تواجه ساكنة المناطق الجبلية موجات البرد القارس خلال فصلي الخريف والشتاء، بإعداد مجموعة من الأكلات التقليدية التي تعد خصيصا للتصدي للبرد وذلك لما تتميز به من غنى بالفيتامينات، ولمكوناتها الطبيعية المفيدة للصحة، ولتوفرها على مقومات غذائية هامة تمنح طاقة ودفئا كبيرين للجسم، ومن أبرزها أكلة "أفدوز" التي تعدها نساء منطقة "إملشيل". وتعتبر أكلة "أفدوز" إحدى الأسلحة التي تواجه بها ساكنة "إملشيل" منذ القدم موجات البرد القارس، وهي المعروفة بالانخفاض الكبير في درجات الحرارة وكثافة التساقطات الثلجية، وتفضل نساء المنطقة هذه الأكلة عن أكلات أخرى لما تحمله من سعرات حرارية تمكن الجسم من مقاومة البرد. ويؤكد الفاعل الجمعوي، محمد احبابو في حديث مع جريدة "العمق"، أنه في كل فصل شتاء عندما تنخفض درجات الحرارة إلى مستويات قياسية تبحث نساء "إملشيل" في قاموس الأكلات التقليدية التي يتم تحضيرها منذ القدم عن أكلة صالحة لمواجهة البرد القارس الذي لا يمكن مقاومته بالأمعاء الفارغة، ويستقر اختيارهن على أكلة "أفدوز" كسلاح يمكن الجسد من التصدي للبرد. ويضيف احبابو، أن هذه الأكلة هي المفضلة لدى الساكنة، خصوصا المسنين، ويتم تقديمها إما في وجبة الفطور أو العشاء، في حين أن طريقة تحضيرها موحدة بين كل النساء، حيث أن من مكوناتها دقيق الشعير الذي تحوله النساء إلى كسكس، ويتم إعادة "فتله" لثلاث مرات على الأقل، وفي الأخيرة يتم وضع اللفت مع قليل من الشحم في إناء مليء بالماء، ويوضع فوقه "الكسكاس". وتتطلب عملية طبخ "أفدوز"، بحسب احبابو، خمس إلى ستة ساعات وبعد ذلك تضعه النساء في "الكصعة" وهو إناء طيني يسمى بالأمازيغية "تازلافت" ويسقى بذلك الماء الذي طبخت فيه اللفت وقليل من الشحم، وبعد أن يسقى يترك قليلا من الوقت، ويوضع وسطه السمن البلدي أو زيت الزيتون حسب ما تتوفر عليه الأسرة، ليجتمع الكل على المائدة لتناول الوجبة. إقرأ أيضا: برد قارس وغلاء فاحش.. كوابيس تؤرق بال سكان الجبال وعلى غرار "أفدوز" بإملشيل، هناك أكلات أخرى تلعب نفس الدور وهو التصدي لموجة البرد، تحضرها النساء بالمناطق الجبلية الباردة، منها أكلة "أمركاس"، و"إفنوزن" و"تاروايت نتمزين". وأكلة "أمركاس" والتي يختلف اسمها من منطقة إلى أخرى، من الأكلات الرئيسية التي لا تتخلى عنها الأسر بالمناطق التي تعرف موجات البرد القارس، والتي تعتمد بالأساس في تحضيرها على دقيق الذرة، ونبات "الفصة و"اللفت المحفورة" و"الكرعة" والبصل والطماطم و"الشحم" و"السمن الحر" بالإضافة إلى زيت الزيتون والتوابل. وتزداد أهمية "أمركاس" حين تضاف له اللحوم المجففة من "كرداس" و"القديد"، ويتم تقديمه في إناء فخاري يسمى ب "تازلافت"، بينما في بعض مناطق الجنوب الشرقي يتم طهي "الشكوة" الجلدية مع الكسكس مما يعطيها مذاقا رائعا مع حموضة اللبن. وتعتبر أكلة "إفنوزن" كذلك من الأكلات التقليدية الحاضرة بقوة في مطبخ الأسر بالجنوب الشرقي في هذا الطقس البارد، وهو لا يختلف كثيرا عن وجبة "أمركاس" في بعض المكونات، حيث يستعمل لتحضيره الكسكس الذي يتم خلطه مع نبات "الفصة" وأوراق البصل، و"القزبور" و"المعدنوس" والفلفل الحار والشحم والتوابل وزيت الزيتون، ويتم تقديمه هو أيضا في "كصعة" أو ما يسمى باللغة الأمازيغية ب "تازلافت". ومن هذه الأكلات، أيضا، "تاروايت ن تمزين" (بتفخيم الزاي) يطلق عليها أيضا "تاكلا" أو "العصيدة" عند الناطقين بالعربية، وهي من الأكلات التي يتم تحضيرها كوجبة يتم تناولها غالبا في الصباح الباكر خصوصا في فصل الشتاء لمقاومة موجات البرد، واسم "تاروايت" مشتق من الفعل "إروي" باللغة الأمازيغية والذي يعني "حرك" أو "خلط" باللغة العربية، حيث يتم تحريكها أثناء طبخها ويدخل في تحضيرها دقيق الشعير المطحون جيدا والماء والملح، ويتم تحريك الكل فوق النار بعصا خشبية تسمى "أسروي" حتى تصبح عجينة، ويتم تقديمها في طبق ويوضع فوقها زيت الزيتون أو السمن البلدي.