لا توجد حضارة متميزة قامت من عبث وبمحض الصدفة؛بل تميزها كان نتاج عمل دؤوب ومتواصل ؛أسهمت فيه جل المكونات من قيادة وشعب؛قيادة حكيمة تعي جيدا مسؤولياتها وشعب متحمس للعمل والتغيير؛ فأفرز لنا هذا الانسجام نماذج حضارية نهضت بنفسها وتألقت ؛وصارت قوى عالمية يضرب لها الف حساب. ومن هذه النماذج التي استطاعت ان تجذب اليها الانظار نموذج دولة اليابان ؛التي استطاعت بفضل همة شعبها القوية وفطنة قيادتها ان تتجاوز سريعا صدمة هيروشيما ونكزاكي ؛لتقف من جديد معلنة عن قيام حضارة اليابانالجديدة. استطاعت اليابان ان تضع قدمها في المسار الصحيح؛واحسنت اختيار موضع خطوتها الأولى ؛ففطنت الى انه لا رقي ولا نهضة دون تجويد قطاع التعليم والاهتمام به؛فعملت على وضع برامج تربوية مبدعة وذكية وهادفة؛واهتمت بتحسين وضعية المعلم المادية والمعنوية ؛واستفادة من تجارب الأمم والحضارات الأخرى؛ حتى صارت في ظرف وجيز مرجعا تنمويا مهما انكببنا عليه بالبحث والدراسة ؛لا نفيه حقه . تعمل المدرسة اليابانية على تخريج مواطنين فاعلين في مجتمعهم ؛يحترمون الانسان ويقدرون قيمة الوقت ؛يعون جيدا ان استمرار تميز وطنهم رهين بجهدهم واجتهادهم؛يحترمون معلميهم ويستوعبون جيدا أهمية الجماعة والقيم الحاكمة لمعاملاتها؛وقد حرصت على ان توفر كل الموارد المالية والبشرية اللازمة لذلك؛فما كان إلا ان استطاع هذا القطاع التأثير على باقي قطاعات الدولة ؛اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا.. مميزات التعليم في اليابان : _التدريس باللغة الأم : لغة التدريس الرسمية في اليابان هي اللغة اليابانية؛كما تركز المدرسة اليابانية على تجنب تدريس اللغات الاجنبية في المرحلة الابتدائية؛ وتؤجلها الى المرحلة الإعدادية فما فوق ؛كمواد لغوية مكملة وليست الأصل؛موقنة بأن اللغة الأم هي الحافظة للهوية وبأنه لا يمكن لدولة ان تتقدم بدون لغتها؛وكأن لعنة عقوق كل حضارة بلغتها الأم تلاحقها مدى الحياة ؛الأمر الذي ادركته اليابان وتركيا والمانيا مبكرا.. _المواطنة: من مقاصد التعليم في اليابان؛ترسيخ قيم المواطنة في صفوف الناشئة ؛والعمل على الرفع من مستوى الوطنية بتحميسهم وزرع فكرة ان نجاح وطنهم رهين بهم؛ وبأن اليابان لا يمكن ان تقوم الا على سواعد المتعلمين والعاملين؛وركزت على الجانب القيمي والاخلاقي،حتى أنها عملت على تخصيص مادة تهتم بترسيخ هذه الاخلاقيات في الطلاب منذ المرحلة الابتدائية،من تربيتهم على واجب احترام الاخر والحفاظ على الامانة واحترام الوقت بدقة بالغة.. _الجماعة: من اهم ما يميز النموذج الياباني تركيزه على توطيد العلاقات بين الطلاب ودمجهم في مجموعات؛وتشجيعهم على العمل الجماعي؛حتى يحس كل واحد فيهم انه جزء لا يتجزأ من جماعة؛يكمل بعضها بعضها . ومن التحديات التي تواجهها المدرسة اليابانية اليوم ؛تحدي الفردانية والانفصال عن الجماعة؛ اذ ان المعلم الياباني صار يعترف بصريح العبارة اليوم بأنه يجد صعوبة كبيرة في الحفاظ على وحدة الجماعة في صفوف الطلاب ؛بسبب انتشار النزعة الفردانية..؛ اضافة الى الجدل المفتوح مؤخرا في اليابان حول تدريس اللغة اليابانية في المرحلة الابتدائية؛ وتأثير تأخر تدريس اللغات الاجنبية على تحصيل الطلاب اليابانيين.. بين مدافع ومتشبت بالمسار التعليمي الذي اتخذته اليابان حتى وصلت الى ما وصلت اليه اليوم ؛ بفضل حفاظها على لغتها وهويتها؛وبين داع للضرورة إعادة النظر في مسألة اللغات الأجنبية؛ بدعوى ان التواجد القوي في الساحة الاقتصادية الدولية يفرض ذلك..وبالتالي فالتحدي الذي تواجهه اليابان اليوم اكبر مما واجهته فيما مضى؛لانه مهما بلغت صعوبة العمل من اجل النهضة بالوطن ؛فلا يمكن ان تبلغ صعوبة الحفاظ على المكتسبات والامتيازات. اليابان دولة عرفت من أين تبدأ؟ وادركت ان مفتاح نهضتها هو التعليم؛فمنحته حقه واهتمت به,؛فحصدت ثمرة ذلك.