قرر أن يمتهن الصحافة ولا حول ولا قوة إلا بالله.. والحوقلة هي البسملة في مثل هذه المواقف، إذ أن هذه المهنة تودي بصاحبها خلف القضبان على وجه التأكيد، سواء كانت قضبانا من حديد، أو من ذهب، أو حتى من أسمال بالية أُلقي بها في مزابل الهوامش، في دنيا "التنانين" المنتشرة في كل مكان.. وبمناسبة الحديث عن "التنانين" ما زلت أذكر صديقنا التنين الصغير "غريسو" بطل الرسوم المتحركة أيام طفولتنا، الذي كان حلمه أن يصبح رجل إطفاء! الحلم الذي كان يجلط أباه كل ما نطق به أمامه، إذ بحلمه ذاك يخالف غريسو قوانين التنانين، وعوض أن يحافظ على تراث العرق بنفث النيران في كل مكان، يريد أن يقوم بالعكس، وينتقل من النقيض إلى النقيض، مهددا بوقف السلالة، وتدمير إرث العروق والسنين.. وطبعا صديقنا الحالم لم يفلح أبدا في تحقيق حلمه، وأنّا له أن يخالف أثقال الجينات والطبائع.. والطبع ظل ثقيل ملتصق بصاحبه لا يستطيع فكاكا عنه، وقديما ارتأت سيدة تربية ذئب صغير التقطته من الضياع وجعلته مع غنمها وماعزها ونيتها الحسنة تحويله إلى كبش، أو على الأقل "ذئب لايت"، لكن الطبع غلاب، كما هو الهوى عند أم كلثوم، وسرعان ما برزت الأنياب وفعلت فعلتها، ولم يكن من السيدة ذات النية الحسنة إلا أن لخصت الخلاصة بقولها: بقرت شويهتي وفجعت قلبي *** وأنت لشاتنا ولد ربيب غذيت بدرها وربيت فينا *** فمن أنباك أن أباك ذيب نعم، من أخبرك أن أباك ذئب، وأنا التي رعيتك وربيتك وزرعتك وسط الأغنام والماعز، وعشت وسطهم كالأخ الحبيب، لكن دماء "الذؤوبية" سرعان ما تفجرت فيك وتذكرت ماضي آبائك وأجدادك.. على الأقل "غريسو" نيته حسنة، ويرغب في مساعدة الناس، وحتى أبوه نيته مفهومة، فهو يرغب في مساعدة "التنانين" من فصيلته والحفاظ على تراثهم وتراكمهم، الغير مفهوم بالمطلق، هو إصرار أهل المهنة أنفسهم على تدميرها، وكانت مبتدأهم على الأقل، أما خبرهم فعند كان.. وقديما قالوا، إن أردت قتل مهنة فشكّل لها مجلسا وطنيا بعد أن شكلت لها نقابة قبل عقود، والتشفي في الميت حرام، وكذلك تذكيره بمهنته، ومبتدئه.