العشرات يقتلون يوميا وعلى الهواء مباشر تبث الجريمة، القاتل واضح كالشمس في سماء حلب، وأجساد الضحايا الصغيرة تثبت هويتهم، مدنيون يقتلون سواء قرروا البقاء في منازلهم أو غادروها فرارا، حيث حول الهجوم المتواصل منذ منتصف نونبر الماضي لجيش النظام السوري، مدينة حلب المحاصرة إلى جحيم تشهد عليه الجثث الملقاة في الشوارع وآلاف النازحين الهائمين على وجوههم طلبا للنجاة. ففي خضم الهجمة الشرسة على الأحياء الشرقية في مدينة حلب؛ ترتكب قوات الأسد أبشع المجازر بحق من فروا من الموت والإجرام إلى موت أكثر بشاعة، عائلات برجالها وأطفالها ونسائها وشبابها نزحت من الأحياء الشرقية للبحث عن مأمن في غرب المدينة دون أن يكون في حسبانها أن عصابات تنتظرها لتمزق أجساد كبارها وصغارها. مجزرتان ترتكبهما قوات الأسد بحق النازحين، راح ضحيتهما أكثر من 80 شهيدا وعشرات الجرحى، معظمهم من الأطفال والنساء في قصف استهدفهم في حي جب القبة في حلب، فلم يمر وقت طويل على المجزرة الأولى لترتكب قوات الأسد المجزرة الثانية. وبفضل الدعم الجوي الروسي ومؤازرة المليشيات العراقية واللبنانية إلى جانب الكردية، نجحت قوات النظام في انتزاع ثلاثة أحياء من أيدي المعارضة مما أجبر نحو خمسين ألف مدني على الفرار إلى أحياء أكثر أمنا. هجمة شرسة وفي خسارة هي الأكبر منذ سيطرتها على شرق المدينة عام 2012، فقدت الفصائل المعارضة كامل القطاع الشمالي من الأحياء الشرقية، يأتي ذلك وسط حصار خانق تفرضه قوات النظام على نحو ربع مليون شخص ما زالوا مقيمين في تلك الأحياء. فنظام الأسد وحلفاؤه يواصلون المسلسل الدموي اليومي بحق السوريين في مدينة حلب المحاصرة، فلا تغادر الطائرات السماء ولم تتوقف المدفعية عن تمزيق أجساد المدنيين المنهكة من الجوع والحصار، وأفادت التقارير أن الجرحى باتوا ينقلون على عربات الخضار بعد تعثر تحرك سيارات الإسعاف في الشوارع، في وقت تحدث فيه رئيس العمليات الإنسانية بالأمم المتحدة ستيفن أوبراين عن توقف عمل جميع المستشفيات و"استنفاد شبه تام للمخزون الغذائي". ويفرض النظام السوري وميليشياته حصارا على أحياء مدينة حلب الخاضعة لسيطرة الثوار بسيطرته على طريق الكاستلو شمال المدينة وحي الراموسة في غربها، تسبب في نقص حاد بالمواد الغذائية والإغاثية والطبية مما فاقم من مأساة السوريين بالمدينة . وتشهد مدينة حلب منذ منتصف الشهر الجاري حملة قصف مكثفة طالت الأحياء السكنية وراح ضحيتها مئات الشهداء وآلاف الجرحى. وقبل يومين أعلن الدفاع المدني مدينة حلب منكوبة بالكامل وتعيش كارثة إنسانية بسبب الحصار والقصف المتواصل الذي يستهدف المرافق الميدانية والبنى التحتية والمشافي ومراكز الدفاع المدني ومحطات الكهرباء والمياه، كما أعلنت مديرية الصحة في حلب خروج جميع المشافي عن الخدمة بسبب القصف المباشر والممنهج لها. الفصائل السورية تتوحد وبدون أن تظهر بوادر لحل أو تدخل دولي رغم الدعوة الفرنسية إلى جلسة لمجلس الأمن، ردت المعارضة المسلحة على هذه التطورات بإعلان حل تشكيلاتها المتفرقة وتشكيل ما يعرف بجيش حلب لتحقيق هدفين: أولهما مواجهة تقدم جيش النظام والمليشيا الموالية له، وثانيهما الرد على المزاعم الروسية بأن دعمها العسكري للنظام هدفه ملاحقة العناصر "الإرهابية" التابعة لجبهة فتح الشام (جبهة النصرة سابقا). وطالبت الهيئة العليا للمفاوضات التابعة للمعارضة السورية، المجتمع الدولي بالعمل الفوري لإيقاف المجازر التي تتعرض لها حلب ومناطق أخرى في سوريا، وذلك بالتزامن مع دعوات إقليمية للجمعية العامة للأمم المتحدة بالتحرك بعد عجز مجلس الأمن عن إنقاذ المدنيين بحلب. وأصدرت الهيئة العليا للمفاوضات بيانا اليوم الأحد طالبت فيه مجلس الأمن والدول الصديقة والمجتمع الدولي بالعمل الفوري لإيقاف القصف والمجازر التي تتعرض لها عدة مناطق سورية، ومنها حلب بشكل خاص، والسعي الحثيث لإدخال المساعدات الإنسانية غير المشروطة. وحذرت الهيئة العليا للمفاوضات في بيانها من خطورة ما سمته الغزو الإيراني لسوريا، وقالت إنه يشكل خطرا كبيرا على المنطقة كلها، وينذر بانتشار الإرهاب في العالم كله. دعوة لجلسة طارئة وفي هذا السياق، دعت السعودية وقطر والإمارات وتركيا إلى عقد جلسة طارئة للجمعية العامة للأمم المتحدة لبحث الأوضاع في سوريا، خاصة ما وصفته بالنواحي الإنسانية المرعبة في حلب، وقالت في بيان إنه يتعين عقد مثل هذه الجلسة بعدما أصبح مجلس الأمن عاجزا بسبب افتقاده الإجماع. وفي الأثناء، رفض قادة في المعارضة السورية المسلحة العرض الروسي بمغادرة شرقي حلب، وقالوا إنهم لن يسلموا المدينة المحاصرة لقوات النظام السوري مهما كان الثمن، كما اعتبروا أن مطالبة وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أمس بمغادرة المعارضة شرقي حلب، تنسف ما تم الاتفاق عليه أثناء مباحثات أجريت مؤخرا في أنقرة.