تابعت مساء الثلاثاء الماضي برنامج ضيف الأولى الذي استضاف الأستاذ حسن عبيابة الناطق الرسمي باسم حزب الاتحاد الدستوري، فاستغربت كثيرا لمستوى الانفصال عن الواقع ولمقدار تمكن الأستاذ عبيابة من الكلام كثيرا دون قول شيء ذي معنى، أي التمكن من إنتاج المباني اللفظية الخالية من المعاني العقلية والواقعية، دون أن أنسى القدرة العجيبة على تزييف الحقائق مع تغييب تام لنقد الذات المفروض في مسئول يمثل حزبا يعاني أزمة حقيقية في الرؤية وعطبا موجعا في التسيير وفشلا ذريعا في التأطير، ليس بسبب مناضلاته ومناضليه ولكن بسبب قيادته التي ركنت إلى التكلس، وآوت إلى ركن شديد تستتر فيه بأوهام الهوية الليبرالية التي لا تعرف عنها القيادة سوى اسمها ولا تعي منها غير رسمها، وتتزين كالحيزبون الشمطاء بأمجاد ماضية أنتجها سياق مخصوص لأمة من الرواد قد خلت، لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت، ناهيكم عن انعدام المسافة المفروض اتخاذها من طرف قيادي ينتمي بحكم مستواه المعرفي إلى معسكر المثقفين الناقدين لا إلى معسكر الانتخابويين المجيشين. لا أريد أن أخوض في كافة تفاصيل اللقاء، نظرا لأنها في أغلبها مجرد كلام للاستهلاك لم تنتج عنه مواقف تستحق الإشادة أو النقد أو التحليل، ولكنني سأقف عند ما يمكن أن يحسب علىينا كحزب رغم أنه ليس رؤية الحزب ولم ينتج عن حوار داخلي، نظرا لغياب أي حوار أصلا وغياب أي فعل للأجهزة الحزبية، وأوردها كما يلي: 1- حديث الأستاذ عبيابة عن الولاة والعمال وتوكيده على وجوب تعيينهم وفقا لبرامج ودفاتر وتحملات، وهو كلام مناقض للديمقراطية ومخالف لمقتضيات الجهوية، لأن الذي يأتي بالبرامج هي المؤسسات المنتخبة من جماعات ترابية ومجالس عمالات ومجالس جهوية، إضافة إلى الغرف وليس أجهزة الداخلية، والتي يتمثل دورها في التتبع والمراقبة. 2- كلام الأستاذ عن البرنامج الحكومي ودور الاتحاد الدستوري فيه هو مجرد التفاف، وتبين ان الناطق الرسمي للحزب لا علم له لا بالبرنامج الحكومي ولا ببرنامج الحزب، كما أنه ليس له أي علم بحقيقة مفاوضات تشكيل الحكومة وحيثياتها، لأن السيد الأمين العام كان مستفردا بالمفاوضات، وكان الوحيد من بين الأمناء العامين الذي لم يصطحب معه أي قيادي آخر في الحزب، وأنا شخصيا أشهد مثلما يشهد كل المتتبعين الدستوريين لسير تلك المفاوضات وكيف كان الأستاذ عبيابة مستبعدا هو وغيره من ذلك. 3- الحديث عن التحالف مع التجمع الوطني للأحرار كما لو أنه سمن على عسل تزييف الحقيقة، لأن حزب الحمامة هو المستفيد من التحالف، وقد عبر الكثير من البرلمانيين عن امتعاضهم غير ما مرة وبأساليب مختلفة منذ اليوم الأول، فهم مهمشون وهناك تذمر كبير، ناهيكم عن استفادة الأحرار من حصة الاستوزار على حساب الاتحاد الدستوري، وأن التغني بالمصلحة العليا للوطن فيه الكثير من المبالغة، كما أنه تمسرح وغلو في التظاهر بنكران الذات، وكأن مصلحة الوطن تتوقف على استوزار أكبر عدد ممكن من التجمعيين، كما لو أنهم خواتم خناصر زمانهم والعقد الفريد في تدبير الشأن العام، والتنازل لهم عن الجمل بما حمل سيأتي للوطن بما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر. إضافة إلى مصلحة الوطن ليست بالضرورة متعارضة مع مصلحة الحزب، وإذا كنا سنزهد في تحمل المسئولية فمالغاية من العمل الحزبي والتأطير والتكوين والمؤتمرات واللقاءات؟ أم أننا زاوية صوفية ونحن لا ندري؟ 4- الحقيقة التي لم يقلها الأستاذ هو أن الأسماء الدستورية المقترحة للاستوزار لم تقبل، رغم أنه لا علم لأحد بتلك الأسماء ولو من باب التنجيم وقراءة الطالع، وأن السيد عثمان الفردوس لم يقترحه الحزب، ولا علاقة له بالحزب، واستوزاره من باب الكفاءة التقنية لا من بوابة الحزب مثله مثل مسئولين آخرين، وأتحدى الأستاذ عبيابة وغيره من القياديين في الحزب أن يكون لهم علم مسبق باستوزار السيد عثمان الفردوس، لذا فحصة الحزب حقيبة وحيدة هي حقيبة السيد ساجد. 5- تهرب الأستاذ عبيابة بشكل غريب من الكلام عن الوضع الداخلي المزري للحزب، ومضغ الحقيقة ببضع جمل لا أصل لها، وذلك حينما سأله المذيع عن المجلس الوطني، حيث تحدث عن هيكلة وعن تجديد الهياكل، مع العلم أن المجلس الوطني لا علاقة له بهذه التجديدات، لأن الذي يغيره هو المؤتمر الذي صادق عليه، مثلما لا يمكن تغيير الناطق الرسمي نفسه إلا بالمجلس الوطني، وإن كانت هذه التغييرات سهلة على الأستاذ عبيابة لأنه اعتادها في الحزب، أو ربما صار العمل المؤسسي نفسه بدعة عند القيادة الحزبية، والسنة هي التلاعب بتغيير أعضاء الأجهزة الحزبية كما تغير الجوارب، وهو ما نشهد عليه وعلى حدوثه طوال سنوات من خلال استدعاء أشخاص آخرين وحشو الحافلات بهم لالتقاط الصور وإيهام المتابعين والرأي العام بالتنظيم الحزبي وبالديمقراطية الداخلية، كما أن الأستاذ عبيابة لم يجد ما يبرر به عدم انعقاد المجلس الوطني الذي نستعد للاحتفال بمرور ثلاث سنوات على تجميده هو واللجنة الادارية وكل شيء. وفي الوقت الذي كنا ننتظر من أستاذ كبير مثل حسن عبيابة أن يتنزه عن الكذب البراح على المناضلين والمناضلات وعلى الرأي العام ويقول ولو جزءا من الحقيقية ويعترف ولو بشق من العطب لعله يرفع الغشاوة عمن لايزالون مسربلين بجبة الأوهام، نجده مزهوا بالاثم وقد أخذته العزة بالتضليل، لكن الكذب يستطيع الدوران ريثما تلبس الحقيقة حذاءها، فأجاب عن سؤال اللائحة الوطنية قائلا إن مرشحيها يتم انتخابهم جهويا ويتم الترتيب حسب قوة تلك الجهات تنظيميا وانتخابيا، الله أكبر ماهذا البهتان؟ وهل علم أحد باللائحة الوطنية أصلا حتى ينتخب مرشحيها؟ لم يكن الأستاذ عبيابة نفسه يعلم شيئا عن اللائحة الوطنية، ولم يطلع عليها غير بضعة أشخاص ودبر لها بليل وفي جنح الظلام، وقد كانت تلك اللائحة هي الوحيدة من بين كل لوائح الأحزاب التي لم يعلن عنها حتى طلع علينا الفائزون فيها غداة الاقتراع، وكانت محكومة بالمحسوبية واعتلاها أبناء القياديين. فهل كان شباب ونساء جهة الرباطسلاالقنيطرة يعلمون أصلا أن كريم شاوي ابن شاوي بلعسال البرلماني ورئيس المجلس الوطني هو وكيل اللائحة، فمن ذا الذي انتخبه ومن ذا الذي انتدبه واختاره غير موقع أبيه بعيدا عن كل الأعراف الديمقراطية وحتى عن الأخلاق، بل حتى عن المراوغات السياسية، بل تم الأمر بكل وقاحة وفي تحد صارخ لكل ما يمكن أن يمت للمعنى النبيل للسياسة بصلة؛ ولأن الأسئلة تتناسل لهول الفجيعة وأهوال الكذب فإنني أسأل الأستاذ الناطق الرسمي عمن انتخب هاجر المسقي من مناضلات جهة مراكشآسفي، وكيف ينتخبونها وهي ابنة قيادي في حزب آخر جيء بها إلى لائحتنا المستباحة ولم تكن لها صلة في الماضي والحاضر بالحزب، فقد نجح والدها في حزب النخلة والتحقت به إلى القبة من لائحة الحصان، ولا يعرفها أحد ولم تطأ قدمها الحزب حتى يومنا هذا، طبعا في صفقة غريبة تحتاج إلى تحقيق، لما فيها من تحد صارخ للقانون وللأعراف السياسية وحتى للتوجيهات الملكية السامية التي لطالما حذرت من اتخاذ العمل السياسي مطية للريع والمصالح الشخصية. إن أبناء القياديين مواطنون كما قال الأستاذ جوابا عن سؤال المذيع ولا ينكر أحد ذلك، وهي كلمة حق أريد بها باطل، وطبعا لهم الحق أيضا في التموقع الحزبي بنضالهم وليس بمنطق البنوة لهذا أو ذاك، وهو ما تم عندنا بالذات، لأن موقع الآباء من القرار الحزبي هو ما جاء بهم وليس نضالهم ولا كفاءتهم، وإلى حدود كتابة هذه السطور لم ينتفع الحزب ممن مروا عبر اللائحة الوطنية إلا من شخص واحد هو ياسين الراضي الذي شمر على ساعديه بعد انتهاء الولاية وأثبت وجوده في الساحة الحزبية وظفر بمقعد في الدائرة المحلية بآلاف الأصوات التي مكنت ابن رئيس المجلس الوطني من المقعد ومكنت الفتاة الغريبة من مجاورة أبيها في القبة. أما ما دون ذلك خصوصا من نساء اللوائح فمنهن من اختفين نهائيا لأن الغاية كانت تحصيل تقاعد البرلمان بعد سنوات من الأجرة السمينة دون عمل يذكر ودون تأثير يسطر، ولا حول ولا قوة بالله العلي العظيم. أما الطامة الكبرى في هذا اللقاء هو أن يقول الناطق الرسمي للحزب أننا نشتغل بطريقة النادي وليس بتنظيم سطاليني، وهذا القول ينطبق عليه المثل العربي القائل: "رمتني بدائها وانسلت"، فهل هناك سطالينية أكبر من تغييب الأجهزة والاستفراد بالقرار؟ وهل كان سطالين ومقربيه يقدمون أبناءهم ويقصون غيرهم؟ أم هل كان سطالين المسكين يشتغل ضد المنظومة التي يؤمن بها؟ طبعا لا، فقد كان كلياني النظرة شمولي التصور وسار على نهجه الذي بني عليه نظامه، أما عندنا فإنهم يصمون أذنك بالديمقراطية وبالليبرالية وفعلهم نقيضها، يأمرون الناس بالبر وينسون أنفسهم، ويحرفون الكلم عن مواضعه، ويجادلون بالباطل ليدحضوا به الحق، ثم يغلفون كل ذلك بزخرف القول. وقد حضرني الخطاب الملكي وهو يتحدث عن مشكلة العقليات، نعم العقليات المتكلسة والأسطوانات المتجاوزة التي تحارب التغيير وتغتال المستقبل وتدمر الوطن، خصوصا حينما تجد هذه العقليات، الجبانة والجامدة المتحجرة والمتكلسة، جوقة من المطبلين والمزمرين والأفاقين الوصوليين يرددون خلفها بكل نذالة وصغار: "هشتكنا وبشتكنا يا رايس"، لكن للحقيقة ناطق ولو بعد حين، وللوطن رب يحميه من قتلة الطموح في نفوس الأجيال وزارعي اليأس في القلوب المشرئبة لغد أفضل، ولنا في سير المناضلين الحقيقيين والغيورين عبرة، ونعرف جيدا ممن نتعلم ومن نرافق في الطريق من أجل الوطن، لا نقتدي بمن يعتدي، ولا نتأسى بمن يتخسى. أما المزيفين المتزلفين، الأفاقين الأفاكين، فلهم منا ومن التاريخ وسطى الأباخس. حينما قال الأستاذ عبيابة إنه يمكن الاتصال بقيادي في منطقة ما فيجمع لك مائة أو مائتين من المناضلين، أثبت الجريمة الحزبية على القيادة، لأن هذا القول اعتراف بتغييب المؤسسات وجمع الناس حسب الأهواء أو حسب شيء آخر، نعم جمع الناس، كيفما كان هؤلاء الناس، لا يهم الاقتناع ولا الانتماء، جمع الناس ثم تفريقهم حتى لقاء آخر لجمع ناس غيرهم، فالصور الملتقطة هي الغاية، لا مؤسسات لا هياكل، ولا شيء ثابت تماما كنهر هيراقليطس لا نستحم فيه مرتين، هكذا حولنا الحزب إلى محطة للعابرين قد لا ننزل فيها مرتين، لا يحضر معظم الناس مؤتمرين اثنين ولا لقاءين وهلم جرا، هكذا يريدون من حزب المعطي بوعبيد أن يغادره كل من بدأ يفهم حتى تخلو الساحة للخروقات والتلاعبات، أجل هذه هي الغاية وهي -لعمري- تصفية ممنهجة، إذ لا يفترض فيك أن تكون ناقدا ولا حتى عاقلا، يفترض فيك قوام محدد، لأن الحزب مثل سرير بروكست توضع فيه وأنت مرغوب فيك مادام طولك أقصر منه أو مثله في أحسن الأحوال، فإن طال قوامك أكثر قطعوا من رجليك مازاد على السرير؛ فحرام أن تكبر أو حتى تتمدد، لأن الخضوع سنة والصغار جنة. لا يستحق ميراث الزعيم المعطي بوعبيد هذا المآل، ولا يستحق تاريخه هذا الخلف وهذا العقب السيء، ومن العار والشنار أن يرث الدار من يخربها؛ والأدهى والأمر أن تتحول مدرسته العتيدة من تخريج الساسة ورجالات الدولة وعمالقة المؤسسات وتدبير الشأن العام إلى تفريخ العهر السياسي والانتهازية المقيتة، وإنتاج الزيف والبهتان والادعاء الكاذب المسربل بالتقهقر والنكوص. على من كل هذا الكذب؟ نحن نعرف أنفسنا ويعرفنا غيرنا، فلماذا نخفي الحقيقة بدل الاعتراف؟ أوليس في الاعتراف فضيلة؟ أوليس الاعتراف مبدأ النهوض ومنطلق الاصلاح وأساس البناء؟ إلى متى سنراكم الكذب؟ أولم يقل الملك في خطابه أن ساعة الحقيقة قد دقت؟ فإما أن تكون وطنيا أو غير وطني؟ أو ليس تدمير مؤسسة حزبية إسهاما في تدمير الوطن؟ أو ليست هذه السلوكات وتلك الأباطيل مدعاة لتنفير الناس من العمل الحزبي والمشاركة السياسية؟ أو ليس كل هذا إسهام في العزوف عن السياسة مع سبق الاصرار والترصد؟ ألا ترون في هذا تحديا صارخا وتناقضا فاضحا مع التوجيهات الملكية السامية؟ لمن يا ترى يوجه الملك خطاباته إذا كان المسئولون الحزبيون يضربون بها عرض الحائط؟ أوليست المسئولية الحزبية واحدة من أهم الوسائل للوصول إلى مختلف المسئوليات الوطنية؟ أوليس دور الأحزاب هو تهييء النخب وتكوينها؟ فأي نخب سنكون بالكذب والتضليل خصوصا وأن الجميع يعرف أنه كذب وتضليل حتى ناطقه ناهيكم عن المتلقين؟ وأخيرا أعبر عن استغرابي لطريقة الصحافي محمد التيجيني غير المعهودة منه مع ضيوفه، حيث كان يحرجهم ويكشف تناقضاتهم مستحضرا كل المعلومات عن الضيف وعن حزبه، وهو ما لم يفعله مع الأستاذ عبيابة نهائيا، بل يتقبل منه أي جواب حتى وإن كان خاليا من المعنى، وبدا الأمر غير عادي نهائيا، ولست أدري أيرجع الأمر في عدم المساجلة المألوفة إلى أن النقاش لم يحمل عناصر التطور بين ثناياه وأسهمت الأجوبة الفضفاضة في تنازل الصحافي عن واجبه في البحث عن المعلومة؟ أم أن ثمة خطب آخر؟ وعلى كل حال فذاك لم يكن التعبير الذي نرتضيه عن الاتحاد الدستوري الذي نحمله في قناعاتنا، ولا مدرسة المعطي بوعبيد التي علمتنا قول الحقيقة مهما كانت مرارتها، وتشخيص الواقع بموضوعية ولو على حساب ذواتنا، إنما ذاك هو المستوى الذي أريد له أن يكون وأريد لنا أن نبدو به، يحسب علينا ظلما ونحسب عليه غصبا، نتيجة غياب النقاش والحوار وطغيان الاستفراد بالقرار، وتغييب العمل الحزبي الجاد المفعم بالتفكير وتبادل وجهات النظر، أجل هذا نتيجة الارتجالية وأسلوب "قضي بلي كاين" بدل بناء المواقف وتهييء الرؤى، فكل يغني على ليلاه، وكل يعبر عن ذاته وليس عن الحزب، لأن مواقف الأحزاب تبنى في المؤسسات والأجهزة الحزبية ولا يصوغها الأفراد، وتلك الأجهزة عندنا مجمدة مغيبة. قد تفقد القيادة البوصلة لكن بوصلتنا كمناضلات ومناضلين هي روح الحزب وليس ما ينطق به هذا أو ذاك من كلام في هذا المحفل أو ذاك.