بالرغم من قصر البلاغ الذي أصدره ليلة أمس ،السيد عبد الإله بنكيران ،رئيس الحكومة المعين في معرض رده على البيان الرباعي الذي أصدرته مجموعة ( جي 4 ) ،المتكونة من أحزاب الأحرار والحركة والاتحادين الاشتراكي والدستوري بزعامة الملياردي عزيز أخنوش ،فقد كانت سرعة انتشاره والاهتمام الذي لقيه بين متتبعي الشأن العام ومصير المشاورات السياسية بشأن تشكيل الحكومة أكبر بكثير من ذلك البيان الذي أصدرته مجموعة (جي 4 ). كما أن الأسلوب المنطقي واللغة اللتي صيغ بها البلاغ ،إضافة إلى توقيت صدروه ،جعلاه يحتل موقع الصدارة في التداول بين رواد مواقع التواصل الاجتماعي في وقت قياسي مما يدل على الأهمية التي حظي بها البلاغ فور صدوره. غير أن أهمية وقوة بلاغ بنكيران تكمن أيضا في الدلالات التي حملها فهو: - بلاغ جاء لتصحيح مسار الفعل السياسي المرتبط بتشكيل الحكومة ورد للأمور ،التي انزاحت عن ذلك المسار ،إلى نصابها. ذلك أنه بعد ثلاثة أشهر من اللف والدوارن الذي مارسته أحجار التحكم التي تم القذف بها على رقعة السياسة مباشرة بعد ظهور نتائج اقتراع 07 أكتوبر والتعيين الملكي للسيد بنكيران أمين عام حزب العدالة والتنمية ،ظن القوم بذلك أنه باستطاعتهم تمييع السياسة وإطفاء وهج (( مقاربة الإصلاح في ظل الاستقرار )) الذي ازدادت قوته بالانتصار الكبير الذي حققه إخوان بنكيران ومناصريهم للمرة الثانية على التوالي. - بلاغ بنكيران هو قطع لطريق الهروب إلى الأمام الذي اختارته مجموعة ( جي 4) بإصدارها لبيانها المعبرة فيه عن تشبثها بالدخول للحكومة سوية بزعامة عزيز أخنوش ،موظفة في ذلك ،رمزية الخطاب الملكي في دكار ،بمناسبة المسيرة الخضراء ،والذي أعلن فيه الملك رغبته في تشكيل حكومة قوية ومنسجمة ذات كفاءة تدبيرية للشأن الحكومي ،وكأن مجموعة الأحزاب الإدارية ومعها حزب الاتحاد الاشتراكي هي المعنية وحدها بالإشارة الملكية ،أو أن الكفاءة والانسجام التي يمكن أن يجدها رئيس الحكومة في فريقه الحكومي المرتقب منحصر فيها وحدها دون غيرها من الأحزاب السياسية. - بلاغ بنكيران هو قبل هذا وذاك انتصار للسياسة على المقاولة ،انتصار للإرادة الشعبية المعبر عنها في صناديق الاقتراع يوم 07 أكتوبر الماضي على إرادة الالتفاف على نتائج التجربة الديمقراطية الناشئة برمتها لأجل إفراغها من الزخم الشعبي الذي راكمته والساعية إلى إغلاق قوس فتح بعد دستور 2011. - كما أنه يمكن اعتبار بلاغ رئيس الحكومة هو بمثابة إعادة عقارب ساعة المشاورات السياسة إلى الدقيقة الموالية للحظة التعيين الملكي لبنكيران ،وتكليفه ببدأ المشاورات السياسية مع الأحزاب السياسية المعنية بالتحالف مع حزب العدالة والتنمية لأجل تشكيل حكومته الثانية. وعليه ،فإنه يمكن القول ،وبالنظر للأحداث المتسارعة منذ لحظة لقاء مستشاري الملك مع رئيس الحكومة ،مرورا بأزمة تصريحات " مغربية موريتانيا " ،ووصولا إلى بيان مجموعة ( جي 4 ) وبلاغ الأستاذ بنكيران ليلة أمس ،الذي أعلن فيه توقف المشاورات بشأن تشكيل الحكومة مع كل من عزيز أخنوش رئيس حزب التجمع الوطني للأحرار ،وامحند العنصر رئيس حزب الحركة الشعبية ،أن الأمور تسير باتجاه سيناريوهين اثنين لا ثالث لهما. السيناريو الأول: أن يعمد رئيس الحكومة المعين إلى انتظار ما ستسفر عنه " الرجات الارتدادية " التي سيخلقها "زلزال " بلاغه ليوم أمس في معسكر ( جي 4 ) بقيادتيه المعلنة والمستترة .مما سيدفع من يقف خلف " البلوكاج الحكومي " إلى تقديم عرض بديل للسيد رئيس الحكومة ،أقله القبول بعرض تشكيل الحكومة بأحزاب التحالف الحكومي السابق. غير أن احتمال وقوع هذا السيناريو مرتبط بما إذا أمكن اعتبار بلاغ بنكيران بمثابة مناورة هجومية منه تهدف لخلط أوراق أخنوش ومن معه عبر قطع طريق المناورة أمامهم التي أرادوا القيام بها عبر بيانهم الرباعي. السيناريو الثاني: أن يعمد رئيس الحكومة إلى الذهاب إلى البرلمان بحكومة أقلية يرجع معها حزب الاستقلال إلى التحالف الحكومي رفقة حزب التقدم والاشتراكية ،وينتظر ما يمكن أن يسفر عنه التصويت البرلماني على حكومته ،ويتحمل هو بذلك مسؤوليته السياسية كاملة غير منقوصة. في أفق أن يلتحق بالتحالف الحكومي أحد الحزبين الإداريين المعنيين بالبلاغ ،حزب الحركة الشعبية أو حزب التجمع الوطني للأحرار أو هما معا.