حينما نتحدث عن الإلحاد عموما فإننا نتحدث صور وأنواع ، لذلك وجبت ضرورة تدقيق المفاهيم ،لاننا فعلا نعاني من أزمة مفاهيم التي هي بالاساس قوالب لتفكيرنا ومنها تحدد أفعالنا وسلوكاتنا ،فالإلحاد نفسه عقيدة و نفسه دين ،حين تنكر وجود الله إنكارا مبنيا على حقائق علمية وهذا ما يعرف بالإلحاد العلمي والذي هو منتشر بكثرة في العالم الغربي ، اما في عالمنا العربي الاسلامي نتحدث عن "اللأدريين" يقول أنا لا أدري شيئا إن كان الله موجود او لا ،وهناك "الربوبيون" طائفة كبيرة اليوم، هم الذين يعتقدون بوجود الله ولكن هم لا يؤمنون بالاديان والرسل والانبياء ،لذلك فعندما نتحدث عن هذه الموجة فإننا نتحدث عن حالة من التمرد سواء كانت إلحادا او ربوبية او اللادرية ، هي نوع من التمرد على الهوية نوع من التمرد على الدين والموروث الثقافي السائد داخل المجتمع. إذن هذه القضية غاية في التعقيد وغاية في التركيب وهذا لايمنع بعض الناس من إعطاء تفسيرات سريعة لهذه الظاهرة ،حيث يقولون أن هذه الفئة من الشباب التي إعتنقت الالحاد دينا جديدا لها ما هو الى نوع من موضى العصر من باب خالف تعرف ،قد يكون هذا صحيح ، وقد لا يكون كذلك ،لذلك لايجب تعميم الامر ، لانه لايوجد شيء بدون شيء ، وبدون سببية ،ولا محل للصدفة والعشوائية في الظواهر الاجتماعية ،لذلك لا يجب أن ننسى الظروف الاجتماعية والسياسية والاقتصادية ،فمثلا حين يرى ذلك الشخص (الملحد) أن اوضاعه سيئة ، فقر و تهميش و حرمان و إحساس أنه عالة على المجتمع ، فكل هذه الضغوطات تؤثر على رأيه لكي يخرج من هذه الاشكالات يقوم برد فعل ضدها ، كيف يرى أن المجتمعات الغير متدينة أكثر تقدما وأكثر رقيا وأكثر رفاهية ؟ فيتصور أن الثقافة السائدة في المجتمع والتي من بينها الدين هي سبب وضعه البئيس ، فردة فعله تتمرد على الثقافة و على الدين وعلى العادات والاعراف . ومن بين أكثر الاسباب التي تدفع كثير من الشباب في الانخراط بهذه الموجات هو الخطاب الديني المعاصر البئيس والمليئ بالاشكالات والمنبني على ضغضغة العواطف، فشباب اليوم لايؤمنون الا بما هو علمي تجريبي عقلاني ،لذلك أصبح الشخص اليوم يبحث لنفسه ويحاول ان يرسم لنفسه رحلة الايمان دون ان يمليها عليه احد،لانه فعلا فقد الثقة منذ صغره حيث لازمته أزمة القمع والسلطوية عند طرحه لأسئلة عن الوجود وعن الله ، في يوم مضى ، حتى أصبح اليوم يعاني من هوة روحية إمانية جعلته يشكك في كل شيء ويبحث بنفسه عن اليقين في زمان صعب التمييز فيه بين المفاهيم . فأصحاب العمائم اليوم ردهم على هكذا موضوع هو ما هذا الى جزء من المؤامرة لتشويه الاسلام ،من هنا أتساؤل لما نحاول أن نلصق إشكالاتنا الداخلية بأطراف خارجية؟ ، الاسلام له قراءات عديدة لهاذا كثرة المذاهب والفرق وكل واحد يظن أنه الفرق الناجية وهذا نوع من التقليص لدائرة الاسلام،هناك خلافات بين المذاهب والفرق حتى في تصور الله وصفاته، لذلك لا يمكن الحديث عن قراءة واحدة للاسلام لكن كلها مذاهب تاريخية تتجاوز ،لكن الخطاب الاسلامي المعاصر اليوم هو من يعلق عليه الامر ،الذي إصطدم بواقع جديد بما بلغ العلم فيه والعقل ولهذا برزت إشكالات متعلقة بالعقل و المرأة .كي لا اخرج عن الموضوع ، هناك إشكالات نعيشها في منضومتنا الداخلية لايمكن ان نتجاوزها ولا يمكن ان نقفز عليها ينبغي أن تعالج . الدين حق طبيعي وغريزي للانسان ولايمكن الاستغناء عنه ،لكن حينما يقدم لنا مازجا بين هوية وبين المحافضة عليها والتجربة الروحية والغذاء الروحي ،وليس كإديولوجية تتحكم في المجتمع او بما يسمى " أدلجت الدين".