جاءت تطورات المنطقة العازلة لتكشف مرة أخرى اتساع الهوة بين الجزائر وجبهة البوليساريو الانفصالية من جهة، والمغرب من جهة ثانية. ورغم أن التطورات الأخيرة تبدو للوهلة الأولى شبه عادية، خاصة وأن البوليساريو لها وجود فعلي منذ سنة 2000 في بعض المناطق التي تسميها قرارات الأممالمتحدة بالمنطقة العازلة. إلا أن الأمور أخذت بعدا آخر، خاصة في السنتين الأخيرتين، من الناحية السياسية والاقتصادية والعسكرية؛ حيث أجرت البوليساريو مناورات عسكرية بالسلاح الثقيل سنة 2017 بمنطقة "أكوينيت". وقبل تفسير ما يجري حاليا، نشير هنا لبعض المناطق التي تعتبرها الأممالمتحدة مناطق عازلة ومحظورة ومنها: مدينة بئر لحلو، و تيفارتي ومناطق أكوانيت وأمغالة و دوكاج وبير تيريسيت وميجك، وكذلك منطقة زواك ومهيريست على الحدود المغربية المورتانية. لماذا معركة المناطق العازلة والمحظورة؟ عمدت البوليساريو إلى استحداث "كلمة" جديدة في خطابها التعبوي، وهي "المناطق المحررة". وكما هو واضح فلا وجود لما يسمى بالمناطق المحررة في أي وثيقة رسمية للأمم المتحدة سواء تعلق الأمر بالقرارات ذات الصلة بالصراع؛ أو قرار ووقف إطلاق النار، أو الاتفاق العسكري رقم 1 المتعلق بالمناطق العازلة والمحظورة. أولا: بالنسبة للبوليساريو والجزائر فنهاية سنة 2018 حاسمة فيما يخص إعادة انتشار المخيمات شرق الجدار العازل . وقد اتفق اجتماع لقادة جبهة البوليساريو يوم الجمعة 3 مارس 2017 ، ببلدة بئر لحلو على إعمار ما تعتبره الجبهة "الأراضي المحرّرة"، مشيرا أن تواجد المدنين بكثافة في هذه المناطق يستلزم بناء مرافق ومؤسسات عامة. ومن هنا تسابق البوليساريو الزمن لبناء كيان مؤسساتي، من خلال السيطرة الأمنية والعسكرية على منطقة واسعة من الأراضي؛ واتخاذ تفاريتي عاصمة مؤقتة، عوضا عن بئر لحو البعيدة عن التجمعات السكانية للمخيمات. وفي سياق متصل، أصبح وجود المخيمات في تندوف معرقلا للخطة التنموية الجزائرية الخاصة بهذه الولاية؛ فسكان تندوف كما تقول جريدة الشروق الجزائرية" ينامون على ثروة 1.5 مليار طن من المعدن الرمادي" ومن المنتظر أن يبدأ استغلالها" سنة 2021، بعد أن أنهت المؤسسة الصينية سينوستيل للتجهيز والهندسة، دراسة خاصة للمشروع. وقد رصدت الحكومة الجزائرية 15 مليار دولار لإنجاز الخطة المتعلق باستغلال منجم الحديد بغار جبيلات ؛ كما خصصت 384 مليار سنتيم لدعم تنمية عدد من المشاريع الاقتصادية والاجتماعية لتندوف . ثانيا: تسعى خطوة البوليساريو إلى خلق عرف دبلوماسي دولي يقر بتفسير جديد للاتفاق العسكري رقم 1 المرتبط بقرار وقف إطلاق النار. وهنا نشير إلى استقبال بعض المبعوثين الدوليين في هذه المناطق، ومنهم سفراء دول؛ وقد اعتبرت الجبهة الانفصالية زيارة الأمين العام السابق للأمم المتحدة بان كيمون ويوم 5 مارس 2016، اعترافا من الأممالمتحدة بما سمته "المناطق المحررة". وتريد البوليساريو في 2018 ترسيخ هذا المعطى من خلال اشتراطها استقبال رئيس بعثة المينورسو، الممثل الخاص للأمين العام، كولن ستيوارت، ، في تيفاريتي أو في بير لحلو، وليس في مدينة تندوف الجزائرية. من جهتها تعمل الجزائر على دعم سيطرة البوليساريو على هذه المناطق بوسائل مختلفة منها، منحها صبغة "التعاون والتوأمة" الدولية، من خلال الاتفاقيات التي عقدتها بلديتا معسكر، وتيفاريتي بتاريخ 08 – 06 – 2008. ومن هنا فإن سكوت المغرب على الالتفاف غير القانوني الذي تمارسه البوليساريو، سيوسع من دائرة الاعتراف الدولي بالسيطرة الفعلية للجبهة على المناطق المشار إليها أعلاه. ثالثا: ويتعلق الأمر بواحد من المعطيات المغيبة إعلاميا، ويمكن تسميته "بحرب المعادن"، والممرات البرية. حيث يفترض طبقا لبعض الدراسات والتقارير أن بعض المناطق التي تعتبرها الأممالمتحدة منا طق عازلة تحتوي على معادن؛ ومن تلك المناطق التي تتحدث عنها البوليساريو منطقة ميجك التي تمارس بها الجبهة الانفصالية حاليا، التنقيب البدائي عن الذهب. وفي إطار الخروقات القانونية المتعلقة بالمعادن والطاقة؛ قامت البوليساريو بخرق قرار وقف إطلاق النار والاتفاقات العسكرية المكملة له الخاصة بالمناطق العازلة؛ حيث وقعت الجبهة الانفصالية سنة 2014 سبع اتفاقيات للتنقيب عن المعادن، في هذه المناطق العازلة، مع شركة "هانو ريسورس ليمتيد" الأسترالية. كما قدمت 8 رخص للتنقيب عن البترول والغاز الطبيعي لشركات أجنبية بالمناطق التي تسميها الأممالمتحدة بالمنطقة العازلة، وتمثل مساحتها حوالي 20 بالمئة من أراضي الصحراء المغربية. رابعا: من جهة أخرى وجب فهم حدة هذا الصراع المغربي الجزائري، ضمن التنافس المغربي الجزائري الخاص بأسواق إفريقيا؛ وأن هذا التنافس يرتبط بشكل عضوي بقضية الصحراء، ومستقبل المنطقة العازلة. ولطبيعة هذا الترابط قررت الجزائر تحويل تندوف (المقر الحالي للجبهة الإنفصالية)، إلى بوابة نحو الغرب الإفريقي، عبر مورتانيا والسينغال. وهذا ما يفسر لماذا تدفع الجزائر بقوة لإفراغ المنطقة من المخيمات وتحول سكانها من الصحراويين إلى منطقتي تفاريتي وبئر لحلو. أما غربا فإن الجزائر تستعد لإنهاء مشروع ضخم ويتعلق بطريق سيار بطول 9400 كيلومتر، يربط الجزائر بمالي والتشاد والنيجر، ويتوخى الوصول لنيجيريا. وعلاقة بهذا الموضوع، تتكلف البوليساريو بإثارة قلاقل كبيرة للمغرب في المعبر الحدودي الكركرات. وبالتالي عرقل النشاط التجاري فيه مع دول جنوب الصحراء؛ بل إن خدمتها لأجندة الجزائر دفعها للتدخل عسكريا، لمنع المغرب سنة 2016 من تعبيد حوالي كلومتر واحد من هذا الطريق. خلاصة يمكن القول أن المناطق التي تعتبر بموجب قرارات الأممالمتحدة، مناطق عازلة ومحظورة هي محط صراع حقيقي، يشتبك فيه الجغرافي بالاقتصادي، مع قواعد القانون الدولي، التي تزكي الطرح المغربي، وتعاكس الأطماع الانفصالية والحاجة الجزائرية لتهجير سكان المخيمات. غير أن التحولات الاقتصادية السلبية الجزائرية تزداد عمقا مع صراعات سوق الطاقة العالمية؛ ومن ثمة فإن تمويل الجبهة ورعايتها في حاجة لمصادر تمويل جديدة. وهذا ما يفسر محاولات الجبهة مدعومة بالجزائر لبناء "كيان مؤسساتي" للبوليساريو داخل المناطق العازلة والمحظورة، والبحث عن صيغة اقتصادية من داخل تلك الجغرافية المنظمة بالاتفاق العسكري رقم 1.