ذكرت إحصائيات جمعوية ينبغي تحيينها لأنها صدرت من أربع سنوات أن هناك حوالي 50 ألف طفل مشرد بالمغرب وحوالي نصف مليون طفل بدون هوية. ولا شك أن الظاهرة تعاظمت وتفاقمت آثارها التي يمكن لأي كان أن يعاينها في شوارع المدن، عائلات بأطفالها الصغار مرمية في الخلاء ، وخصوصا بعد أن وظفت عصابات حقيقية هؤلاء الأطفال كبضائع يتسولون بهم حتى الساعات المتأخرة من الليل وفي كل فصول السنة الحارة منها والباردة ، قرب الإشارات الضوئية في الشوارع الكبرى ويكفي إلقاء نظرة على الطفل – البضاعة لكي تتأكد من أنه تعرض لعملية تخدير سيكون لها أوخم العواقب على نموه الطبيعي. ألا يتعلق الأمر إذن بمستقبل المغرب المهدور والمستباح وكأن الأمر يتعلق بقدر محتوم لا راد له ، ولا يملك احد القدرة على التدخل الحاسم من أجل وضع حد لهذه الجريمة الموصوفة التي ترتكب في حق الوطن و الإنسانية على مدار الساعة . وهل كان من الضروري أن يبرئ " المسؤولون " ذمتهم برمي الكرة في معسكر الجمعيات ، مما يفيد أن هؤلاء الأطفال قد ظلموا مرتين ، من " الدولة الراعية " ومن " المربين " المفترضين الذين تحول بعضهم وليس كلهم إلى متاجرين بالعذابات الإنسانية ومعاناة أطفال ذنبهم الوحيد أنهم ولدوا في البلد الخطأ وفي الزمن الخطأ. ومن بين المفارقات العجيبة أن خطيئة " المسؤولين - المؤطرين " (كثرو المسؤولين وانعدمت المسؤولية) للمجتمع المغربي لا تتمثل فقط في إهدار مستقبل المغرب بالإهمال الشنيع لأطفاله ، بل امتدت هذه الخطيئة – الجريمة أيضا إلى وضع الشيوخ والمسنين الذين تم لفظهم إلى الشارع أو مراكز الإيواء البشعة واللاإنسانية التي تحولت في المغرب إلى ما يسميه الفرنسيس ب «Le mouroir » ، أي مكان انتظار أن تحل الموت التي هي أرحم من البشر. ويتجاهل الكثيرون كون التركيبة السكانية للمغرب قد عرفت تغيرا جوهريا حيث ارتفعت نسبة المسنين أو المتجاوزين ل 60 سنة نسبة 10 في المائة من المجموع العام للسكان ، وهو ما ينهي الأسطورة التي كان يرددها الإعلام الرسمي حول " المغرب ، البلد الشاب " ، (وحتى إلى كان أغلب سكان المغرب شباب ، الجميع يعرف الوضعية المزرية والقمع الشرس الذي يتعرض له الشباب في هذه البلاد ) كما لو أن الشباب لا يشيخون. وقد عرف المغرب أيضا " انقلابا "في القيم الأسرية ولم يعد الشيخ المسن يقيم بين أبنائه وحفدته ونفس الشيء ينطبق على المرأة العجوز، بل يضطر هؤلاء العجزة إلى مواجهة قدرهم بأنفسهم وسط إهمال شديد وصمت رهيب.