إن ما يقع في الحسيمة و تنغير و جرادة و أوطاط الحاج و كلميم و غيرها من المناطق تجسيد لانحصار الفعل السياسي و النقابي. الحركات الاجتماعية غير ناضجة بالشكل اللازم اليوم، لكنها تجاوزت بكثير الأحزاب و النقابات الغارقة في البيروقراطية و التكلس التنظيمي. و في ظل غياب اطارات منظمة و مهيكلة و ناضجة يمكنها ممارسة الحوار و التفاوض بدون خيانة مطالب الساكنة، تستغل "القوة الثالثة" و طبقة المنتفعين" الوضع و تضرب عدة عصافير بحجر واحد : الانتقام من مناطق لها مؤهلات من الممكن أن تشكل نموذجا للحكم المحلي الديمقراطي، تثبيت مقولة ضعف الأحزاب و موت السياسة و ترسيخ فكرة عدم اصلاحها، تثبيت القبضة الأمنية، التراجع عن التعاقدات الهشة و التراكمات المحققة بتضحيات الشعب المغربي و قواه التقدمية. في نفس الوقت، تستمر الهجمة النيولبرالية بغطاء الاكليروس الجديد لتقضي على المكاسب الاجتماعية و الاقتصادية للمستضعفين و تحضير الأرضية و العقليات لتقبل استبدال الدولة بالاوليغارشيات و المتعددات الجنسيات و الرأسمال العابر للإنسانية. إن هذه الحركات السياسية لمؤشر دال على أزمة اجتماعية و اقتصادية تعصف بكل نوايا التنمية و هو ما يؤكده الخطاب الرسمي مسائلا "النموذج التنموي بالمغرب"، بينما في الواقع يتم التغاضي عن الإشكاليات الجوهرية التي تثيرها الحركات الاجتماعية بخصوص التعثر المزمن للمسار التنموي وواقع الفساد والاستبداد بما يصاحبه من فوارق طبقية ومجالية، و تسخير بعض وسائل الإعلام – عمومية كانت أو خاصة – إما لتخوين النشطاء وتسفيه العمل الجماعي والاحتجاج السلمي و تحريض سكان مناطق أخرى على ساكنة مناطق الحراك، وإما لممارسة التعتيم على المطالب الشعبية. في نفس المدة يتم التقدم في خطوات (كالانضمام للاتحاد الافريقي و مجموعة غرب افريقيا و تحرير الصرف و تجديد اتفاقيات مع الاتحاد الأوروبي، و الترشح لتنظيم كأس العالم …) لها تبعات سياسية و اقتصادية و اجتماعية من دون أي نقاش عمومي و في ظل سبات حزبي و مدني مريب. و الآفة الكبرى تبقى هي عدم اقتناع ثلثي المغاربة بالمشاركة السياسية ! إننا نعيش اليوم حالة من الإحباط الجماعي التي تصيب أغلب المناضلين التقدميين بالمغرب. حالة الإحباط هذه تجد مصدرها في الحالة السياسية العامة للمغرب و التردي الواضح في الساحة السياسية و حالة شبه يأس جراء صعوبة الانتقال للديمقراطية. * عضو حركة أنفاس الديمقراطية