تعتبر حرية الرأي هي القدرة على التعبير عن الآراء والأفكار.. وركيزة أساسية للدولة الديمقراطية ، وكل ذلك يكون بعيدا كل البعد عن القيود الرقابية سواء منها الرسمية أو غير الرسمية. فحرية الرأي والتعبير ليست هي القذف والسب والشتيمة .. بطبيعة الحال ، أو كما يحلوا للعديد الخوض فيها دون أية محاسبة تذكر، بل أصبحنا نلاحظ ونقرأ في العديد من الصحف والمقالات والقنوات.. أشياء بعيدة كل البعد عن أعراف وأخلاقيات الصحافة وحرية الرأي ، ولعل واقعنا ملئ بهذه الأمثلة . حرية التعبير تعتبر حجر الزاوية في الديمقراطيات العالمية التي يحلو للبعض تسميتها ، فحينما نحاول فتح نقاش وتحليل عميق حول قضية القرن التي لقبها المحامي عبد الصمد الإدريسي لقضية بوعشرين ، سيحيلنا ذلك للعديد من التساؤلات أبرزها : لماذا بوعشرين ولم يكن أحدا آخر؟ لماذا جاء هذا الإعتقال في هذه الظرفية وبهذه الكيفية ؟ من هي الأطراف المستفيدة من كبح ولجم قلم بوعشرين ؟ وما الرسالة من هذا الإعتقال ؟ وغيرها من الأسئلة التي ستبقى مطروحة إلى غاية إغلاق هذه القضية . الغريب في هذه القضية أعزائي القراء ، الكيفية التي تم بها اعتقال الصحفي توفيق بوعشرين ، والتي لا نشاهدها إلا في الأفلام الهوليودية ، فكيف يعقل أن يتم تسخير عشرين عنصرا أو أقل من ذلك بقليل من الأجهزة الأمنية بزي مدني حسب تصريح هيئة دفاع بوعشرين ، للقبض على صحفي سلاحه الكلمة والقلم من داخل مقر عمله ، إنه أمر غريب والأغرب حينما تجد نفسك أمام تهم ثقيلة جدا كتهمة الإتجار في البشر … الخ ، في انتظار استكمال مجريات التحقيق في أغرب قضية تشهدها المملكة المغربية في تاريخها . لاشك أن القضاء المغربي سيكون أمام امتحان حقيقي بعد استقلالية النيابة العامة ، مع الأخذ بعين الإعتبار تداعيات هذه القضية على المستوى الدولي ، فسمعة القضاء وحرية الرأي والتعبير لا شك ستكون أمام اختبار صعب جدا ، فهناك العديد من المؤسسات والهيئات الدولية ذات الإهتمام بحرية الرأي والصحافة وحقوق الإنسان … الخ ، تترقب بكل قلق ما ستؤول إليه هذه القضية . إن قضية بوعشرين ليست الأولى ولن تكون الأخيرة بطبيعة الحال ، ولكن هناك العديد من الخيوط المتشابكة التي تستدعي منا حل عقدها ، للوصول للحقيقة وراء هذا الإعتقال ، فلعل أول الخيوط هي كتابات بوعشرين التي تزعج فئات نافدة ولها أيادي في كل شئ داخل الدولة ، وهذا سبب ، فأما الخيط الثاني هو عدم رضوخ بوعشرين للتهديدات وفي أحيان أخرى إلى محاولات الاستمالة وشراء صمته ، وهذا سبب آخر ، أما الخيط الثالث هي علاقة بوعشرين بظاهرة بنكيران بحيث لم تستسغ هذه الجهات طريقة تناول بوعشرين لظاهرة بنكيران في كتاباته ، بل كان هذا السبب أمر في غاية الإزعاج والخطر على هؤلاء ، لأن هناك محاولات ولازالت من أجل إقبار كل ما له علاقة ببنكيران وتركته السياسية ، ومحاولات في الخفاء للإعداد لشخصية ثانية تغطي بها ملامح الزلزال السياسي الذي خلفه رئيس الحكومة السابق بنكيران في الخريطة السياسية المغربية ، تلته فضيحة صندوق التنمية القروية والجبلية التي تسببت في إسالة الكثير من المداد حول الخيانة داخل البيت الداخلي لبنكيران عبر تمرير صلاحياته في قانون المالية 2016 لوزير الفلاحة وو ، ليتم إعادة نفس السيناريو عبر تمرير صفقة القرن (تأمين المحصول) من طرف وزارة الفلاحة وو ، ووزارة الإقتصاد والمالية لصالح إحدى وكالات التأمين الحديثة في الساحة المغربية آنذاك ، ليتابع بوعشرين بعد ذلك بتهمة السب والقذف لتحكم عليه المحكمة الإبتدائية الزجرية بعين السبع بثلاثين ألف درهم كغرامة في الدعوى العمومية ، وأربعمائة وخمسين ألف درهم كتعويض للوزيرين وهذا سبب آخر في ما يحصل . لعل هناك أعزائي القراء المزيد والعديد من الخيوط والتكهنات والقراءات في مخيال كل واحد منكم لهذه القضية ، ولا شك أن الأيام القادمة هي التي ستخبرنا عن مدى أصحية هذه القراءات والتكهنات المشروعة ، فما دمنا نقول أننا في دولة الحق والقانون وحرية الرأي ، سننتظر ما ستؤول إليه النتائج . كلنا أمل أن ينجح المغرب في هذا الامتحان ، ويخرج فيه منتصرا على من يتلاعب باستقراره واستقرار ملكيته ، فلا ديمقراطية بلا حرية رأي ، ولا قضاء بدون نزاهة وشفافية .