يعتبر الفرح مظهرا من مظاهر المشاعر الجياشة التي تختلج الذات الإنسانية. والفرح عاطفة مؤقتة وغير دائمة؛ تختلف نسبتها باختلاف الأسباب والظروف، وباختلاف الزمان والمكان والإنسان. كما يعتبر ضربا من الطقوس الرمزية التي ينخرط فيها الناس جميعا بكثافة؛ باختلاف الشرائح والفئات والأعمار. ولكل فرد في المجتمع نصيب من الفرح والسعادة، والحزن أيضا. يعيش الشعب كل يوم على إيقاع صمت رهيب وطويل.. على إيقاع صفعات متتالية من الأحزان.. على معزوفات الإخفاقات الفردية والجماعية. ويقف في معيشه اليومي على حافة البؤس والضياع.. ومحاصرا بسياج الحرمان ومعاناة كبَد العيش. ويحيا في عالم تغلب عليه المعايير المادية، حتى غطت حيزا كبيرا من القيم الإنسانية الراقية؛ في زمن العولمة وسيطرة السعار الاستهلاكي. قائمة صناعة الأوجاع طويلة جدا؛ بطالة وفقر وأمية، إخفاقات سياسية واقتصادية واجتماعية، خيبات دبلوماسية ورياضية.. والشعب بين هذا وذاك، في القائمة، لا يعدو أن يكون إلا نكرة في وطن الاغتراب والتمييز الطبقي، ومجرد مادة أولية لتأثيث المشاهد برمتها. في ظل تكيف الشعب مع قائمة الأوجاع والإخفاقات والخيبات، وضمن عملية البحث عن كوة في جدار الصمت الرهيب للإطلالة على أفق مشرق. في هذه الأثناء حقق المنتخب الوطني لكرة القدم انتصارا بطعم التأهيل لنهائيات كأس العالم. الحدث ليس عاديا ولا مألوفا؛ فذاكرة تاريخنا الكروي تعرف بياضا في الإنجازات، وخريطة رياضتنا في الماضي والحاضر لا تعرف إلا بقعا سوداء. حدث التأهيل خلق، على حين غرة، صدمة وانفجارا عاطفيا في كل ربوع المملكة؛ إعلانا للحظة طارئة من الفرح والاحتفال. الرياضة في وطننا هي منبع السعادة الوحيد، بين الفينة والأخرى، وتوازيها في كل حين، صناعة حالات هستيرية من الفرح المغشوش والمدسوس، مثل المسيرات المصنوعة، والانتخابات المزيفة، والوعود الكاذبة. صناعة الفرح باتت أفيونا للشعوب، سلاحا لكتم الأنفاس، وتخطيطا لتمويه الشباب عن مطالبهم الحقيقية، عن طموحاتهم وأحلامهم، عن حقهم في الوجود والعيش الكريم. لم يعد الفرح، تبعا لذلك، إلا شبهة أو تهمة أو سُبّة. لقد أُفرغ من محتواه ومن معناه؛ في زمن تسيطر عليه النفعية السياسية والاقتصادية والثقافية. الفرح ليس إلا انخراطا في لعبة النسيان؛ نسيان ضيق العيش وشظفه، بل بات مُسكّنا لكل تفكك اجتماعي ولكل تمزق ثقافي ووجداني. الفرح ليس إلا خدعة في وطن يتقن جس نبض الشارع بالإشاعة، أو حلما في وطن لا يحسن إلا تجارة بيع الأوهام، أو لذة في وطن تنتشي نخبه بتعذيب الآخرين، أو قناعا يرتديه حاملو الحقائب لعبور الحدود خلسة تحت جنح الظلام. ما أجمل الفرح عندما يكون مناسبة لتعبئة الوعي الجمعي وتهييئه لتحويل الأفراد إلى جماعات منسجمة؛ في ظل مجتمعات تعيش أزمة وجود، وتتغير بسرعة البرق! ما أروع الفرح عندما يؤدي وظيفة اجتماعية؛ تشبع رغبات جامحة كامنة في النفس البشرية، وتطهرها من الأدران، وتفرغها من المكبوتات والرغبات السلبية! ما أنفع الفرح عندما يصبح وسيلة لغرس الوطنية في النفوس وحب الوطن.