هاجم الأستاذ الجامعي المتخصص في اللسانيات، المقرئ الإدريسي أبو زيد، استمرار هيمة اللغة الفرنسية في مختلف التعاملات الرسمية والشعبية بالمغرب، معتبرا أن الفرنسية أصبحت أداة لإقصاء الفئات الشعبية في المباريات والتوظيفات والتخصصات، والتمكين لإعادة إنتاج نفس النخبة الفرنكفونية التي تنفذ مخططات الفرنسة. وقال أبو زيد، خلال الدرس الافتتاحي للموسم العلمي الحالي للمركز المغربي للدراسات والأبحاث المعاصرة، مساء اليوم الإثنين بالرباط، إن المعايير المعتمدة في المباريات والتوظيفات تمكن للغة الفرنسية على حساب مواد التخصص. وتابع قوله في هذا الإطار: "أبناء النخبة الفرنكفونية متوسطون في الذكاء، لكنهم هم من يلجون المعاهد العليا للهندسة وغيرها، ويتابعون دراستهم بالخارج، بينما أبناء الشعب هم متفوقون في المواد التخصصية كالرياضيات والعلوم والفيزياء، لكنهم يسقطون عند عائق الفرنسية". البرلماني عن حزب العدالة والتنمية، اعتبر أن الفرنكفونية بالمغرب، إضافة إلى كونها إعاقة وهيمنة، هي تجارة، لافتا إلى أن غلاء أسعار الكتب الدراسية الفرنسية مقارنة بنظيراتها العربية، أكبر دليل على ذلك، وفق تعبيره. ولفت إلى أن وزارة التعليم الحالية خصصت 17 إجراء عمليا من أجل الفرنسية، مقابل 4 إجراءات فقط للعربية، كلها مجرد إنشاءات، في حين لم يتم منح الأمازيغية أي إجراء. وشدد المقرئ على أنه لا يمكن للإنسان أن يبدع ويتعلم جيدا ويفكر بشكل سليم، خارج لغته، مشيرا إلى أن الذي يرسم السياسات اللغوية بالمغرب ليس هو الذي يحكم، بل هو الذي يتحكم، معتبرا أن أكبر حزب حاكم بالمغرب هو حزب فرنسا، على حد وصفه. وقال إن "المغرب عرف محاولات كبيرة بملايين الأموال من أجل محاربة العربية عبر الفرنسية، ففشلوا، ثم عبر الأمازيغية، ففشلوا، والآن عبر الدارجة، وفشلوا أيضا". وذكر المتحدث أن التقارير الدولية كانت دوما تنصح المغرب بربط التنمية باللغة الوطنية، على رأسها تقرير البنك الدولي في السيتينات، الذي ربط التأخر المدرسي في المغرب بالازدواج اللغوي في التعليم. واعتبر الباحث اللغوي أن محاولة ربط جودة التعليم في المغرب باللغة الفرنسية، هو إهانة للعقل المغربي وجهود الحركة الوطنية في معركة استقلال البلد، مضيفا أن "كل مغربي أصبح مضطرا إلى قتل نفسه قتلا عبر أخذ أبنائه لمدرسة خاصة من أجل تعلم اللغة الفرنسية بسبب الواقع". وأردف الإدريسي أن الفرنسية في المغرب أنتجت الهزيمة والإعاقة والانفصالية لدرجة أصبح من النادر أن تجد لائحة طعام أو ورقة أداء في مطعم أو مرآب باللغة العربية، على حد قوله. وأشار إلى أن اللغة الفرنسية لم تعد لغة البحث العلمي إطلاقا، وأن دولا مثل إيران وتركيا أصبحت تدرس العربية في مدارسها ابتداء من الإعدادي كلغة ثانية، كاشفا أن الأوروبيين والأمريكيين يكتبون أرشيفهم الحالي، سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وغيرها، بالعربية، لأنهم يعلمون أنها اللغة التي ستستمر كما هي بعد قرون من الآن، عكس لغاتهم، حسب قوله. وذكر أن الألمان لا يسمحون بالتشويش على الأطفال عبر لغة ثانية إلا بعد سن الحادي عشر، لافتا إلى أن العشرين دولة الأولى في العالم اقتصاديا وعسكريا تعتمد بصرامة في التدريس على لغاتها الوطنية. وبخصوص المجلس الوطني للغات والثقافة، استغرب أبو زيد عدم منح أي سلطة حقيقية في مشروع القانون التنظيمي لهذا المجلس الذي يناقش في البرلمان، مشيرا إلى أن صلاحيات المجلس هي فقط استشارية مثل الاقتراح وإبداء الرأي وإنجاز الدراسات، عكس أكاديمية اللغة الفرنسية التي لها سلطة تنفيذية لدرجة أن قضاة الأكاديمية لهم الحق في إغلاق محل تجاري لا يكتب اسمه بالفرنسية. وأوضح في نفس الصدد، أن أكاديمية محمد السادس للغة العربية تم الإجهاز عليها، بعدما كانت ستمنح لها صلاحيات حقيقية باعتراف الوزير الوصي حينها عن حزب التقدم والاشتراكية عمر الفاسي الفهري.