تهمة الاتجار بالبشر، التي وجهتها النيابة العامة باستئنافية الدارالبيضاء في حق الإعلامي توفيق بوعشرين تنطوي على أوجه استغراب متعددة الأبعاد… فمع الاحترام الواجب لقرارات السلطة القضائية مبدئيا، يبدو أن ما ذهبت إليه النيابة العامة في تكييف قضيته غير مستصاغ لعدة أسباب. من الناحية الموضوعية، الاتجار بالبشر تهمة ذات حمولة إجرامية ثقيلة، وإذا كانت هناك نية بالفعل للتنقيب وتعبئة الإمكانيات لاستئصالها من المجتمع، فما على القضاء إلا التفتيش في الكثير من الحانات والفنادق الفاخرة والمصنفة وغير المصنفة، وسيجدون الممارسة الحقيقية للاتجار بالبشر، حيث تستعبد الفتيات والنساء ويجبرن على ممارسات مهينة في حق كرامتهن الإنسانية كما أن العديد من شبكات تهجير الفتيات لممارسة الدعارة الدولية، وارتهانهن بين يدي كفلاء بالخليج، حيث لا تتم مراقبة مدى احترامهم لحقوق هؤلاء المهاجرات على الإطلاق، علما أنها تنشط بشكل كثيف ومنذ سنوات كثيرة، وتصل قضايا متعددة في حقهم إلى المحاكم، ولا تصل يد العدالة إليهم، لأسباب متعددة ،، لذلك نتساءل كيف يستقيم وصف تهمة الاتجار بالبشر في حق شخص، تقدمت فتاتين بشكاية ضده، دون أدلة تبوثية، فيما تم استدعاء ثمانية آخرين للإدلاء يشهادتهن، لينكرن جريمة التحرش أو الاغتصاب في حق توفيق بوعشرين جملة وتفصيلا، حسب ما توصلنا به من معطيات أولية، خاصة وأن الامر لا تعلق بشخص عادي، إنه شخصية إعلامية لها وزنها وطنيا ودوليا، يشغل منصب مدير جريدة ورقية وأخرى إلكتروني، ذائعتي الصيت… يمكن احتمال "افتراضا" استغلاله لمنصبه ولنفوذه كمشغل في مؤسسته الإعلامية، لممارسة استمالة أو حتى في أسوا تقدير وتهور، ابتزاز في حق بعض طالبي العمل أو التدريب، وهذا سلوك معروف وموجود في كل بلدان العالم، لكن لم تجرأ أية نيابة عامة في أي بلد، على حد علمي بتكييف اتهامها لمسؤولين أو مدراء شركات، رفعت ضدهم شكايات مشابهة، بهذه التهمة الثقيلة. وللتذكير، لدينا في المغرب حالة مشابهة، وهي لمدير في القناة الثانية، لم تتجاوز قضية اتهامه بالاغتصاب والتحرش…، تحقيقات الضابطة القضائية والنيابة العامة، وثم طمس القضية حسب ما ثم تداوله في المنابر الإعلامية، بل بلغ الأمر إلى حد تهديد المشتكية، مع العلم أنها ليست حالة واحدة تعرض فيها اتهاما ضده بالتحرش والاغتصاب وغيرهما، ورغم ذلك، لم توجه النيابة العامة في حقه تهمة الاتجار بالبشر، مما يدفعنا إلى القول بأن الكيل بمكيالين قائم للأسف لدى مقارنة بسيطة بين النازلتين وإذا كانت القرائن بين يدي النيابة العامة، تشير إلى شبهة الفساد أو الاغتصاب أو التحرش أو الابتزاز، فلا يمكن إلا احترام حق العدالة في أن تقول كلمتها ، لكن وفق قواعد المحاكمة العادلة. إلا أنني، يبدو في تقديري أن الأمر تشتم منه رائحة طبخة انتقام سياسي بنكهة قانونية ، تزيل كل شبهة في هذا الاتجاه، حيث الكل يعلم أن توفيق بوعشرين قلم مزعج للدوائر العليا وللعديد من الوجوه السياسية والاقتصادية في البلد، المسؤولة بشكل مباشر وغير مباشر على الاحتقان السائد في المجتمع المغربي، وكذا دفاعه على السيد عبدالإله بنكيران، ومهاجمته لوجوه سياسية أخرى، مثل السيد عزيز أخنوش، في العديد من الأحداث والحوادث السياسية التي عرفها ويعرفها المغرب، وهي مؤشرات لا يمكن إغفالها في سياق ما يحبك الآن من طبخة قضائية ثقيلة في حقه، لذلك، بلا شك أن عملية مداهمة مقر جريدة أخبار اليوم في مساء يوم الجمعة، وتشميع المقر، وخلق هالة إعلامية كبيرة، وبدء محاكمة الأستاذ توفيق بوعشرين في يوم يوافق ليوم العالمي للمرأة ، لها دلالات غير بريئة بالمطلق …. ولا يسعنا فوق هذا سوى الانتظار قليلا، إلى حين استجلاء حيثيات القضية، ورفع الالتباس الحاصل حاليا. أكيد أن أصواتا عديدة، من الأقلام الزميلة، وجدت مرادها فيما حل بالصحفي توفيق بوعشرين، فميدان الإعلام من الميادين التي تعرف جرعة مركزة من الكراهية والرغبة في التشفي والتصفية المعنوية للحسابات في صفوف العاملين بها…، أضف إلى ذلك، ستنال منه النخب التي تكن العداء لحزب العدالة والتنمية، ولبنكيران بالخصوص، نظرا لدفاعه على الرجل وعلى حزبه (…) عبر قلمه الحاد ومنبره الواسع الانتشار…فضلا على أن المغرب بكل أطيافه ونخبه، لا تنقصه الكراهية والحقد والحسد والبغض، وكل موبقات الكون مجتمعة، في مجتمع فسيفسائي هجين، هذا حصادنا من الأزمنة الغابرة، نسأل الله أن يلطف بحالنا وبحال أبنائنا في مغرب المستقبل…. كل التضامن مع الأستاذ توفيق بوعشرين… عبد الإله الخضري / رئيس المركز المغربي لحقوق الإنسان