قال المركز المغربي لحقوق الإنسان، إن ما يشهده إقليمالحسيمة والنواحي الريفية، وما تشهده باقي مدن وقرى المغرب من حراك واحتجاجات، مرده بالدرجة الأولى إلى "السياسات العمومية غير الديمقراطية، المبنية على الإقصاء الممنهج لكثير من المناطق من حق النهوض بها اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا". واعتبر المركز في بلاغ له، توصلت جريدة "العمق" بنسخة منه، أن خلفيات هذه السياسات تعود إلى "سياسة احتكار الثروة من طرف بعض صانعي القرار، والأدهى من ذلك قيام بعضهم بنهبها وتهريبها خارج أرض الوطن، حسب ما يتداول إعلاميا وحقوقيا، وعلى نطاق واسع". وفي هذا الصدد، طالب المركز المغربي لحقوق الإنسان، بتشكيل لجنة وطنية، نزيهة وذات صلاحيات واسعة، من أجل البحث والتحقيق في مآل الثروات الوطنية، خاصة تلك التي تتواتر بشأنها أخبار، تفيد بتهريبها خارج أرض الوطن، ولم يستفد منها الاقتصاد الوطني. وأضاف المركز أن تهريب هذه الثروات "تسبب في إضعاف مدخرات الشعب المغربي من العملة الصعبة، وأضعف قدرة الدولة على تأمين مستلزمات النهوض بالقطاعات الاجتماعية الحيوية، كالتعليم والصحة والشغل". وعبر المركز عن قلقه بخصوص ما سماها ب"المخاطر الحقيقية التي تواجه بلادنا، بسبب الأخطاء الفادحة التي يرتكبها مسؤولون يمثلون الدولة المغربية، وخاصة النظرة الدونية والاستعلائية، والنزعة القمعية التي يتعاطون بها مع احتجاجات المواطنين، فضلا عن أساليب التدليس والتمييع والإساءة، التي يتفننون في ممارستها في حق المناضلين الشرفاء والنزهاء، مما يتسبب في اقتراف انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، وفي مقابل ذلك، يرفع من أسهم النضال الشعبوي، على نحو يعرقل مسار تحقيق الديمقراطية، وتكريس مبدأ دولة المؤسسات، والحق والقانون". وأوضح البلاغ ذاته، أن ساكنة الحسيمة وساكنة مناطق الريف عموما، "قد عانت وتعاني الويلات، بين جراح التاريخ وشقاوة الجغرافيا، حيث لم تنل ما تسترجع به ولو نصيبا يسيرا من خسرته بين مخلفات حرب الريف وأنين انتفاضته، رغم توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة كجبر الضرر الجماعي، على علته شكلا وتدبيرا، مما غرس في نفوس المواطنين نفورا من المؤسسات، بمختلف أنواعها وألوانها". وتابع المركز: "إن مناطق عديدة ببلادنا تجني بواعث الفساد الانتخابي، نتيجة البون الشاسع بين إرادة الناخبين ومخرجات الاستحقاقات الانتخابية، خاصة مفرزات الانتخابات الجماعية والتشريعية الأخيرتين، ولعل حراك الحسيمة خير دليل على ذلك، حين لا يكترث المناضلون، بوجود منتخبيهم ورؤساء مجالسهم الانتخابية، مما يشعرنا بالإحباط إزاء العبث والمكر السياسيين، اللذان نجر ذيول خيبتهما، دون أن يلوح في الأفق أملا في الانعتاق من ويلاته، الآخذة في التعقيد". الهيئة الحقوقية المذكورة دعت إلى تشكل لجنة خاصة، تتمتع بالثقة والمسؤولية والنفوذ الكافي، لفتح حوار جدي مع نشطاء حراك الريف، من أجل مناقشة مطالب المحتجين، والعمل على بلورة قرارات تنفيذية ملزمة، ومحددة التوقيت، لتنفيذ مشاريع تنموية ناجعة بفعالية وشفافية. وأوضح البلاغ أن من مهمات هذه اللجنة تنفيذ توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة، في الشق الخاص بجبر الضرر الجماعي، "من أجل الخروج من حالة الاحتقان والاحتجاج بطريقة ديمقراطية سليمة، يحفظ بموجبها أمن وسلامة بلدنا، ويحقق مطالب المواطنين، بدل الإمعان في إذكاء نعرة العداء والكراهية والتخوين بين أفراد المجتمع الواحد". وندد المركز ب"محاولات التخوين وتسفيه الحراك بإقليمالحسيمة"، محذرا من "تطور الأمور إلى ما لا تحمد عقباه، في حالة الاستمرار في هذا النهج البئيس"، بما قد يتسبب في كارثة حقيقية ببلادنا"، مشيدا في هذا الصدد بنشطاء الحراك الشعبي بإقليمالحسيمة والنواحي. كما ناشد المركز نشطاء الريف الذين وصفهم ب"المناضلين الشرفاء"، الارتقاء بالخطاب النضالي، بما يحقق توافقا موضوعيا وفعالا بين المطالب المشروعة، وبين حرمة المؤسسات وهيبة الدولة، التي هي من هيبة الوطن وواجب الاحترام للأشخاص، مهما كانت مواقعهم ومستواهم ومسؤولياتهم"، حسب البلاغ ذاته. ودعا البلاغ "نخبة المثقفين بضرورة تحمل مسؤوليتهم في تأطير الحراك النضالي، بما يمكن من تحقيق الأهداف النبيلة من وراءه، بدل السقوط في دوامات صراع لن تخدم بلادنا، شعبا ووطنا".