أن يفشل بنكيران في تشكيل الحكومة معناه، أن رئيس الحكومة المكلف يوم 10 اكتوبر من طرف الملك محمد السادس، قد تقريرا حول المرحلة الأولى من المشاورات، وهي مرحلة الموقف المبدئي من المشاركة، والتي لم تثمر قبول الأحزاب بالمشاركة لتشكيل الاغلبية الحكومية. يعني أن بنكيران يخبر الملك أن بعض الأحزاب ترفض المشاركة لأسباب معين، فيقتنع الملك بهذه الأسباب، ويدعو الملك إلى الانتخابات مرة أخرى. بمعنى آخر، لا يمكن القول أن بنكيران فشل في تشكيل الحكومة إلا بالدعوة إلى الانتخابات البرلمانية مجددا. هل الانتخابات ممكنة في المغرب؟ الذين يتوقعون انتخابات جديدة، يتصورون اننا نعيش ديمقراطية حقيقية، فحينما يفشل رئيس الحكومة في تشكيل الحكومة، تصبح الكلمة النهائية، الرجوع إلى الشعب. الثقافة السياسية المغربية، تؤكد ان الشعب لا يرجع إليه لحسم تناقضات المشهد الحزبي والسياسي، النزاع والاختلاف بين الاحزاب تحسمه "المؤسسة الملكية"، لأن حسما يعزز رصيد شرعيته في المشهد السياسي، أنه فاعل سياسي حاكم وحكم ومتحكم. الشعب يرجع إليه، لا يكون حاكما أو حكما أو متحكما، بل يرجع إليه، ليبارك سياسات عدت سلفا، ونقاشات حسمت من طرف النخبة. ولذلك، كان يحكي بنكيران في تجربته الحكومية السابقة، كيف كان يتم تشكيل الحكومة، حيث أكد مرارا وتكرارا دور المؤسسة الملكية في هذه العملية، فهو يحكي مثلا أن الوسيط بيه وبين الملك هو الهمة، بإذن من الملك، يناقشان كل شيء خاصة في عملية الاستوزار، ويؤكد بنكيران أنه مرة يتفق ومرة يختلف كما وقع في "بلمختار"، ثم إن بنكيران تحدث على أن الملك هو من شجع البجيدي والاحرار ليتحالفا في النسخة الثانية من الحكومة السابقة. لكن الأساسي، هناك اختلاف حقيقي في تشكيل هذه الحكومة، وسيحل بالتفاوض، كل الاحزاب تقريبا تهرب من المعارضة، وأصبح البام معزولا. ما دلالة هذا الوضع؟ أن اطروحة ثنائية القطبية انهدمت، الجميع يريد أن يكون مع البجيدي بشروط، والبام بقي وحيدا، بمعنى أن القطب الثاني المعارض لا حزب معه. والذي كان سببا في انهيار هذه القطبية - بموضوعية- هو حميد شباط زعيم حزب الاستقلال، اكتشف متأخرا، أن البام لا يستهدف البجيدي، بل يأكل الخزان الانتخابي للاستقلال أولا والاتحاد ثانيا..، ثم أن وجود الاستقلال في المعارضة، هو تجميل لصورة البام في المعارضة، أنه يصطف معه أحزاب تاريخية "الاستقلال والاتحاد" لمعارضة البجيدي. ومن هنا نفهم الخرجة القوية لحيمد شباط، الذي صوب قدائفه النارية تجاه إلياس العماري بشكل غير معهود، ومدح البجيدي مدحا غير معهود، لان مصالح الاستقلال تضيع، ويريدونه أن يمكث في المعارضة، وأن يحل محله الاحرار في المشاركة الحكومية. بمعنى، آخر كل ما يجري الآن، هو من اجل سواد عيون البام، لكي لايبقى معزولا كالمجذوم في المعارضة، يريدون من حميد شباط ان يواصل خطاباته النقابية ضد بنكيران هو ولشكر، لكي يقوموا بتنشيط المعارضة، ولايريدون الاحرار في المعارضة مع البام، لأن معارضة لأحزاب إدارية من صنيعة الدولة. المتوقع، أن بنكيران لن يفشل في تشكيل الحكومة، ولن تكون هناك انتخابات جديدة، كل ما في الامر، سينتظر بنكيران عودة الملك، وتتم المفاوضات، وطبعا ستكون تنازلات من الجميع بتدخل من المؤسسة الملكية، لتخرج حكومة صاحب الجلالة، وليس حكومة رئيس الحكومة عبد الإله بنكيران.