتبة عن التنظيم فما سيجنيه المغرب من البطولة لن يكون على المستوى المادي ،بل التقني في حال الفوز بالبطولة ،فاختار المسؤولون المغاربة التضحية بالكرة والكأس وبقاء الوضع أكثر استقرارا . من جهة أخرى ، تمكن الرئيس "محمد علي بونغو " من الفوز بولاية رئاسية جديدة تمتد لست سنوات إضافية مخلدا على عرش الغابون وسيرا على نهج سلفه"عمر بونغو" الأب ، فلم يطق الشعب الغابوني بقاء نفس الأسرة في الحكم واتهم البعض الرئيس بتزوير الانتخابات وعمت احتجاجات كبيرة في البلاد ، وضع غير مستقر ، دفع بالمحكمة للتدخل لإبقاء الرئيس وتعتبر كاس إفريقيا للأمم المزمع إقامتها بالبلد هذه السنة خير اختبار للأمن والاستقرار وفرصة سانحة كي ينسى الغابونيون مرارة الأوضاع فالبطولة هذه المرة "طوق النجاة" . يسهر على تنظيم هذا الحدث الاتحاد الإفريقي لكرة القدم، والذي ينتهز الفرصة للقيام بصفقات مع شركات عملاقة تساعده في التنظيم وترفع من أسهم البطولة على الصعيد العالمي ، وفي هذا الصدد ، مثل توقيع الاتفاق مع شركة "لاغاردير الفرنسية " التابعة للمجموعة التي يرأسها القطري "ناصر الخليفي" والذي يقضي بتفويت حقوق البث التلفزيوني للشركة الفرنسية مقابل مليار أورو شاملا بذلك كل البطولات التي تنضوي تحت ظلال الكاف ، مما يساهم في احتكار النقل في عالم يعشق الكرة حتى النخاع الشيء الذي سينتج عنه الرغبة في الاشتراك للمشاهدة وتكون الشركة الرابح الأول من الصفقة موازاة مع الاتحاد الإفريقي. يضاف إلى ذلك شركة "أورنج " الفرنسية البارزة في مجال الاتصال إلى حد اقتران البطولة باسمها ،هي فرصة لا تعوض لتطوير علامتها التجارية على حساب عالم ينتشر فيه الجهل والفقر وينمو فيه الاحتكار إلى حد بعيد عبر عقود الرعاية لبطولة المليار نسمة، بالإضافة لشركة "طوطال " الناشطة في مجال النفط والغاز والمصنفة رابعة على الصعيد الدولي. خلاصة الكلام ، يعتبر كاس إفريقيا من البطولات الكبرى في العالم ،نظرا لتطور المستوى التقني للمنتخبات ،والمتابعة الإعلامية المهمة، والشغف اللامتناهي من ساكنة إفريقيا بالبطولة ، مما يجعل الشركات العملاقة اكبر مستفيد من التنظيم، إلى جانب الطغاة الذين يجدون البطولة فرصة مناسبة للضحك على الذقون إنها "صناعة ذهنيات الشعوب " ويبقى السؤال : لماذا ينظم الكأس على رأس كل سنتين لا على رأس كل أربع سنوات كسائر البطولات الإقليمية ؟