منذ القدم تشتهر العرب باستعمال عبارة "الموضوع فيه إن"، أو عبارة "القضية فيها إن"، للتعبير عن وجود غموض وعناصر مخفية في قضية معينة، فما أصل العبارة وما قصتها؟ أرجع العلامة ضياء الدين ابن الأثير في كتابه "المثَل السائر في أدبِ الكاتبِ والشاعر"، أصل القصة إلى عهد أمير حلب علي ابن منقذ في عهد الملك محمود بن مرداس في القرن الخامس هجري، ووقع بينهما خلاف حاد جعل الملك يفكر في قتل الأمير الذي فطن بذكائه للموضوع وفر إلى مدينة دمشق. وأمر الملك كاتبه الذي كان يتصف بذكاء شديد، بأن يكتب رسالة للأمير علي يطمئنه فيها ويدعوه للعودة إلى بلاده، غير أن الكاتب فطن لتبييت الملك نية الخيانة فكتب للأمير رسالة عادية وختمها بعبارة "إنَّ شاء اللهُ تعالى" بتشديد النون. ويتابع العلامة ابن الأثير في كتابه المذكور، أن الأمير علي بن منقذ تعجب من خطأ الكاتب الذي يعرف ذكاءه ومهارته، لكنّه أدرك فورًا أنّ الكاتبَ يُحذِّرُه من شيء ما حينما شدّدَ تلك النون، ولمْ يلبث أنْ فطِنَ إلى قولِه تعالى: "إنّ الملأَ يأتمرون بك ليقتلوك". فكان رد الأمير على رسالة الملك برسالة مماثلة، كانت عادية في كل فقراتها يشكر من خلالها للملك أفضالَه ويطمئنُه على ثقتِهِ الشديدةِ به، وختمها بعبارة:"إنّا الخادمُ المُقِرُّ بالإنعام"، بتشديد النون. فلما قرأ الكاتبُ جواب الأمير علي بن المنقذ، فطِن إلى أنّه يبلغه أنه قد تنبّه إلى تحذيره المبطن، وأنه يرُدّ عليه بقولِه تعالى: "إنّا لن ندخلَها أبدًا ما داموا فيها"، واطمأن إلى أنّ الأمير لن يعودَ إلى حلَبَ في ظلِّ وجودِ ذلك الملكِ الذي يحاول الغدر به. ومنذ انتشار القصة تداول العرب عبارة "الموضوع في إن" أو"القضية فيها إن"، للتعبير على وجود شيء غامض في موضوع أو قضية ما.